رسائل من أحمد الجدع ( 46 )

إلى الصديق العزيز زهدي أبو خليل

أحمد الجدع

أقول الصديق من أيام قطر ، وهل تنسى أيام قطر ؟

ديوانك " في انتظار الشراع " ديوان متميز ، متميز في عنوانه ، متميز في محتواه .

وكيف لا يكون متميزاً في عنوانه ونكبة فلسطين الأولى قد مرّ على مرارتها أكثر من ستين عاماً ، نتجرع علقمها كل يوم ، ونزرع الأمل في عودتنا ساعة بساعة .

انتظار الشراع الذي سوف يبحر بنا إلى حيفا ويافا وعكا وجنين وبيسان ، بيسان التي ولدتَ فيها ، وهي مطلة على الغور ومتصلة بجنين بوابة الشمال الفلسطيني على نابلس وعلى حيفا وعلى الناصرة .

إذن أنت منتظر لأن يقلع الشراع ، ولست وحدك من ينتظر ، كل فلسطيني ينتظر ، بل كل عربي وكل مسلم .

والله يا أخي زهدي ، ثم والله ، ما عاقنا أن نصل إلا أولئك الروابض وأولئك التحوت الذين يقفون سداً منيعاً بيننا وبين أن نجاهد حتى نحرر فلسطين .

اليهود ليسوا بشيء لولا من والاهم ... ومن يتولهم منكم فإنه منهم .

ألا ترى يا أخي إلى حاكم مصر كيف لاذ بشرم الشيخ على مقربة من اليهود حتى إذا ضاقت به السبل وأحكم عليه الخناق يطير إلى حماهم .

أخي أبا محمد : شعرك في ديوانك هو من شعر التأنق ، لا أراك تنشره إلا بعد أن تراجعه أكثر من مرة ، فتتأنق في ألفاظه وفي أنغامه ، تماماً كما كان يفعل زهير بن أبي سُلمى في العصر الذهبي للشعر العربي .

كان امرؤ القيس أمير شعراء العفوية التي تطلق الشعر دون كدّ ودون مراجعة ، وكان زهير بن أبي سُلمى يدقق ويراجع ، وقد زعم الجاحظ أن زهيراً كان يقول القصيدة فلا ينشدها حتى يمكث في مراجعتها حولاً كاملاً ، حتى إنه أطلق على زهير ومن سار سيره قولاً يوحي بالانتقاد الشديد ، فقال عن مدرسة زهير إنها مدرسة " عبيد الشعر " .

عبيد الشعر هم الذين " يستعبدهم الشعر " وشعراء العفوية هم الذين يستعبدون الشعر .

أنا لا أوافق على ذلك ، ولا أصدق أن القصيدة كانت تمكث عند زهير حولاً كاملاً ، ذلك لأن زهيراً شاعر مداح ، وهل ينتظر الممدوح حولاً كاملاً حتى يتمتع بالمدح من زهير ؟

نعم كان زهير يعتني بشعره ، ويراجعه ، ولكن من الظلم له أن نزعم أنه كان يقلب القصيدة حولاً كاملاً .

هذا الاعتناء الشديد بالشعر ليس عيباً ، ولم يكن زهير يتكلف الشعر ، بل كان يتأنق فيه حتى يجود ويسمو .

وقسم الجاحظ الشعراء إلى شعراء العفوية وشعراء الصنعة ، وقد قسا على الآخرين واتهمهم بالتصنع بعد أن قال إنهم " عبيد الشعر " .

ليست مدرسة زهير ومن سار سيره ، وأنت منهم ، شعراء صنعة بالغوا فيها حتى أصبحوا عبيد شعرهم ، إنما هم شعراء التأنق في شعرهم ، وعندي أن زهير بن أبي سُلمى يتفوق على امرئ القيس في ناحية بالغة الأهمية وهي خلو شعره من العثرات التي نجدها فاشية في شعر امرئ القيس ، ولعله أيضاً يتفوق على امرئ القيس في المبالغة  ، فهو فيها معتدل ، وامرؤ القيس فيها يتجاوز الاعتدال .

عزيزي أبا محمد : إنك من مدرسة زهير بن أبي سُلمى ، وهذا ما يضعك في منزلة في الشعر حميدة ، وهل يعاب من يتأنق في شعره حتى لا تكاد أن تجد فيه غميزة ؟

كلنا يعلم أنك شديد الحب للغتك ، عميق الولاء لدينك ، فهنيئاً لك ذلك ، هنيئاً لك .

أخي أبا محمد : سلام عليك ، وجمعنا الله بك قريباً في دوحة قطر .