رسائل من أحمد الجدع ( 27 )
رسائل من أحمد الجدع ( 27 )
أحمد الجدع
الدكتور عبد الرحمن عثمان
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أهداني أخي عبد العليم شهاب عام 1962 م أي قبل خمسين عاماً كتابك " الشاعر البائس عبد الحميد الديب " الصادر عن مكتبة دار العروبة بمصر عام 1959 م على الأرجح وذلك لأنك كتبت مقدمته في 31/12/1958م .
لم أكن أعرف عن هذا الشاعر شيئاً قبل أن أقرأ كتابك ، وقد فهمت أنك كنت من المقربين إليه ، حتى إن بعضهم جعلك راويته .
وعرفنا الرواية في الزمن الجاهلي حيث لم يكن كتاب ولا كتابة ، فكان الشعر ينقل عن طريق رجل يصاحب الشاعر ويحفظ شعره ويرويه للآخرين ويسمونه رواية فلان من الشعراء .
وأنت قد جددت هذا المفهوم في عصرنا الحديث لأنك كنت مقرباً من الشاعر وتحفظ قصائده ، وهو لم يكن مهتماً بكتابتها لأنه لم يكن يملك حتى أدوات الكتابة .
ولأنك راويته فقد حملت تبعة نشر شعره ، والتعريف به ، ثم دراسته وسبر أغوار نفسه .
سميته الشاعر البائس ، وعندما كتبت عن شعره في صحيفة الشعب قلت : " عواء الديب " ، كأن الاسم ناسبك فسلكته في ذؤبان الشعراء الذين كانوا يقولون لهم الشعراء الصعاليك ، أي الفقراء الذين لا يملكون شيئاً ، بل يملكون الشعر ، ولم يكونوا يعدون الرجل من ذؤبان العرب وصعاليكهم إلا إذا كان شاعراً .
نعم كان عبد الحميد الديب شاعراً صعلوكاً ، يعيش حياة الصعاليك ولكن بشيء من الاختلاف ، فهو لم يكن يغير على أموال الأغنياء ليسد جوعته ولكنه كان يتسولها تارة بالحيلة وتارة بالمديح !
أعرف أنك عنيت بقولك " عواء الديب " شعره الذي يهجو به الناس ، ولكني اتخذتها مناسبة لأسلكه في عداد الصعاليك .
ألفت كتابك مفصلاً عن حياته ، فقدمه الأديب المصري اللامع صاحب " الرسالة " أحمد حسن الزيات ، وكتبت له مقدمة قلت فيها إنه ولد عام 1898 م بقرية كمشيش من قرى المنوفية لأسرة فقيرة ، وتتبعت حياته وصعلكته ، وأوردت عدداً صالحاً من قصائده ، استخرجت منها حياته البائسة ووصفتها لقراء الكتاب .
الأستاذ الراوية عبد الرحمن عثمان :
من كتابك أقدم بعض النماذج من شعر الديب :
الاختيار الأول :
يا للرغيف، ويا لهول ضموره |
|
قد صار أمنيةً لبطن الشابع! |
الاختيار الثاني :
رضيت ومن يمرن على حزنه يرضى |
|
فيا ظلَّ أحلامٍ تقلَّص وانقضا |
الاختيار الثالث :
بين النجوم أناس قد رفعتهمو |
|
إلى السماء،فسدوا باب أرزاقي! |
الاختيار الرابع :
عاش عبد الحميد الذيب بائساً حتى قال :
وهام بي الأسى والبؤس حتى |
|
كأني عبلة والبؤس عنتر |
نعم ، ليس كل ما في كتابك يا راوية الديب نماذج من شعر البؤس ، بل إن للديب قطعاً شعرية في المواقف الإنسانية منها مقطوعة في الفلاح وفأسه :
كل الحياة بهذه الفأس |
|
من أخمص الدنيا إلى الرأس |
الأستاذ عبد الرحمن عثمان ، ليس لدي من معلومات كثيرة عنك ، غير أني أعرف أنك أزهري عملت في السعودية ثم ذهبت إلى باريس ومكثت عشر سنين نلت فيها شهادة الدكتوراة .
هذه المعلومات اشتقيتها من مقدمة كتابك .
لست أدري إن كان قد صدر عن عبد الحميد الديب كتب غير كتابك هذا ، أو أن أشعاره جمعت في ديوان ، فهي جديرة بذلك ...
الأستاذ الدكتور الأديب عبد الرحمن عثمان ، بوركت جهودك .