أنا لستُ لي
عبد اللطيف الحسيني
إلى غسان جانكير وفرحان سيدو .
كأنّ ما قلناه وقالَه الحِراكُ الوجوديُّ منذ أشهرٍ معلومات يُريدُه أشباهُ رجالٍ كانوا أقربَ إلى الاختفاء أوالاختباء (بالمعنى التحقيريّ) , باتَ ظلًّ أؤلئك الأشباه يُبانُ على سطح مَنْ يجاريه في جلساتٍ أقربَ إلى "القال والقيل" منها إلى هدير سمعته كلُّ جهات الأرض : سمعه الشمالُ قبلَ أنْ يُلقيه إلى جنوب الأرض المسحوق .
لا شكَّ في راديكاليّة بعض مثقفينا الذين كانوا قد ركبوها (على ما يبدو) في وقتٍ لم تكن الحياةُ بأمسّ الحاجة إليها , و حين طلبتها الحياةُ وتطلّبت تحديثَ تلك الراديكاليّة التي اختفتْ في غبّ الحدث , فكيف بمعتركه ؟ الوجود الصقيعيّ لهم , المتحرّك ضمن أُطر أشبه بصرخةٍ لا تخرج من (زنزانة أفواههم ) لن ينطلي صقعُ وجودهم إلا على أشباههم , فكيف بِمَنْ جارى صوت الحراك و صداه , وما بينهما من عتابٍ ونقد لم يكنْ يُرتجَى من أيٍّ كان حتّى من أقرب المقرّبين – البعيدين عن صدى ما قاله نبضُ الأطهار , حتّى باتَ جزءاً حقيقيّاً منه , وجودُه في وجودِه , إنْ غابَ , فسيغيب (وذاك لن يكون) .
و في الطرف الآخر من شأننا الداخليّ الصرف ثمّة حديثٌ خجول يُعجب الكثيرين ممّنْ (نمّروا و ذأّبوا جهاتٍ بعينها و ألّبوها على مساكين الأرض و بُسطائِها) . الحديث الخجول الأقرب إلى السَفَهِ العارم و الركيك الذي فحواه : السكوت أيّها السادة – عودوا إلى أماكنكم سالمين , بعدَما كنتم غانمين . أؤلئك كانوا غائبين عن أقرب جار سُحِقَ بفضلهم سنواتٍ .
- تجاه حالتين تجاريّتين تأسّس عقلٌ يقرأُ الواقعَ بأبهى صوره , وصلَ إلى حدّ التماهي معَه . الواجبُ الأخلاقيّ يقول قبلَ أيّ زيف رخيص , وقد كَثُر في الأيام الأخيرة : لا أحدَ يأمر ولا أحدَ ينهي عقلاً جديداً خَلَقَه الحسّ الحادّ بما حولَه نقاشاً وإعادة الإحساس إلى الكائنات وإلى وجودها الصارخ المنقّب. و لن أزجي أيَّ امتنان إلا لِمَنْ يستحقّ .
أتذكّر محمود درويش الذي احتجّ يوماً :
أنا لستُ لي
أنا لستُ لي.