رسائل من أحمد الجدع ( 32 )
رسائل من أحمد الجدع ( 32 )
أحمد الجدع
الأستاذ العلامة سعيد الأفغاني
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أوجه لك هذه الرسالة بعد أن تخلت أمة العرب عن ثقافتها ، وأصبحت عدوة للكتاب والقراءة والاطلاع والبحث والتأليف .
أوجه لك هذه الرسالة وأنا أشكو إلى الله ما آلت إليه أمة القرآن ، أمة البيان .
كنتَ واحداً من حراس العربية والحريصين عليها والذائدين عن أمجادها ، وألفت لذلك الكتب والأبحاث والدراسات .
ولأنك كنت كذلك فقد حاولت أن تبعث أمجاد العربية ببعثك لأهم أسواقها الأدبية ، سوق عكاظ ، بل أسواقها التجارية كلها ، الأسواق التي كانت تصل التجارة بالأدب ، ذلك لأن العربي كان عنوانه الأدب قبل كل شيء .. كان !!
كتابك أسواق العرب في الجاهلية والإسلام مرجعٌ أصيلٌ لمن أراد أن يبحث في الحياة الأدبية للعرب منذ جاهليتهم .
تقول في مقدمة الطبعة الثانية من الكتاب أنك لم تطبع من الطبعة الأولى سوى ثلاثمائة نسخة فقط !
بين يدي الطبعة الثالثة من الكتاب الصادرة عام 1394 هـ 1974 م ، ولست أدري إن كان الكتاب قد طبع بعد ذلك ، بيننا وبين عام 1974 سبعة وثلاثون عاماً .
أسواق العرب كثيرة ، موزعة على مساحة الجزيرة العربية ، وكان توزيعها الجغرافي موزعاً أيضاً على شهور السنة .
وأهم هذه الأسواق وأشهرها وأكثرها نشاطاً كان سوق عكاظ ، يأتي إليها العرب من كل مكان لأنها كانت تقام من 10-20 من شهر ذي القعدة من كل عام ، أما سوق مجنة فكانت تقام بعد عكاظ مباشرة تبدأ من 21 ذي القعدة وتنتهي بالثلاثين منه ، ثم تأتي سوق ذي المجاز فتبدأ في الأول من ذي الحجة وتنتهي في الثامن منه حيث ينتقل الناس إلى عرفات .
ويقولون لهذه الأسواق الثلاثة أسواق الحج ، لهذا كانت قريش تقول : لا تحضروا عكاظ ومجنة وذا المجاز إلا محرمين بالحج .
وتبقى سوق عكاظ هي السوق الرئيسية للعرب في جاهليتهم .
وكان يتم في عكاظ تبادل السلع التجارية التي كانت تفد عليها من أنحاء الجزيرة العربية بالإضافة إلى البضائع التي ترد من فارس والحيرة وبصرى وصنعاء والحبشة ، وكانت قافلة البضائع الآتية من الحيرة تسمى " اللطيمة " وبسببها قامت حرب الفجار الثانية التي امتدت خمس سنوات بين قريش وهوازن .
وكان يفد إلى السوق أشراف العرب وساداتهم وأبطالهم وشعراؤهم ، وكانت الأفكار الثقافية أهم ما يتبادله العرب فيها ، حتى إنهم نصبوا للنابغة الذبياني خيمة من أدم يجلس فيها ليحكم بين الشعراء ، وقد أوردت لنا كتب الأدب عدداً من الأحكام التي حكم فيها النابغة بين الشعراء .
وإننا لنجد في كتابك " أسواق العرب في الجاهلية والإسلام " فيضاً مما كان يجري في هذه السوق من مبارزات ومنافرات ، وفيضاً مما كان يلقى فيها من أشعار الجاهليين .
سوق عكاظ كانت لهوازن ، إلا أن الحكومة فيها كانت لتميم .
أما موقع السوق فقد اختلف فيه اختلافاً كبيراً ، ومما تطرق إلى هذا الاختلاف الأديب الكبير عبد الوهاب عزام ، وخير الدين الزركلي صاحب الأعلام ، ثم من بعد ذلك عدد من أدباء السعودية على رأسهم حمد الجاسر ، ثم إن الملك فيصل رحمه الله أمر بتحقيق موضع السوق ، وقامت بذلك مناقشات كثيرة أثبت بعضها الأستاذ محمد موسى المفرجي في كتابه " سوق عكاظ " ، واطلعت أنا على طبعته الثالثة الصادرة عام 1422 هـ عن نادي الطائف الأدبي .
ثم إن سوق عكاظ قد استقر مكانه ما بين الطائف وجبل حضن ، وعلى منتصف المسافة بينهما تقريباً ، وأحيت السعودية هذا السوق مرة أخرى ، فهو يقام في هذا المكان كل سنة مرة واحدة .
وبعد ، تستطيع الجامعات العربية إذا ما أرادت أن تأخذ دورها في نشر التراث الماضي وتشجيع الإبداع الحاضر أن تقيم موسماً ثقافياً كل عام تحت عنوان سوق عكاظ ... فهل تفعل ؟
الأستاذ الكريم سعيد بن محمد بن أحمد الأفغاني ، قدم أبوك من كشمير إلى دمشق ، فتزوج دمشقية ، فولِدْتَ لهما عام 1327 هـ 1909 م ، فعندما نضجت علماً حملت العربية وأصبحت أستاذاً فيها ، رعى الله إنتاجك وجزاك عليه جنته ونعيمه .
وتوفاك الله عام 1417 هـ 1997 م في مكة المكرمة .
رحمك الله ، ورحمنا معك ، السلام عليك ورحمة الله وبركاته .