رسائل من أحمد الجدع ( 26 )
رسائل من أحمد الجدع ( 26 )
أحمد الجدع
الشاعر الكبير : صفي الدين الحلي
أعرف أن اسمك عبد العزيز بن سرايا بن علي السِّنبسي الطائي، وقيل لك الحلي لأنك ولدت في الحلة في العراق سنة 677 هـ ، وانتهى بك مطاف الحياة عام 750 هـ ، أي أن العمر امتد بك ثلاثة وسبعين عاماً .
كنت شاعر عصرك ، لا أقول بلا منازع لأن الدارسين لم يجمعوا على ذلك، ولكنهم يتفقون على أنك مبدع فن البديعيات في الشعر العربي ، وأن كل من ألف في هذا الفن مقتبس منك وسائر على هدي تأليفك .
فن البديعيات أنت الذي ابتدعته ، وهو فن تفرع عن المدائح النبوية واتكأ على البردة التي أبدعها البوصيري في مدح الرسول صلى الله عليه وسلم ، وطارت شهرتها في الخافقين .
وكنت أنت معجباً بها ، ولكنك أحببت أن تبدع مدحة نبوية تتفوق على مدحة البوصيري ، فسلكت سبيل البديع، وكانت بديعيتك : " الكافية البديعية في المدائح النبوية " المدخل النموذج إلى فن البديعيات .
وقد اشترطت للقصيدة حتى تكون بديعية ما يلي :
1- أن تكون قصيدة طويلة ، وقد كان عدد أبيات بديعيتك مئة وأربعين بيتاً ومطلعها :
إن جئت سلعاً فسل عن جيرة العلم |
|
واقرِ السلام على عُربٍ بذي سلم |
2- أن تكون القصيدة على البحر البسيط ، ملتزماً البحر الذي نظمت عليه بردة البوصيري .
3- أن يشتمل كل بيت فيها على نوع من أنواع البديع ، ولهذا سميت بديعية ، والبديع أحد علوم البلاغة الثلاثة : المعاني والبيان والبديع .
4- أن تكون القصيدة في المديح النبوي ، وهذا أيضاً اتباع للبوصيري في بردته .
5- أن يكون رويها حرف الميم ، وهذا أيضاً اتباعٌ للبوصيري في بردته .
إذن يا شاعرنا الكبير كانت الرغبة لديك أن تعارض البوصيري في بردته ، فتمدح رسول الله صلى الله عليه وسلم بقصيدة طويلة على البحر البسيط كما فعل البوصيري ، ولكنك أحببت أن تتميز عنه بشيء تدخله على قصيدتك ، فاشترطت على نفسك أن يكون كل بيت في قصيدتك يشتمل على نوع من أنواع البديع ، مستعرضاً علمك بهذا النوع من أنواع البلاغة ومقدرتك على التحدي به .
وفعلاً أنجزت ، ونظمت ، وأبدعت ، وحازت قصيدتك إعجاب من قرأها ، ولعل الإعجاب كان في التحدي ، فاتبع الناس نهجك ، وألفوا بديعيات ، طارت شهرة بعضها، واحتفى الناس بها .
يا شاعر البديعيات : كنت شاعراً مبدعاً، ومؤلفاً متفوقاً ، ولكن شهرتك كانت في هذا الفن البديع .
صفي الدين الحلي : أنت شاعر مقدم في الشعر العربي ، إذا عدّ الشعراء المتفوقين عددت منهم ، وإذا صنف شعراء العربية كنت من أوائلهم .
اسمح لي يا شاعرنا أن أذكر ما اشتهر من البديعيات التي جاءت من بعدك ، فهي ثمرة من ثمار ابتداعك، سائرة على منهاجك :
1- بديعية الموصلي : عز الدين الموصلي ، علي بن الحسين ، ومطلع بديعيته :
براعتي تستهل الدمع في العلم |
|
عبارةً عن نداء المفرد العلم |
2- بديعية عائشة الباعونية : أم عبد الوهاب بنت يوسف بن أحمد الباعوني ومطلعها :
في حسن مطلع أقوامٍ بذي سلم |
|
أصبحت في زمرة العشاق كالعلم |
اخترت بديعية لرجل وأخرى لامرأة حتى يعلم الناس أن المدائح النبوية على طريقة البديع لم تقتصر على الرجال.
صفي الدين الحلي الطائي ... كم في قبيلة طيّء من شعراء مبدعين ، وإذا عددنا مقدميهم : أبو تمام والبحتري كنت ثالثهم .
رحمك الله ورحمنا معك .