رسائل من أحمد الجدع ( 67 )
أحمد الجدع
إلى سعد زغلول ... باشا .
أريد أن أبدأ رسالتي هذه بالتحدث عن صناعة الزعماء !!!
لقد برع الغرب الصليبي بصناعة الزعماء ، وطبق ذلك على عالمنا العربي الذي أصبح تجارب لمختبراته ، وبما أنه يملك الإعلام كاملاً كان ناجحاً في كل ما يفعله في بلادنا ، كان يتخير الشخص ، فإذا رأى فيه الصفات التي يريد بادر إلى صناعته .
ولصناعة الزعماء طرقها ، الاعتقال والإعلان عنه ، وبيان أسبابه : إنه وطني يريد أن يقاوم الاحتلال ، ثم الإفراج عنه واصطناع استقبال حافل له يتأثر به الشعب البسيط فينضم إليه ، واعتقال وآخر تزداد شعبية الرجل ويصبح زعيماً تنقاد له الجماهير ... هذه طريقة من طرائق المحتل الإنجليزي الصليبي ، وهي ما تعنينا هنا .
أبدأ الآن بمخاطبتك ، عندما وقف قاسم أمين في وجه الدعوة إلى سفور المرأة وخروجها من بيتها ، راعك ذلك ، لأنك كنت من مؤيدي السفور وخروج المرأة ، وكنت مع الشيخ محمد عبده من رواد صالون الأميرة نازلي فاضل التي تتزعم هذه الدعوة ، واتفقت مع الشيخ محمد عبده على تحريض قاسم أمين على التراجع عن رأيه ، وأخذتموه إلى صالون الأميرة نازلي ليعتذر لها ، وتعهد بأن يكون الاعتذار بتأليف كتاب يدعو إلى السفور علناً ، ويحرض المرأة على الخروج من بيتها ، وألف كتابه "تحرير المرأة" ، ويقول بعض المطلعين أنك ومحمد عبده ساعدتموه في ذلك ، بل وساهمتم في تأليف الكتاب !!!
وبعد انتهاء الحرب العالمية الأولى ذهبت مع علي شعراوي وعبد العزيز فهمي لمقابلة المندوب البريطاني لعرض مطالب البلاد بوصفكم من رجال حزب الأمة الموالي للاستعمار البريطاني .
وكنتم ثلاثتكم من دعاة الولاء للإنجليز ووجوب التعامل معهم ، وكنتم من الشاجبين لمفاهيم الحزب الوطني العريق في نضاله ضد الإنجليز .
تزوجت صفية ابنة مصطفى فهمي باشا الذي حكم مصر بالحديد والنار ثلاثة عشر عاماً ، ويعتبر رجل الإنجليز بمصر .
يقول المؤرخ المصري يونان أديب : كان تشكيل مصطفى فهمي باشا الوزارة انتصاراً كاملاً لتغلغل الاحتلال البريطاني في الشؤون المصرية ، ويسجل استسلامها السياسي الكامل للاحتلال !
ولقد قامت صفية هذه التي عرفت بصفية زغلول أدواراً مدمرة في حياة الشعب المصري ، وقد أطلق عليها أنصارها وأنصار أبيها أم المصريين !!!
وقد استعملت اسمها عندما أعلنت احتقارك للشعب المصري وقلت مقولتك المشهورة : "يا صفية ما فيش فايده" ، تعلن يأسك من الشعب المصري ، والغريب أن المرتبطين بالاستعمار الأمريكي بعد الاستعمار الإنجليزي لا زالوا يرددون هذه العبارة .
ولم تعلن احتقارك للشعب المصري فقط ، بل أعلنت احتقارك لكل العرب عندما سئلت عن رأيك فيهم فقلت : صفر + صفر = صفر .
وعندما نصحك الشيخ محمد الأودن أن تسير على درب المصلحين قلت له : يا سيدي أنا لا أريد أن أكون مثل عمر بن الخطاب !!!
أقول : إنا لله وإنا إليه راجعون ، فبعد أن تطاولت على الشعب المصري ، ثم على العرب ، تجرأت فتطاولت على عمر بن الخطاب !
نفاك الإنجليز إلى جزيرة مالطة ، وفي أثناء نفيك قامت ثورة 1919م ، وبجهود خفية أصبحت زعيم الثورة ، وغدا الناس يهتفون باسمك ، وكيف لا يهتفون باسمك وأنت الذي نفاك الإنجليز إلى مالطة ... ثم نفوك إلى سيشل لتأكيد زعامتك ...
وبعد أن ذهبت إلى باريس مع علي شعراوي (زوج هدى شعراوي) وعبد العزيز فهمي للمطالبة بحقوق مصر (كما زعمت) عدت إلى مصر وألفت حزباً دعوته بحزب الوفد تنافس به حزب مصطفى كامل الذي أبى أن يصانع الإنجليز ...
أصبحت زعيماً لمصر دون منازع ، وغدوت رئيساً للوزراء ورئيساً لمجلس الأمة ووزيراً لعدة وزارات ، وباسم الإنجليز أخذت ترفع وتضع .
وعندما قدم اقتراح لتعريب التعليم وإبطال التعليم باللغة الإنجليزية وذلك في الجمعية التشريعية عام 1903م ، قمت ترد على هذا الاقتراح ، ومما قلته في ذلك : "إننا لو جعلنا التعليم باللغة العربية فإننا نكون قد أسأنا إلى بلادنا لأنه لا يمكن للذين يتعلمون على هذا النحو أن يتوظفوا في كثير من المصالح التي تعتمد في إدارتها على اللغات الأجنبية ، وذلك بالإضافة إلى أننا نصادف في الوقت نفسه صعوبات مادية ، وهي قلة المعلمين الأكفاء الذين يمكنهم تعليم الفنون باللغة العربية ، فإذا كنتم توافقون على الاقتراح المقدم إليكم كنتم كمن يحاول الصعود إلى السماء بلا سلم" !
وبعد أن سخرت من المصريين والعرب وابن الخطاب أضفت إلى ذلك السخرية باللغة العربية .
وأنت في الوقت نفسه أخو أحمد فتحي زغلول الذي ربطت بينه وبين كرومر علاقة قوية ، والذي تولى الحكم على الفلاحين البسطاء في قرية دنشواي بالإعدام والسجن مدداً طويلة لأنهم دافعوا عن أنفسهم وعن أعراضهم وعن أملاكهم ، وحادثة دنشواي كانت عام 1906م ، ولم نسمع لك صوتاً تستنكر فيه فعلة أخيك النكراء .
لقد قدت حزب الوفد حتى غدا حزب الأغلبية في مصر ، وقد طاف أنصارك في شوارع القاهرة يهتفون : "الاحتلال على يد سعد ولا الاستقلال على يد عدلي" .
قاتل الله الأحزاب ، لقد جرت على أمتنا الويلات ... كيف يكون الاحتلال أفضل من الاستقلال إلا بمنطق الأحزاب !
وأخيراً ، لقد فتن بك الشعب المصري حتى قال قولته المشهورة : نموت نموت ويحيا سعد .
لست أدري كيف يقول ذلك شعب سخرت منه ... أما أنا فلا أظن هذا الهتاف صادراً إلا عن فئة جمعت من أجل ذلك .
لقد ولدت عام 1858م ومت عام 1927م ... وأنت الآن بيد أعدل العادلين .
المراجع :
1- هذه حياتي لعبد الحميد جودة السحار ص100 وص257 .
2- ويكيبيديا الموسوعة الحرة .
3- عباس العقاد ناقداً للأستاذ عبد الحيّ دياب .
4- مجلة الاعتصام المصرية ، العدد الثالث ، السنة 41 ، محرم 1318هـ ديسمبر 1977م . والعدد العاشر جمادى الآخرة 1396هـ ، 1976م .