همسة خافتة.. في أذن الأديب الدكتور حمد الدوخي

همسة خافتة..

في أذن الأديب الدكتور حمد الدوخي

نايف عبوش

لاجرم أن من يطلع على السيرة الذاتية، للأديب الدكتور حمد الدوخي،المنشورة في موقع مركز النور، سيجد أنها غنية بالإبداعات.. ولا عجب.. فالأديب الدوخي، نتاج بيئة ديرة الشرقاط ،تلك الحاضرة التي تمتد في عمقها الحضاري، والتاريخي، إلى أزمان موغلة في القدم، حيث تتوسد آثارها الشاخصة اليوم، ضفاف نهر دجلة الخالد بكبرياء،لم تجرؤ على قطع هيبته السنون،ولم تبلي جدته عوادي الزمن،لتظل أيقونة حية،في الذاكرة الجمعية الراهنة، شاهدة على إبداع متواصل،يتجدد مع الحاضر،في جدلية لا تنفصم أبدا.

 والأديب محمود الدوخي الذي نحن بصدده، هو من أسرة الدوخي الفاضلة،المستوطنة في ريف قضاء الشرقاط،كما بدا من سيرته الذاتية. وأسلافه يوصفون في أوساط الديرة، بأنهم (بيدر الفهم)،ومن عوارف القوم،كما تواتر الذكر عنهم، حيث لهم إسهامات كبيرة في الموروث الشعبي، من العتابة، والأمثال، والعرافة.

والمنطقة على العموم، بسهولها المنبسطة، وهضابها المتهادجة، على ضفتي النهر، تزينها خضرة البساتين، ويجللها الربيع بكل معاني النظارة،فرضت نفسها،على إنسانها، وأدبائها،وفنانيها،وكفاءاتها الأكاديمية، كبيئة شاعرية التجليات، فكانت دوما، حاضنة للإبداع.وبذلك كانت ديرة معطاءة دوما، فاضت على الساحة الثقافية، والشعبية، بالكثير من المبدعين، في الشعر، والقصة، والرواية، والعتابة، والزهيري،وأنجبت كفاءات أكاديمية، في مختلف الاختصاصات والعلوم.

والملاحظ أن معظم تقاليد الديرة ظلت صامدة، برغم زحف رياح العصرنة عليها،شانها شأن كل الحواضر الأخرى، حيث تجاوزت على الكثير من معالم موروثها التراثي، واتت على الكثير من تقاليدها،تحديات الحداثة. فبقت بعض مجالس السمر،في حين لا تزال كبريات الدواوين عامرة بالربع،والأهل، حيث يطاف على روادها من الضيوف، والمارة، وعابري السبيل، بالقهوة العربية، التي لم تتجرأ العصرنة، حتى الآن، على المساس بقدسيتها، وتنحيتها عن الوجود،وإخراجها من فضاءات الدواوين، رغم كل المغريات البديلة، وسهولة تداولها.  اهمس إذن في أذن الأديب الدكتور محمود الدوخي،الابن البار للديرة،ذلك الريفي الآشوري القادم لها من أعماق التاريخ، أن ينشط في تشجيع الطاقات الكامنة في ربوع ديرته، لكي تنهض بالحال، بإبداع متوقد، حيثما تلمس في ديرته  طاقات متطلعة، وبراعم ناشئة، يمكن إذا تمت رعايتها، أن تعوض بجدارة، فطاحل أعلام العتابة، والزهيري، والكصيد، الذي اشتهرت به أرياف الشرقاط، ردحا من الزمن..ناهيك عن نظم الشعر بالفصحى.

 ولعل الاهتمام بمثل هذا الموروث الشعبي، صار اليوم، ضرورة اجتماعية، تفرضها بإلحاح، تحديات المعاصرة، التي تهدد الموروث الشعبي، بالكنس، والمسخ، بالعولمة الجامحة بفضائها المفتوح،ووسائلها التقنية المتقدمة، من جهة، وحاجتنا لرفاهية ذهنية،وتنشيط لذاكرة تبلدت، بعد أن أصبح الريف حضريا رتيبا، ومملا إلى درجة مقرفة،وأوشكت مجالس السمر أن تنقرض في ريفنا، من جهة أخرى.

إنها دعوة للأدباء، من خلال هذه الهمسة الخافتة، في أذن الأديب المبدع الدوخي،للنهوض بثقافة التراث،التي كادت العصرنة أن تمحوها من الوجود بالكامل.