تأملات في وفاة عالم فلسطين
تأملات في وفاة عالم فلسطين...
إيمان رمزي بدران
عضو رابطة أدباء الشام
عضو رابطة الأدب الإسلامي العالمية
منذ سماعي لخبر وفاة العلامة الشيخ حامد البيتاوي _ رحمه الله _ وأثناء متابعتي للنبأ؛ وجدتني تختمر في ذاكرتي أفكار طالما راودتني، وأراها في وفاة الشيخ تتجسد واقعا عمليا، فهؤلاء الرجال الذين لم تلن لهم قناة طول عمرهم حتى لو تواروا عنا بأجسادهم لكنهم لم يموتوا.
موتُ الكرامِ حيَاةٌ فِي مواطنِهمْ فإِنْ هُم اِغتربوا ماتوا وما ماتُوا
ولعل كثيرين فد لمسوا هذه المشاعر والتأملات لكنني وجدتني أمسك بقلمي كي اكتب ما جال بخاطري ،ولم أكن لأمسك بالقلم لأكتب في عالم بوزن الشيخ رثاء عابرا ؛بل عبرا عظيمة ونفحات جليلة! ولعلي هنا أستعرض بعضها :
"تعز من تشاء وتذل من تشاء" :
حين يسعى المحتلون جاهدين لكي ينالوا من عظمة المجاهدين العاملين الصادحين بكلمة الحق فيمنعون السيخ المريض من السفر للعلاج ويأبى الله عز وجل إلا أن تكون نهايته في أقدس مدينة وفي المكان الذي طالما منع من دخوله دهرا من الزمن ليسلم روحه لباريها في مدينة القدس ؛تلك المدينة التي تعني له الكثير ولنا كيف لا وهو خطيب المسجد الأقصى الذي صدح بالحق على منبره دهرا من الزمن ولعل الله تعالى قد اراد أن يكتب له تلك الوفاة وأن يصلى عليه في المسجد الأقصى كرامة له وعزة لم يكن يريدها له أعداؤه ولن يستطيعوا منعها عنه ولو حاولوا! فالله يعز من يشاء وقد أعزه بالصلاة عليه في ساحات المسجد ألأقصى ويذل من يشاء فأذل بميتته على تلك الهيئة أعداء الله الذين راودتهم أنفسهم أنهم إن منعوا سفره أذلوه وهيهات لهم ذلك!
"وَحَرَامٌ عَلَى مُنَافِقِيهِمْ أَنْ يَظْهَرُوا عَلَى مؤمنيهم وَلا يَمُوتُوا إِلا غَمًّا وَهَمًّا" [1]
هذا الحديث الشريف في فضائل بلاد الشام ولعل هذا الأمر بدا جليا فلم تكن جنازة الشيخ إلا إعلانا وإيذانا بأن الحق ظاهر وأن الباطل خائر وأن كلمة المؤمنين ما تزال هي العليا ولعلني كنت أحس خوارا وهلعا في نفوس يعض منافقي السياسة وحزنا كاد يفتك بهم لا على فراق شيخ مجاهدة بل على انبعاث روح الإيمان والجهاد من جديد في لحظات ظن يعضهم أن روحها قد أخمدت ولم تعد تنبض بالتكبير في مساجد الضفة فإذا وفاة عالم جليل بحج الشيخ البيتاوي توقظ الإيمان غضا في نفوس ذاقت مرارة الظلم والتنكيل ! وإذا نرى الجلادين يكادون يقضون هلعا من هبة الإيمان وحزنا على ما فات من أموال "دايتون" هباء وغيظا من هتافات الجموع المؤمنة!
"تالله ما الدعوات تهزم بالأذى أبدا كلا وفي التاريخ بر يميني"
بيت شعر مشهور بين الإسلاميين في مشارق الأرض ومغاربها! وتجسد حقيقة فبعد سنوات عجاف من القهر والحظر ما لبثت رايات العزة تخرج في سيل عارم ! نفوس كانت تتوق إلى أن تهتف في وجه جلاديها: كفى ! فلن تجدي سياطك في سلخي عن عقيدتي ! كفى فلم تعد تهديداتك تعنيني فسلت أبالي ما أصابني إن كان في سيبل الله ! ترى وجوه المشيعين تنطق بها عيونهم وإن لم تنطقها شفاههم . ولعل هذا ما يذكرنا بقول سيد قطب _رحمه الله_" إن الأفكار تولد ميتة فإذا متنا من أجلها انتفضت وعاشت بين الأحياء"
"خرابها بقبض العلماء والفقهاء وأهل الخير فيها"[2]
وهذا خوف نازعني حين تجولت ببصري وذاكرتي في أرجاء الضفة الغربية فلم اجد فقيها عالما بحجم الشيخ _رحمه الله _ فوقع في نفسي أننا إن لم نتدارك ألأمر ونعمل على إيجاد جيل رباني فريد يحمل رسالة الشيخ وعلمه وجهاده فوا خوفاه أن تكون وفاته إيذانا بخراب لا يمكن إصلاحه! _لا سمح الله_ فهل تعقلون! وأنى تصرفون؟
[1] الطبراني حديث رقم 421 باب ما روي في أن أهل الشام مرابطون وأنهم جند الله...
[2] تفسير ابن كثير في قوله تعالى " أولم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها...