رسائل من أحمد الجدع (49)
رسائل من أحمد الجدع (49)
أحمد الجدع
الشاعر المتوحّد : الأحيمر السعدي
أنت يا شاعرنا ممن فضل مصاحبة الحيوان ، وابتعد عن مجالسة الإنسان ، فأصبح في عرف المعاصرين لنا : متوحداً ... يفضل أن يعيش وحده منفصلاً عن مجتمعه ولو كان في هذا المجتمع .
لا نعرف كثيراً عن حياتك ، واسمك أيضاً يكاد ينحصر في هاتين الكلمتين : الأحيمر السعدي ، ولعل الأحيمر لقب ، والاسم مجهول ، وكذلك كلمة السعدي ، فهناك أكثر من قبيلة فيها بطن يسمى سعداً ، ولكن أشهر السعديين هم سعد بن بكر من هوازن ، وهي القبيلة التي تنتمي إليها حليمة السعدية التي أرضعت رسول الله r .
يقولون أنك عشت في أواخر الدولة الأموية وشطراً من الدولة العباسية ، ويقدرون أنك مت عام 170هـ بعد أن طال بك العمر .
ويصفونك بأنك كنت فاتكاً متمرداً محالفاً للفلوات ، تأنس إلى الحيوانات ، وتفر من بني الإنسان .
ثم يصفونك بأنك شاعر جيد الشعر ، ولكننا مهما بحثنا في كتب الأدب القديمة فلن نجد لك سوى قصيدة واحدة عبرت فيها عن معتقدك في الأُنس بالحيوان والفرار من الإنسان ، وهذه القصيدة أشهرتك ، وأبقت على ذكرك شاعراً من شعراء العرب ، نقرأ الأبيات الخمسة الأولى ونعجب بها ، نعم نعجب بها لأنها تعبر بصدق وببلاغة عن نفسيتك ، وعن مجموعةٍ مثلك من الذين اعتزلوا معاشرة البشر وعاشروا الحيوانات حتى المفترس منها ، ولعل صداقات قامت بين هذه الحيوانات وبينك لم تستطع أن تقيم مثلها مع بني آدم .
هل تخلد أبيات خمسة شاعراً بينما لا تنفع آلاف الأبيات في تخليد شاعر آخر ؟
نعم ، وألف نعم ، ألم تخلدك أبيات خمسة أيها السعدي ؟
ماذا تقول هذه الأبيات ؟
إنها تقول :
عوى الذئب ، فاستأنست بالذئب إذ عوىى |
|
وصوَّت إنسان فكدت أطير |
أنا لم أجد شاعراً غيرك يتمنى أن تغيب الشمس ، كل الشعراء كانوا ينتظرون انقضاء ليلهم وانتظار نهارهم .
الشاعر الذي بخل علينا الزمان بالاحتفاظ بشعره ، ولم يُبق لنا منه إلا قصيدة واحدة ، سلام عليك ورحمة الله وبركاته ...