في الذكرى الرابعة عشر لوفاة والدي
في الذكرى الرابعة عشر لوفاة والدي
الشيخ اسعد بيوض التميمي رحمه الله
(هذا جدُك يا ولدي)
محمد أسعد بيوض التميمي
مدير مركز دراسات وأبحاث الحقيقة الإسلامية
(( من الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلا)) ] الاحزاب:23 [
انني بداية لا أكتب عن والدي من باب أن ولد يكتب عن والده,لا فإنما أكتب عن والدي رحمه الله من باب أنه كان صاحب رسالة وتجربة في الحياة,اجد من الواجب علي ان اقدمها للناس بإختصار شديد لمن لم يعرفوا الشيخ عن قرب أو سمعوا به ويريدون معرفة بعض المفاصل الرئيسية في حياته أو توضيح لها ولأخذ العبرة من هذه التجربة,فوالدي رحمه الله لم يكن شخصا عاديا أو رقماً,فهو قد ترك بصمة كبيرة في تاريخ الأمة الحديث تركت أثراً كبيراً في وعي الأمة,وأنا أفتخر وأعتز بذلك, وهذه البصمة سيتعرف عليها القاريء من خلال السطور القادمة والتي كتبتها بناءاً على الحاح كثير من الناس يريدون أن يتعرفوا على بعض المحطات الرئيسية في حياته,فوجدت من المناسب أن أكتب عنه رحمه الله في ذكرى وفاته التي تحل هذه الأيام .
فقبل أربعة عشرعاما بالتمام والكمال غادروالدي((الشيخ اسعد بيوض التميمي رحمه الله))هذه الدنيا الفانية إلى دار الأخرة الباقية ومن ضيق الدنيا الى سعة الآخرة بعد حياة عريضة حافلة بالجهاد في سبيل الله,حيث قضى حياته في الدفاع عن الاسلام وأمة الاسلام مجاهداً ومحرضاً على الواقع الرديء والسيء الذي تعيشه الأمة منذ عقود طويلة وكان يتحدى الظالمين,فكان والدي رحمه الله ناصحاً أميناً لأمته,فلم يخدعها يوماً أو يُجاملها بالحق أو يُتاجر بقضاياها وأمالها وألامها,بل كان صادقاً أميناً معها لا يخشى في الله لومه لائم,فكل من يعرفه يشهد له بأن جُرأته بالحق كانت تتجاوز كل الخطوط وكل مألوف,وهذه الجُرئة كانت تثير حنق الظالمين وحقد الحاقدين وحسد الحاسدين وكل الجبناء الذين كانوا يجدون أنفسهم أمامه صغاراً وحقراء,فكانوا يُحاربونه دون هوادة وبشتى الأساليب وهو لا يلتفت اليهم,كان عملاقاً يستصغر الدنيا وعبادها وكهنتها,فكان همه الأكبر هو أن يرضى الله عنه وأن يكون معه وأن يفوز بالجنة,فكان يريد حرث الآخرة ولا يريد حرث الدنيا,عاش لدينه وأمته ولم يعش لذاته,لم يُجامل أصحاب الأيدلوجيات ولا الأحزاب ولم يهادن الحكام الظالمين الذين حُملوا على رقاب الآمة تحميلاً يوماً,كان متوكلا على الله بشكل مطلق فلم يهمل هم الرزق يوماً وكان الله كافيه.
ذهب والدي رحمه الله إلى الأزهر طفلاً يافعاً وهو في الحادية عشر وعاد من الأزهر وقد بلغ الرابعة والعشرين وقد حصل على أعلى الشهادات التي يمنحها الأزهر لطلابه حيث درس الإعدادية والثانوية الأزهرية,الى أن حصل على الليسانس بالشريعة والشهادة العالمية بالقضاء الشرعي والتي تعادل شهادة الدكتوراة اليوم بل أعلى بكثير,فالأزهر في ذلك الزمن في عام 1949 غير الأزهر هذه الأيام وعندما تخرج من الأزهر وعاد إلى مدينته الخليل(خليل الرحمن)في فلسطين.
اشتغل بالتعليم ولكن الدنيا لم تكن أكبر همه,فكان مسكوناً بهم الاسلام وأمة الاسلام,وأخذ يُفكر كيف السبيل إلى عودة الاسلام إلى الحياة وعودة أمة الاسلام لقيادة البشرية من جديد وكيف للآمة ان تتحرر من جديد من الظلم والطغيان والسيطرة الغربية عليها ولماذا وصلت الى ما وصلت اليه من بوار واندحار وهوان على الناس وكيف النهوض بها والخروج من هذا المأزق الذي تعيش فيه منذ سقوط الدولة العثمانية أخر دولة اسلامية .
فكان والدي رحمه الله على موعد مع القدربأن يسر الله له اللقاء مع الشيخ تقي الدين النبهاني رحمه الله(وهو من قرية اجزم من مدينة حيفا)الذي كان يُفكر في واقع أمته وما السبيل إلى الخلاص مما هي فيه,فكان التوافق الفكري والنفسي بينهما وفي الاهداف(رغم أن الشيخ تقي رحمه الله كان يكبر والدي بالعمر بعشرين عاما تقريبا)فوجد فيه الشيخ تقي الدين النبهاني ضالته وهو أيضاً وجد في الشيخ تقي الدين النبهاني ضالته وكانت في ذهن الشيخ تقي رحمه الله قد تبلورت فكرة إنشاء حزب اسلامي عالمي يعمل على تحرير الامة واعادة الخلافة الإسلامية التي ازالها الكفار من الوجود بعد الحرب العالمية الاولى لإستئناف الحياة الاسلامية من جديد,فعرض هذه الفكرة على والدي رحمه الله,فلقيت هذه الفكرة عند والدي رحمه الله قبولاً قوياً ووجد فيها الفكرة التي يبحث عنها وبذلك تشكلت((أول خلية في حزب التحرير الاسلامي من اثنين الشيخ تقي الدين ووالدي رحمهما الله في بيتنا في مدينة خليل الرحمن في فلسطين وهذا شرف عظيم لنا))لتتكاثر هذه الخلية من بعد ولتنتشر في العالم ومن ثم بدأ الاثنان الاتصال بمن يعرفون من أهل العلم والفكر وخصوصاً خريجي الازهر,فعرض والدي رحمه الله الفكرة على ((الشيخ عبد القديم زلوم زعيم الحزب الذي جاء بعد الشيخ تقي الدين النبهاني رحمه الله وهو من مدينة الخليل في فلسطين))وكان صديق الطفولة لوالدي وذهبا الى الآزهر معا ثم عرض الفكرة على((الاستاذ عبد القادر زلوم من مدينة الخليل والشيخ أحمد الداعور من مدينة قلقيلية في فلسطين وعلى الشيخ داوود حمدان من مدينة اللد في فلسطين وعلى الشيخ نمر المصري من مدينة نابلس في فلسطين وغانم عبدو من عكا))وهكذا تشكلت أول حلقة في حزب التحرير الاسلامي.
وكان والدي رحمه الله خطيباً مؤثراً وبليغاً ومُفوهاً وهذه الميزة مكنته من التأثير بالناس والقيام بنشر أفكار الحزب من خلال الخطابة,فصار خطيب الحزب دون منازع مما أهله بأن يقوم بنشر الحزب في الاردن وفلسطين وسوريا ولبنان,حيث اخذ كثير من الشباب يلتفون حوله وحيث كان يتمتع بكاريزما عالية,ومن ثم من خلال عمله بالتدريس ضم كثير من الطلاب الى الحزب وكثير من هؤلاء الطلاب عندما حصلواعلى الشهادة الثانوية والتحقوا بالجامعات خارج فلسطين والاردن عملوا على نشر الحزب في البلدان التي ذهبوا إليها حتى وصل الحزب من خلال هؤلاء الطلاب إلى كثير من البلدان الأوروبية التي درس فيها البعض,وبعد أن تخرجوا وعملوا في كثير من البلدان وخصوصاً دول الخليج العربي واحتكاكهم في كثير من أبناء الجنسيات العربية والاسلامية المختلفة الذين يعملون في دول الخليج عملوا على نشر الحزب بينهم وعندما عاد هؤلاء إلى بلدانهم ودولهم عملوا على نشر الحزب في بلدانهم,وهكذا انتشر الحزب في جميع أنحاء العالم,وبعد عدة سنوات وبعد أن اصبح الحزب حزباً عالمياً اختلف والدي رحمه الله مع((الشيخ تقي الدين النبهاني رحمه الله))بالإجتهاد في إحدى المواقف السياسية,وهذا الموقف هو أن الحزب قد رشح والدي رحمه الله إلى مقعد تكميلي في البرلمان الاردني قد مات صاحبه(حيث ضمت الضفة الغربية الجزء المتبقي من فلسطين بعد عام 1948 الى الضفة الشرقية وصارت جزء من الاردن وصار البرلمان الاردني يمثل الضفتين)و كان والدي رحمه الله لا يرغب بخوض هذه الانتخابات ولكنه انصاع لأمر الحزب وقد فاز والدي رحمه الله فوزاً كاسحاً في الانتخابات,فما كان من الحكومة الاردنية في ذلك الوقت إلا أن قامت بالغاء النتيجة ووضع والدي رحمه الله في السجن مما أدى إلى حدوث اضطرابات واضراب عام في مدينة الخليل تضامنا مع والدي رحمه الله,وأنزلت الحكومة الاردنية قوات البادية إلى المدينة وهددت بارتكاب مذبحة إن لم ينسحب والدي رحمه الله من المقعد الانتخابي,ونتيجة ذلك حصلت ضغوطات هائلة على والدي رحمه الله من وجهاء مدينة الخليل للإنسحاب تجنباً لحدوث كارثة أو مذبحة من أجل مقعد برلماني في انتخابات تكميلية ومن أجل تجنيب مدينة الخليل أية نقطة دم قد تسيل بسببه قرر الانسحاب والتنازل عن المقعد مُكرها وكان هذا اجتهاد منه,ونتيجة ذلك فما كان من((الشيخ تقي الدين النبهاني رحمه الله))إلا أن إتخذ قراراً متسرعاً ودون محاكمة حزبية بفصل والدي رحمه الله من الحزب مما جعله يشعر بطعنة نجلاء قد وجهها له أستاذه وقائده ومعلمه يومئذ((الشيخ تقي الدين النبهاني رحمه الله))مما أصابه بحالة نفسية صعبة حتى أنه اعتزل الناس وقررمغادرة الاردن الى الخارج وهو على الحدود الاردنية السورية تم القاء القبض عليه ومنعه من السفر,ورغم شعوره بالظلم الذي لحق به من فصله من الحزب من اعز الناس على قلبه((الشيخ تقي الدين رحمه الله))إلا أنه بقي على علاقة جيدة وقوية مع جميع شباب حزب التحرير وكانوا يعتبرونه أستاذهم ومُعلمهم,وكان ((الشيخ تقي رحمه الله))يذكر والدي بكل تقدير ولا يُنكر دوره في تاسيس الحزب ولا يُنكر ذلك الا مُتحامل.
وبعد فترة طويلة من الجلوس في البيت عرض عليه قاضي القضاة في ذلك الوقت ((الشيخ أمين الشنقيطي رحمه الله))وكان صديقاً له بأن يستلم((مديرية أوقاف القدس))ولما للقدس من منزلة خاصة في عقل وقلب ووجدان والدي رحمه الله لمنزلتها الخاصة في الاسلام وهي توأم مكة المكرمة والمدينة المنورة ومسرى محمد صلى الله عليه وسلم وأولى القبلتين قبل ذلك وليكون قريبا من المسجد الاقصى المبارك مسرى محمد صلى الله عليه وسلم وقبل العرض.
وكان انتقال والدي رحمه الله للقدس بداية مرحلة جديدة في حياته اثرت فيه وفي الناس,حيث شعر بأن الله قد اختاره ليكون في القدس ليستأنف دوره في الدعوة الى الله ونصيحة الآمة,فصار يخطب في المسجد الاقصى المبارك,حتى انه لُقب((بخطيب المسجد الآقصى))وما أشرفه وما أرفعه من لقب,حيث كان يُلقي كل جمعة خطبة بعد الصلاة وكانت هذه الخطبة سياسية بامتياز,يتحدث فيها عن الاحداث السياسية التي تحدث خلال الاسبوع في المنطقة والعالم,وكان يحضر هذه الخطبة كثير من الناس ومن جميع أنحاء العالم الاسلامي الذين كانوا يأتون لزيارة((المسجد الاقصى المبارك))وكان في هذه الخطبة يُحذر الناس من الخطرالداهم الذي يتهدد الامة والاقصى بسبب الكذب والخداع والتضليل والدجل السياسي الذي كانت تمارسه الزعامات والاحزاب وأصحاب الأيدلوجيات السائدة في ذلك الوقت والتي خدعت به الامة من المحيط الى الخليج ويدعو الامة((أن تعود إلى دينها إلى اسلامها الى ربها الى الطريق المستقيم الى طريق النجاة ولكن لا حياة لمن تنادي)) فكانت الامة في واد ووالدي في واد اخرإلى أن حصلت الكارثة والهزيمة المروعة على أيدي هذه الزعامات والاحزاب والايدلوجيات((صبيحة الخامس من يونية حزيران عام 1967)) وكان يومها والدي رحمه الله في بيروت بمهمة عمل رسمية فحصلت الحرب المسرحية وهو خارج القدس وحاول أن يعود سريعاً الى القدس وما أن وصل عمان في طريقه الى القدس كان كل شيء قد انتهى خلال ساعات وقد ضاعت القدس وحصل ما كان يُحذر منه,فبقي في عمان ولم يستطع العودة الى القدس مما اصابه بصدمة عنيفة كادت ان تودي به,وبعد عدة اسابيع من سقوط القدس بيد اليهود اضطرنا نحن افراد عائلته أن نلتحق به في عمان لتبدأ مرحلة جديدة في حياة والدي رحمه الله,فلم ييأس ولم يستسلم فأخذ يستنهض الامة ويُحرض على الجهاد من على منابر المساجد وفي كل مناسبة وفي كل مكان وبكل وسيلة متاحة وأخذ يُبشر بالنصرالقادم وأن الامة ستنهض على أيدي المجاهدين الذين سيبعثهم الله عما قريب الذين سيقاتلون لتكون كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا السفلى.
ففي عام 1979- 1980 بدأ والدي رحمه الله بتأسيس((حركة الجهاد الاسلامي الفلسطينية))مع مجموعة من الشباب,وأخذت هذه الحركة تثبت موجودية على الساحة الفلسطينية وفي الصراع مع اليهود الغاصبين,فقامت بعدة عمليات نوعية وصارالشيخ رحمه الله يُصنف عند اليهود والامريكان كإرهابي وصار مطلوب بتهمة الارهاب وصُنف كأحد أخطرالارهابيين ومما عرضه الى عدة محاولات اغتيال من قبل اليهود .
عندما قامت الثورة الآيرانية وقف والدي رحمه الله معها ظانا بها خيراً,حيث أخذت ترفع الاسلام بيد وتحرير فلسطين بيد,ولم يكن هذا الموقف موقف التابع بل كان يُعاملهم بندية ويدعوهم الى الترضي عن الصحابة وتكفير كل من يلعن الصحابة أو أمهات المؤمنين ويدعوهم الى العودة الى القرأن والسُنة ليكونا الحكم في ما اختلفنا به من أجل ان يثبتوا صدق ما يرفعونه من شعارات مما كان يُسبب لهم ازعاجاً, فسرعان ما اكتشف كذبهم وخداعهم وحقدهم الدفين على الإسلام والمسلمين وعلى الصحابة واحفادهم فافترق مع الثورة الايرانية نجاة بنفسه من النار في جلسة كنت شاهداً عليها في عام 1991 مع الخامنئي حيث قال والدي رحمه الله لخامنئي والقيادة الايرانية:
((أنا عندما وقفت معكم من أول يوم كنت أظن بأننا سنعمل سوياً على ازالة كل الخلافات بين السُنة والشيعة على أساس القرأن والسُنة,ولكن أعلن بأنني قد فشلت,فأنتم تريدونني إما أن أتشيع أو أن أكون عميلاً,ولكنني أعلمكم بأنني لن أكون هذا أو ذاك,فأنا ند لكم ولن أموت إلا على عقيدة رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى حُب أبي بكر وعمر وجميع الصحابة رضوان الله عليهم اجمعين وهذا فراق بيني وبينكم)).
بعد هذا اللقا غادرنا طهران بغير رجعة من ذلك التاريخ وانقطعت أية صلة لوالدي رحمه الله مع الايرانيين .
ولكن ايران لم تتركه وشأنه فقامت بالتأمرعلى((حركة الجهاد الاسلامي))حيث قامت بالاتصال ببعض قيادات الحركة وشجعتهم على الانشقاق وقدمت لهم الدعم المادي المُغري وذلك انتقاماً من والدي رحمه الله,فحركة الجهاد الإسلامي التي تتبع ايران الآن ليس لنا علاقة بها.
واستمر والدي رحمه الله في حياته مجاهداً غير مهادن لأعداء الله والظالمين أجمعين فاعتقل في الاردن عدة مرات ووضع في ظروف قاسية جدا في السجن لم يتعرض لها سجين من قبل,كانت تمنع عنه الزيارات,وكُنا نحن أبناءه أحيانا يكون نصفنا في السجن عددنا بفضل الله ثمانية شباب,ولكن ذلك لم يثنيه عن طريق الحق والدعوة الى الله ومجابهة الظالمين ولم يفت في عضضه أو يفتر عزيمته أو يغير أو يُبدل بل كان دائما يُحدث نفسه بالشهادة وكان يقول لنا((والله يا اولادي لا يغيب الموت عن ذهني لحظة وأنا دائما متهيء للقاء الله,وكان يوصينا قائلا يا اولادي إن مت أو قتلت إياكُم ثم إياكم أن تغيروا أو تبدلوا بعدي إستمروا على نفس الطريق طريق الاسلام العظيم طريق العزة والكرامة والمجد,فنحن ما خلقنا عبثا ولاهملا وإنما لعبادة الله وحمل رسالته,وكان يقول أرجو من الله أن يُنهي حياتي بالشهادة في سبيله لأنتقل من هذه الدنيا الى الجنة مباشرة ولكن لله امر اخر))
فما أن جاء مساء يوم 21/3/1998 وفي الذكرى الثلاثين لمعركة الكرامة ارتقت روحه الطاهرة الى بارئها في مستشفى الاردن في عمان بعيداً عن وطنه فلسطين المباركة وعن المسجد الآقصى الذي كانت روحه متعلقة به والذي لم يفقد الامل الى اخر يوم بأنه سيعود اليه,ولقد شيعه الألوف في جنازة مهيبة ليُدفن في مقبرة سحاب القريبة من عمان بعد صلاة ظهر يوم 22/3/ 1998 وأقيم له بيت للعزاء في عمان أمه خلال ثلاثة ايام عشرات الألوف من المعزين وكان أضخم عزاء تشهده الاردن إلى الان,وأقيم له بيوت عزاء في كثير من بلدان العالم الاسلامي وفي مسقط راسه في مدينة خليل الرحمن في فلسطين وفي القدس وفي اليمن وفي باكستان وفي مصر وصلي عليه صلاة الغائب في المسجدالآقصى وكثير من بلدان العالم الإسلامي,فكم كان يتمنى والدي رحمه الله أن يموت على ارض فلسطين أو يُدفن في ثراها الطاهر المبارك ولكن اليهود الملاعين منعوه من ذلك .
لقد ترك والدي رحمه الله ثلاث مؤلفات وهي:
المؤلف الاول
كتاب أضواء كاشفة كتبه قبل عام 1967 في عام 1965 وهو عبارة عن صرخة للأمة وتحذير لها من الهاوية والهزيمة والكارثة التي تسير نحوها بسبب ابتعادها عن دينها واتباعها الزعامات والأيدلوجيات والأحزاب.
المؤلف الثاني
كتاب زوال اسرائيل حتمية قرأنية وهو كتاب طبع بعدة لغات في العالم وعدة طبعات وفي هذا الكتاب يؤكد على البعد العقائدي للصراع مع اليهود في فلسطين وبأن دولة اسرائيل إلى زوال مهما طال الزمان
المؤلف الثالث
كتاب الغيب في المعركة والتغيير الكوني القادم ,وفي هذا الكتاب يتحدث عن التغيير القادم والمفاصلة التي ستحصل بين الحكام والشعوب وعن الصحوة الاسلامية وبأن المستقبل للاسلام ,والذي يقرأ هذا الكتاب سيظن أن والدي رحمه الله لا زال على قيد الحياة وهو حي يُرزق وبأن هذا الكتاب قد كتبه في هذه الايام التي حدثت بها الثورات العربية والمفاصلة بين الشعوب وحكامها ,فهو يتحدث عن هذه الثورات وكأنه يعيش بيننا اليوم,انه كان يرى بنورالله.
وبالإضافة الى ذلك عشرات الخطب والمحاضرات التي القاها,فوالدي رحمه الله كان وعيه السياسي سابق عصره بكثير.
لقد كان بيت والدي رحمه الله مفتوحا لكل الناس ولم يرد عنه صاحب سؤال حتى لو كان غير صادق بسؤاله وكان بمثابة جامعة مفتوحة ليل نهار,فمجلسه لم يكن يخلوا من الناس والضيوف وهو لا يكل ولا يمل بالحديث اليهم عن هموم الامة وقضاياها حتى نحن ابناءه لم يكن يتحدث معنا إلا بهموم الامة وقضاياها,فما أن يقبل عليه أحدنا حتى يبادره بالسؤال ما هي اخر الأخبار وإذا كان هناك حدث مهم يستفسر منا ما هي اخر اخبار تبعات هذا الحدث,فلم نسمعه يوما يتحدث معنا أو مع الناس عن متاع الحياة الدنيا حتى انه رحمه الله لما كان يُرسل لي الرسائل عندما كنت طالبا في الجامعة في مصر فورا يبدأها بعد البسملة وحمد الله وصلاة على رسوله بالحديث عن هموم الامة وقضاياها,فيبدأ بمخاطبتي رحمه الله يا ولدي ان امتنا اليوم تمر بمرحلة تاريخية خطيرة ووو ........وينسى احيانا كثيرة ان يسألني عن دراستي أو أحوالي.
الى كل من يريد ان يطلع على كتب الوالد وخطبه وعلى ارشيفه فهي موجودة على موقعه,ومن اجل ان يقارن بين بعض ما كتبته عن والدي رحمه في هذه العجالة وبين ما هو موجود في أرشيفه وليطلع على كثير من مواقفه ومحطات اخرى في حياته ليس هناك مجال ان أذكرها في هذه العجالة وليكتشف بأن ما كتبته في هذه السطورة أقل بقليل مما هو موجود وهذا هو عنوان الموقع www.asaadtamimi.net
لقد ترك والدي رحمه الله لنا إرثاً معنوياً هائلاً لا يُقدر بثمن يغبطنا عليه الكثير من الناس ويحسدنا عليه الكثير,فهو بفضل الله كان أكثر علماء فلسطين والاردن جماهيرية,فرحم الله والدي رحمة واسعة وأدخله فسيح جنانه,لقد بلغ الامانة وأدى الرسالة ونصح الامة ومات على المحجة البيضاء عاش لدينه وأمته مسكوناً بهمومها وقضاياها لم يخدعها يوما ولم يخشى في الله لومة لائم
فهذا هو جدك يا ولدي فافتخر به وكن إمتداد له لتكون فرعا في شجرة مباركة بأمر الله,لذلك فانني أهديت جميع كتبي التي ألفتها ومجموعها خمسة للآن إلى والدي رحمه الله اعترافا له بالجميل,فأنا خريج مدرسته وامتداد له وأنا افتخر بذلك,فأنا لم أرى أو أسمع عن أب مثل ابي في حياتي فتكويني الفكري والثقافي كان في مدرسته وجامعته المفتوحة.
اللهم تقبله في الشهداء وفي الصالحين ومع النبين والصديقين وحسن أولئك رفيقا,فيا أيها المسلمون يا أيها الموحدون ادعو لوالدي بالمغفرة والرحمة فانه كان بشراً عاديا, كان يُخطيء ويُصيب ولم يكن معصوما من الخطأ ولا الذنوب,فالعصمة لا تكون إلا لنبي ووالدي لم يكن نبيا وإنما بشر مثلكم فهو بحاجة الى دعائكم واستغفاركم.
اللهم اغفر له وارحمه,اللهم إن كان مُسيئا فتجاوز عن سيئاته وإن كان مُحسنا فبارك له في حسناته,اللهم انك عفو كريم فاعفو عنه يا كريم,اللهم انك غني عن عذابه فلا تعذبه يا الله,اللهم نقه من ذنوبه كما ينقى الثوب الابيض من الدنس,اللهم اغسله بالماء والثلج والبرد,واللهم ارحم والدتي التي كانت رفيقة دربه وخير سند وخير معين له وصبرت معه في مشوار حياته الشاق والصعب وكانت تطبخ لضيوفه وتقوم بواجب ضيافتهم دون كلل ولا ملل,وبفضل الله ان بيتنا كان لا يخلوا من الضيوف وبالإضافة الى ذلك انها ربت ثلاثة عشر إبناً ثمانية شباب وخمسة بنات,بث الله منهم رجال كثيراًونساءاً,اللهم اجزها عنا خير الجزاء, رب اغفر لي ولوالدي، رب ارحمهما كما ربياني صغيراً.
(ووَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ)] لقمان:14 [