رسائل من أحمد الجدع (31)
أحمد الجدع
الأتابك سيف الدين بن أزبك
قائد جيوش قابتباي سلطان المماليك بمصر
سلام عليك في مرقدك بعد موتك بأكثر من خمسمائة عام .
لا شك أنك حين استلمت قطعة الأرض الواسعة في ناحية بركة بطن البقر هدية من سلطانك قايتباي لم تكن تدرك أن هذه الأرض سوف تصبح وسط القاهرة المحروسة التي امتدت واتسعت كثيراً وكثيراً بين أيامك وأيامنا .
عندما أنشأت في هذه الأرض حديقة سميت هذه الحديقة باسمك ، فقيل لها حديقة الأزبكية .
ولا زالت هذه الحديقة تسمى باسمك حتى يومنا هذا ، ولكن بعد أن تطورت واتسعت واشتهرت .
وفي عهد الخديوي عباس بني القصر الذي تطل بوابته الخضراء على شارع الأزهر فسمي المكان الذي أطل عليه القصر العتبة الخضراء ، ولا زال المصريون يطلقون على هذا المكان العتبة الخضراء وربما اختصروا الاسم إلى حيّ العتبة .
وفي عهد وزارة نوبار باشا تم استخدام قصر العتبة الخضراء كمقر للمحكمة المختلطة ثم تحول إلى دار القضاء العالي ولا زالت دار القضاء العالي باقية حتى اليوم .
وفي عام 1926 م بدأ بيع الكتب القديمة والمستعملة على سور الأزبكية ، ومنذ ذلك الحين أخذ سور الأزبكية يأخذ شهرته بكونه أكبر مكان لبيع الكتب المستعملة ، وأخذ الناس يؤمونه لهذا الغرض ، ولم يبق في مصر أديباً أو مفكراً أو قارئاً إلا وزار هذا السور باحثاً عن الكتب ، ولم يزر مصر من أبناء البلاد العربية ممن يهوى الكتب إلا زاره وتزود منه بما يريد .
وفي عام 1970 على الأرجح زرت مصر ومكثت فيها شهرين وكان مما زرته فيها سور الأزبكية ، وقد كانت فيه كما قالوا مئة واثنتان وثلاثون مكتبة ، كلها تبيع الكتب المستعملة .
ولأن معظم من يزورون سوق الأزبكية هم من الفقراء الذين يبحثون عن الكتب القديمة التي تناسب مداخيلهم أطلقوا على هذا السور : جامعة الفقراء .
وسنت الهيئة المصرية العامة للكتاب سنة حسنة عندما جعلت لتجار سور الأزبكية مكاناً في معرض الكتاب الدولي أطلقوا عليه سور الأزبكية ، يستمر في نشاطاته ما استمر المعرض يزاول نشاطاته .
وقد اشتركت دار الضياء التي أملكها في معرض القاهرة الدولي للكتاب ، وكنت أمرّ يومياً على أجنحة سور الأزبكية في المعرض ، واستغرق في تفحص الكتب وشراء ما يناسبني منها ، وقد عثرت على كنوز لا يمكن أن أجدها في مكان آخر ، واشتريت كتباً بأثمان زهيدة وفرت علياً أموالاً كتاراً .
هذه الرسالة إلى قائد جيوش المماليك سيف الدين بن أزبك كان الهدف منها التحدث من سور الأزبكية ، ولعل قارئها أن تنفتح شهيته على شراء الكتب فيذهب إلى مصر ويقصد سور الأزبكية .
أيها القائد العسكري : هل دار في خلدك وأنت تستلم هذه الأرض المهداة إليك من السلطان قايتباي أنها سوف تسمى باسمك، وأن حياً كاملاً سوف يقام فيها يسمى حتى اليوم باسمك : حيّ الأزبكية ، وأن سوراً سوف ينشأ فيها تباع على جوانبه كتب للفقراء يدعوه الناس جامعة الفقراء ؟
نعم ... نعم ، لم يدر كل ذلك بخلدك ، ولكنه التاريخ الذي لا يمكن أن يتنبأ به أحد .
سيف الدين بن أزبك .... لقد خلدك هذا السور ، خلدتك جامعة الفقراء ، سلام عليك ، ورحمك الله ، ورحمنا معك.