رسائل من أحمد الجدع ( 36 )

رسائل من أحمد الجدع ( 36 )

أحمد الجدع

الأستاذ المحقق : محمد محي الدين عبد الحميد ( محمد محي الدين بن عبد الحميد بن إبراهيم)

في عام 2007 ( على الأرجح ) اتصلت بصديق لي في القاهرة ليستأجر لي شقة في مدينة نصر ، فاتصل بي يعلمني أنه استأجر لي شقة في شارع محمد محي الدين عبد الحميد .

لقد ذكرني ذلك بك ، وبكتبك التي حققتها في النحو والتي أولعتُ بها فاقتنيتها جميعاً : قطر الندى وبل الصدى ، شذور الذهب في معرفة كلام العرب ، أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك ، شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك ، مغني اللبيب عن كتب الأعاريب ، شرح الأشموني على ألفية ابن مالك ، الإنصاف في مسائل الخلاف بين البصريين والكوفيين ، وكل هذه الكتب كانت تدرس في الأزهر الشريف .

والذي تعجب له أن كتاب قطر الندى وبل الصدى في النحو ، وهو من مؤلفات ابن هشام الأنصاري من علماء القرن الثامن الهجري ، كان مقرراً على طلبة السنة الثالثة الابتدائية في المعاهد الدينية الأزهرية ، وقد كان مقرراً على دارسي اللغة العربية في الجامعة !!

ومما حفظته منذ أربعين سنة ولا زال يجري على لساني ثناء ابن خلدون صاحب المقدمة على ابن هشام الأنصاري العالم النحوي : " ما زلنا ونحن بالمغرب نسمع أنه ظهر بمصر عالم بالعربية يقال له ابن هشام أنحى من سيبويه " وهذا الثناء كان يتصدر كتب النحو التي يؤلفها ابن هشام وتحققها .

نعم ظهر بمصر محققون عظام ، حققوا كثيراً من الكتب ، ولكنك تبقى أكثرهم نشاطاً وإنتاجاً ، وإني لأعجب حقاً كيف كنت تجد كل هذا الوقت حتى تحقق كل هذه الروائع ، وأنت الذي أُسندت إليك الوظائف التي تستهلك الأوقات الطوال .

أريد أن أزيد قارئ هذه الرسالة علماً بما حققت من كتب بالإضافة إلى ما ذكرته قبل قليل ، فقد حققت أيضاً : أدب الكاتب لابن قتيبة ، المثل السائر لابن الأثير ، يتيمة الدهر للثعالبي ، معاهد التنصيص ، والعمدة في محاسن الشعر وآدابه ونقده لابن رشيق القيرواني ، زهر الآداب للحصري، الموازنة بين الطائيين .

وكل هذه الكتب تعنى بالأدب ، وكلها عندي حاشا معاهد التنصيص .

وحققت أيضاً : شرح ديوان عمر بن أبي ربيعة ، نهج البلاغة ، الحماسة لأبي تمام ، المعلقات السبع للزوزني ، شرح المعلقات العشر للتبريزي ، الوساطة بين المتنبي وخصومه، أبو الطيب المتنبي ماله وما عليه ، روضة العقلاء ونزهة الفضلاء للبستي.

كما حققت سيرة ابن هشام ، ومروج الذهب للمسعودي ، وفيات الأعيان لابن خلكان ، فوات الوفيات لابن شاكر، نفح الطيب للمقريزي ، تاريخ الخلفاء للسيوطي ، وفاء الوفا بأخبار دار المصطفى للسمهودي، التفسير الكبير للرازي، شرح مقامات بديع الزمان الهمذاني .

أقول : هذه همة عالية ، تدل على حب العربية ، فجزاك الله خيراً عن أمة العرب وعني، فقد استفدت ُكثيراً مما حققتَ .

ولا بد لمن يطلع على هذا الجهد العظيم أن يتساءَل : من هو هذا الرجل ؟

أقول : إنك محمد محي الدين بن عبد الحميد إبراهيم ، وكان أبوك من القضاة .

ولدت في قرية كفر الحمام في محافظة الشرقية بمصر عام 1318 هـ 1900 م .

حصلت على العالمية من الأزهر الشريف عام 1344 هـ 1925 م .

ابتدأت بالتدريس في كلية اللغة العربية بالأزهر 1350 هـ 1931 م وتدرجت في وظائفه حتى عينت عميداً لكلية اللغة العربية ، وتقاعدت وأنت عميدها عام 1384 هـ 1964 م .

اختاروك عضواً في مجمع اللغة العربية 1384 هـ 1964 م ، وترأست لجنة إحياء التراث بالمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية .

لقد كانت حياتك حافلة بالعطاء ، لم تتوقف حتى توفاك الله عام 1392 هـ 1972 م .

رحمك الله رحمة واسعة ، ورحمنا معك .