رسائل من أحمد الجدع (52)
رسائل من أحمد الجدع (52)
أحمد الجدع
إلى الشاعر العباسي : عبد الملك بن عبد الرحيم الحارثي .
يذكر الباحثون أنك أبو الوليد ، من بني الحارث بن كعب من قبيلة مذحج من اليمن ومن بني الديّان على التخصيص ، وبنو الديان من فروع مذحج .
كنت من ساكني الشام ، ولكن في عهد العباسيين ، وعندما تفجرت شاعريتك ، كان لا بد لك أن ترحل إلى بغداد حيث الرشيد سيد الدنيا في ذلك الوقت ، وقالوا بأن الرشيد غضب عليك ، فاختفيت ، واختفى شعرك ، حتى إن ما تبقى منه لا يكاد يفي بمعرفتك معرفة كافية .
يهمنا أيها الشاعر الكبير أن نعيد لك حقك المهضوم ، فقد سرقت إحدى قصائدك ، بل إحدى روائعك ، ونسبت إلى رجل يهودي يدعى السموأل بن عادياء ، وما جاء في قصيدتك هذه من صفات ليست من أخلاق اليهود ولا من شمائلهم .
فمنذ متى كان اليهودي بهذا الإباء وهذه الجرأة التي امتلأت بها قصيدتك ، إن كل بيت فيها يأنف أن يكون يهودياً ، فكيف انطلى على دارسي الشعر العربي هذا الزيف ، وجاز عليهم هذا الافتراء .
على أن عدداً من أعلام الأدب العربي ، ومنذ القدم ذكروا قصيدتك وأثبتوها لك ، منهم : ابن طباطبا العلوي المتوفي سنة 322هـ ، وأبو بكر الصولي المتوفي سنة 335هـ ، وابن الأعرابي المتوفي سنة 341هـ ، والمرزوقي المتوفي سنة 421هـ ، والتبريزي المتوفي سنة 502هـ .
ولست أدري من الذي زيف الحقائق ونسبها إلى هذا اليهودي الجاهلي .
وآن لي أن أذكر القصيدة ، وهي من شهيرات القصائد العربية :
إذا المرءُ لم يدنس من اللؤم عرضه |
|
فكل رداءٍ يرتديه جميل |
ومنها في الفخر الذي يستحيل أن يكون من صفات اليهود :
تعيرنا أنا قليل عديدنا |
|
فقلت
لها : إن الكرام قليل |
أقول يا شاعرنا المظلوم : كلا وألف كلا ، هذه ليست أخلاق اليهود ولا صفاتهم ، وأنى لهم ذلك وهم الذين ضربت عليهم الذلة والمسكنة .
وأقول أيضاً : إن شخصية السموأل فيها شك كبير ، وقد نسب إليها ما يستحيل أن يكون من أخلاق اليهود ، وقصة السموأل مع الشاعر الجاهلي امرئ القيس قصة خرافية ، فأين ليهود من أخلاق الوفاء التي تذكرها القصة ؟ هل من المعقول أن يضحي يهودي بولده ، كما جاء في القصة ، وفاءً لرجل دالت دولته وأودع أهله (وماله) عند هذا اليهودي ...
وللشاعر الفلسطيني الكبير إبراهيم طوقان رأي في هذا ، فهو يعتقد ، إن كان في القصة ظل من الحقيقة ، أن السموأل ترك ولده في يد النعمان ليقتله طمعاً فيما أودعه امرؤ القيس من أموال عنده ، وتلك الأموال كانت عظيمة لأن امرأ القيس أمير ورث أموال أبيه الملك بعد مقتله .
وصدق إبراهيم طوقان ، وهذه أخلاق اليهود .
شاعرنا المظلوم : عبد الملك بن عبد الرحمن الحارثي ، آن لنا أن نردّ لك حقك ، فاليهود الذين استلبو قصيدتك ونسبوها إلى أنفسهم ، وسكت رواتنا على ذلك ، مهدنا لهم الطريق ليسلبوا وطناً من أوطاننا ، فلسطين وقدسها ، والغريب أن عرب اليوم قد سكتوا عن استلاب وطن بعد أن كانوا قد سكتوا عن استلاب قصيدة .