رسائل من أحمد الجدع ( 29 )
رسائل من أحمد الجدع ( 29 )
أحمد الجدع
العالم الجليل عامر بن شراحبل الشَّعبي
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أنت عالم مميز لا يظهر مثلك علماً وذكاءً في كل قرن إلا مرة واحدة .
اختلف في عام مولدك ، فقالوا أنك ولدت في خلافة عمر بن الخطاب عام 21 من الهجرة النبوية الشريفة ، وقيل سنة 28 هـ .
من مناقبك أنك سمعت الحديث الشريف من أكثر من خمسين صحابياً، وأدركت أكثر من خمسمائة صحابي .
كنت معجزة من معجزات عصرك ، وكنت حافظاً ، وما كتبت شيئاً قط .
لا أريد في هذه الرسالة أن أعدد فضائلك وهي كثيرة ، ولكني أريد أن أحدث من يقرأ هذه الرسالة بحديث يدل على ذكائك وفطنتك .
فقد روي أن ملك الروم أرسل إلى عبد الملك بن مروان الخليفة الأموي أن يرسل إليه عالماً من علماء المسلمين يحاور علماء النصرانية ، فأرسلك إليه .
وعندما وصلت إليه وجدت حشداً من علماء النصارى في مجلسه ، فقاموا يسلمون عليك ، وكما هي العادة (الدبلوماسية ) فقد أخذ ( رئيس التشريفات ) يقدمك إليهم واحداً واحداً بأسمائهم وصفاتهم ، وعندما وصل إلى رئيس الرهبان وقدمه إليك ، بدأت هذا الرئيس بالسؤال عن أحواله ، ثم فاجأته بالسؤال عن أبنائه ، فضج الحاضرون يستنكرون هذا السؤال زاعمين أنهم ينزهون الرهبان عن الولد ، فنظرت إليهم وقلت : يا سبحان الله ، تنزهون الرهبان عن الولد وتجعلون لله ولداً ؟
أُفحم القوم ، ولم يردوا عليك جواباً .
ثم إنهم أسروا لملكهم أن يتخلص منك حتى لا تفسد عليهم دينهم .
ثم إن ملك الروم قال لمن حضر ، من علماء النصرانية ، سوف لا أقتله ، ولكني سأغري عبد الملك بقتله !
وعند وداعك سلمك ملك الروم رسالة مختومة وطلب منك أن تسلمها إلى خليفتك ، وعندما وصلت إلى مقر الخلافة في دمشق سلمت الرسالة إلى عبد الملك ، فلما افتضها لم يجد فيها إلا جملة واحدة : عجبت لقوم فيهم مثل الشعبي ويولون الملك غيره .
فالتفت عبد الملك إليك وقال : أتدري ماذا يقول العلج ، إنه يقول : عجبت للمسلمين فيهم مثل الشعبي ويولون الملك غيره !
وهنا تجلت عبقريتك ، وتجلى ذكاؤك ، فقلت لأمير المؤمنين : هذا لأنه لم يرك يا أمير المؤمنين !
فقال لك عبد الملك : أتدري ماذا أراد العلج بقوله هذا ؟ لقد أراد أن يغريني بقتلك .
وهنا أيضاً يتجلى ذكاء عبد الملك وفهمه ... وكذلك يجب أن يكون الخلفاء !
ومن طرائف أخبارك أن رجلاً من المسلمين اختصم وزوجته في مجلسك ، فقضيت للزوجة عليه ، فقال الرجل أبياتاً يتهمك فيها بقضائك ، زاعماً أنك قضيت لها لجمالها :
فُتن الشعبي لما |
|
رفع الطرف إليها |
وعندما دخلت على عبد الملك بن مروان تبسم وقال : فتن الشعبي لما ... ، ثم قال لك : ما فعلت به ؟ فأجبت: أوجعته ضرباً ... فاستحسن عبد الملك ما فعلت وقال لك : أحسنت .
ويروى أنك مررت بغلام وهو ينشد : فتن الشعبي لما ......
وعندما رآك توقف عن الإنشاد ، فقلت له متمماً : رفع الطرف إليها ، وهذا يدل على سعة صدرك وتسامحك .
أيها العالم الجليل : لقد وجدت أنهم اختلفوا في سنة وفاتك كما اختلفوا في سنة مولدك ، فقال بعضهم إنك مت سنة 82 لهجرة المصطفى ، وقال آخرون أنك مت سنة 105 للهجرة .
رحمك الله ، ورحمنا معك .