العلامة الجليل الداعية المربي المعمَّر المربي الشيخ عبد الرحمن الباني
بسم الله الرحمن الرحيم
تنعى رابطة العلماء السوريين
العلامة الجليل الداعية المربي المعمَّر المربي الشيخ
( عبدالرحمن الباني )
الذي توفي فجر هذا اليوم الخميس 9 من جُمادى الآخرة 1432هـ
الموافق (12/ 5/ 2011م)
في مشفى الملك خالد الجامعي بجامعة الملك سعود
اللهم أجرنا في مصيبتنا وعوضنا خيرًا
وإنا لله وإنا إليه راجعون
ودونكم سيرة مختصرة للشيخ رحمه الله تعالى :
هو عبد الرحمن بن محمد توفيق بن عبد الرحمن بن إبراهيم الشيخ عثمان الباني (نسبة إلى الولي: قضيب البان الموصلي) الحسَني، أبو أسامة، يرجع نسبه إلى الحسن المثنَّى ابن الإمام الحسن ابن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب.
ولد في حيِّ الدقَّاقين بدمشق في (شعبان 1335هـ/ حَزيران 1917م): علامة ربَّاني، وداعية مصلح، ومربٍّ من طراز فريد، زاهد عابد، ومعمَّر قدوة، من بقية السلف الصالح، ونوادر الدهر في الورع والتقوى والاستقامة، ومن الذين يؤثرون العمل بعيدًا عن الأضواء والشهرة، صادق اللهجة، لين العريكة، يألف ويؤلف، من الأمَّارين بالمعروف النهَّائين عن المنكر، بأسلوب يفيض رقة ولطفًا.
قارئ نهم مدقق، واسع الاطلاع على التراث العربي والإسلامي المطبوع، يملك مكتبة ضخمة من أكبر المكتبات الخاصَّة، تحتوي نوادر البحوث والدراسات.
صاحب آراء إصلاحيَّة غير مسبوقة في قضايا التربية الإسلامية، وذاكرة قوية حاضرة.
قضى أكثر من سبعين سنة في ميادين التربية طالبًا ومتعلِّمًا، ومُدرِّسًا ومعلمًا، وموجهًا ومفتشًا، ومشرفًا ومنظِّرًا، وخبيرًا ومستشارًا.
أستاذ جامعي مرموق، ومن علماء العربية المعدودين. يتميَّز بالتزام الفصحى في حديثه، وبجمال الخط وفق قواعد الرقعة.
درس المرحلة الابتدائية في المدرسة الجوهرية السفَرجلانية، التي أسَّسها الشيخ المربي محمد عيد السفرجلاني. وتابع المرحلة الثانوية في مكتب عنبر، ومدرسة التجهيز (جودة الهاشمي).
ثم التحق بدار المعلمين، وتخرَّج الأول على دفعته، وحصل على شهادة أهلية التعليم سنة 1363هـ/ 1943م.
وبعد تخرُّجه في دار المعلمين ابتعثته وزارة المعارف السورية إلى مصر للدراسة في كلية أصول الدين بالأزهر، فقضى في القاهرة سبع سنين، وأبت همَّته العالية إلا أن يعودَ بأربع شهادات بدل الشهادة. فنال الشهادة العالية لكلية أصول الدين في الجامع الأزهر سنة 1365هـ/ 1945م. وشهادة العالِمية مع الإجازة في الدعوة والإرشاد بالجامع الأزهر 1367هـ/ 1947م. وشهادة ليسانس في الفلسفة من كلية الآداب بجامعة فؤاد الأول (جامعة القاهرة حاليًّا) 1369هـ/ 1950م. وإجازة التدريس من المعهد العالي للمعلمين في القاهرة 1370هـ/ 1951م.
درَّس قبل ابتعاثه إلى مصر في (مدرسة التهذيب) قرب جامع الحنابلة، و(مدرسة سعادة الأبناء) التي أنشأها الشيخ علي الدقر، و(مدرسة أنموذج عمر بن عبدالعزيز) في منطقة عرنوس.
وبعد عودته من مصر سنة 1951م تولى التدريسَ في دار المعلمين بدمشق، ودار المعلمات، وفي كليتي الشريعة والتربية بجامعة دمشق، سنتين، وكان في كلية التربية مشرفًا على القسم التطبيقي العملي لطلاب الشريعة.
ثم عيِّن مفتشًا اختصاصيًّا لمادة التربية الإسلامية، فكان مسؤولاً عن كل ما يتصل بالمادَّة، من اختيار المعلمين الأكفياء لتدريسها، ووضع مناهجها، والإسهام في تأليف مقرَّراتها.
ثم في نحو سنة 1964م انتقل إلى الرياض، فعمل في وزارة المعارف السعودية، وفي إدارة معاهد إعداد المعلمين. وشارك في تأسيس المعهد العالي للقضاء، ووضع مناهجه، بتكليف من الملك فيصل بن عبدالعزيز.
وشارك أيضًا في وضع سياسة التعليم بالمملكة، وكان عضوًا خبيرًا في اللجنة الفرعية لسياسة التعليم. ويرى أن هذه السياسة هي وثيقة ثمينة عظيمة النفع متكاملة، أقيمت وفق الشريعة الإسلامية، تصلح لنهضة التعليم في العالم كله.
وأسهم في تأسيس مدارس تحفيظ القرآن الكريم بالمملكة. وكلِّف التدريسَ في كلية الشريعة وكلية اللغة العربية بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، بالرياض، وفي قسم الاجتماع من كلية التربية بجامعة الإمام. وكان أولَ من وجه طلاب الدراسات العليا إلى دراسة الفكر التربوي عند أعلام المسلمين في رسائلهم الجامعية، كالفكر التربوي عند الغزالي، وابن خلدون، وابن تيمية، وابن القيم... إلخ.
وأسهم في نحو سنة 1392هـ في تأسيس مدارس (منارات الرياض الأهلية)، وهي مدارس نموذجية رفيعة المستوى، غايتها تربية طلابها على الإسلام في منهج تربوي متكامل، وهي مشروع غير ربحي، وعمل الشيخ فيها موجِّهًا ومشرفًا عامًّا سنوات من 1412- 1418هـ.
وكان عضوًا في لجنة المراجعة النهائية للموسوعة العربية العالمية التي صدرت في ثلاثين مجلدًا .
وعضوًا في لجان جائزة الملك فيصل العالمية ثلاث سنوات.
وشارك في عدد من المؤتمرات العلمية والإسلامية داخل المملكة وخارجها.
وقضى ثماني سنين يعمل مستشارًا لوزير المعارف السعودي.
كان ذا همَّة عالية ونشاط وافر في تعرف أعلام عصره، والتواصل مع كبار العلماء والمفكرين والأدباء ممن أدركهم، وربطته بكثير منهم روابط متينة من الإفادة والتعاون المثمر.
ولم يعتنِ الشيخ بتأليف الكتب؛ إذ كان جلُّ اهتمامه متَّجهًا إلى ما يراه أهمَّ وأجدى وهو وضع المناهج والخطط التربوية، والعمل في ميادين الإصلاح والتربية الفاعلة.
وأهم كتبه وبحوثه:
(مدخل إلى التربية في ضوء الإسلام)، و(الفلم القرآني)، و(ابن خلدون والأدب)، و(الدين والتربية وأسس التربية الدينية)، و(فكرة وحدة الوجود عند ابن عربي)، و(فن التراجم وحاجة الأمة إليه).
ومن مقالاته: (فلنذكر في هذا اليوم العظيم ذلك الرجل العظيم عبد الحميد بن باديس)، و(أوصيكم بالمقدِّمات خيرًا)، و(الزيادة السكانية نعمة ربَّانية).
وقدَّم لكتاب: (العبودية) لشيخ الإسلام ابن تيمية، ولكتاب: (لمحات في تاريخ العلوم الكونية عند المسلمين) للدكتور عبدالله حجازي، ولكتاب: (العقل عند شيخ الإسلام ابن تيمية) للدكتور فهمي قطب النجار، ولكتاب: (الخرسانة) للدكتور المهندس حبيب زين العابدين، وهي مقدمة مهمة جدًّا بعنوان: ضرورة التأليف باللغة العربية في العلوم التجريبية والتقنية.
أثنى عليه خيرًا أستاذه الشيخ علي الطنطاوي في تقديمه لرسالة (المرأة المسلمة)، التي وزِّعت في زفافه، فقال: ((عرفته تلميذًا وعرفته صديقًا، فما رأيت في شباب الشام من يفضله في حسن سيرته، واتباعه أمرَ الشرع ونهيه، فهو مسلم صادق الإسلام، في ظاهره وفي باطنه، وفي وحدته وفي صحبه...)).
وكال له الطنطاوي جميلَ الثناء في معرض حديثه عن المدرسة الجوهرية السفرجلانية، قال: ((وكان من تلاميذي فيها واحدٌ نبغ حتى صار من شيوخ التعليم، ومن العلماء، وأمضى شطرًا من عمره موجِّهًا للمدرسين، مشرفًا على وضع المناهج، وتأليف الكتب في العلوم الدينية؛ لأنه كان مفتش التربية الدينية في وزارة المعارف، وهو أحد تسعة كانوا أوفى من مرَّ بي من الطلاب، وقد مرَّ بي آلاف وآلاف وآلاف.. هو الأستاذ عبدالرحمن الباني)). (الذكريات) 1/ 280.
وكان شيخنا العلامة الزاهد بقية السلف الصالح محمد سعيد الطنطاوي كثير الثناء عليه ، وشديد الحب له ،والإعجاب به .
وذكره الأستاذ عصام العطَّار، في برنامج (مراجعات) على قناة (الحوار) فقال: ((لا أعرف أحدًا أفضل من عبدالرحمن الباني في هذه الدنيا، نعم أعرف مثله: محمد سعيد الطنطاوي وغيره، هذه الطبقة نادرة، لكني لا أعرف أحدًا أفضل منه. عبدالرحمن الباني رجل نادر المثال، ولكنه من الناس المتواضعين، هنالك ناس جواهر لا يكاد يعرفهم إلا القلة، وهناك ناس لا يساوون شيئًا تجدهم مالئين الدنيا، وشاغلين الناس)).
ووصفه العلامة الشيخ د. مصطفى الخن بعد رفقة طويلة، ومهمَّات علمية كثيرة، بقوله: ((إنه يؤدي ما كُلِّفه بدأب وإتقان، ثم لا يريد أن يُنسبَ إليه شيءٌ مما أنجزه!)). [مختصر من ترجمة واسعة كتبها تلميذه الملازم له الأستاذ أيمن ذو الغنى].
وإنَّ رابطة العلماء السوريين تُعزِّي أبناء الفقيد الجليل وأسرته وإخوانه وتلامذته بمصابهم الجَلل بفقد هذا الركن من أركان العلم والدعوة والتربية، وتسأل الله عزَّوجل أن يتغمده بواسع رحمته ، ويدخله دار كرامته ، ويعوض المسلمين خيراً في فقد علمائهم الأخيار ودعاتهم الصالحين الأبرار .