الأخ علي المصطفى في الراحلين

يحيى بشير حاج يحيى

[email protected]

قدر الله أن يكون اللقاء الأول بيننا في نقابة المعلمين بإدلب منتصف عام 1976 م على غير ميعاد ، لمراجعة النقابة بشأن تحويلنا عن أماكن سكنانا  بتهمة تعميق التدين في صفوف التلاميذ ، و لم يستطع نقيب المعلمين آنذاك أن يفعل شيئا أمام تقارير الحزب و المخبرين ... فمضى كل منا إلى مكان عمله الجديد ، و قبل أن يصل الأخ علي إلى القرية المنقول إليها سبقته توصية ، فنقل إلى ملحق تابع لها يقع ضمن الأراضي الزراعية في منطقة الغاب ، و كان الوقت شتاء و المواصلات عسيرة مما يلزمه أن يحضر مبكرا إلى مقر المدرسة ، ليمضي ماشيا بين الحقول إلى الملحق ..

كان عدد التلاميذ قليلا و هو المعلم الوحيد ، في غرفة طينية ، إذا انتهى من تدريسهم ، أطل من النافذة ليرى من يمر به من الفلاحين و الرعاة ! فينادي على الراعي ليسأله إذا ما كان مسلما – وهو كذلك – هل تصلي ؟  فيجيب :لا ! فيقول له : ما رأيك أن أعلمك الصلاة ؟ فإن احتج بأنه أمي و لا يحفظ أذكارها ، وأن وراءه عملا ؟! أقنعه بأن يجلس قليلا.. .فإن أبى شدّد عليه و حـذّره و ذكّره ؟!!

كان ذنبه هو الالتزام بالإسلام و الدعوة إليه و تبليغ الناس رسالته و قيمه و قد صدق أستاذنا الشهيد إبراهيم عاصي في خطبة له مشهورة في جامع معرة حرما بعد نقل المعلمين و تسريحهم: لئن أبعدنا عن الطلبة فإننا سنلاقيهم في المساجد و في الشوارع و في كل مكان ، فيا أيها الناس حافظوا على أبنائكم فهم فلذة أكبادكم من أن يـُـسرقوا منكم "

و لكن هذا الإبعاد و هذا الإرهاق و السفر يوميا ً ، و المشي في الطرق الطينية لم يمنعه من التردد إلى قرى جبل الزاوية و قد انتشر فيها الفكر الدخيل و العقائد الباطلة و غدا للماركسيين من يسمع إليهم ، فاستطاع – بفضل الله – مع الأخ المنشد الشيخ أحمد بربور أن يردا كثيرا من الشاردين ليتوقف بعد ذلك هذا المد ، و يعود لجبل الزاوية – وقد تجاوز عدد القرى فيه الثلاثين – وجهه الإسلامي و منهجه المحمدي .

كان الأخ علي-  رحمه الله -عف اللسان ذا أدب جم لم يستجرّه الانتصار للنفس إلى السقوط و رد الإساءة بمثلها، إلى من أساء إليه .

و في عمـّان الحبيبة قضى سنواته الأخيرة و قد أثر فيه المرض ، و استبد به القلق على دعوته ، و أذكر من كلامه –رحمه الله - : إن الظروف لا تحول بين الداعية و المشاركة في العمل و الدعوة ، فلرب قريب لا ينتفع منه ، و رب بعيد و كأنه في وسط الصراع .

و أذكر هنا كلاما للإمام ابن قيم الجوزية رحمه الله : إذا لم تكن من أنصار الرسول في المعركة ، فكن من حراس المتاع، فإن لم تفعل فكن من نظـّارة الحرب الذين يتمنون النصر للمسلمين ، و لا تكن الرابعة فتهلك ؟!

و لم يكن – غفر الله له – من الرابعة – حفظنا الله و المسلمين منها – أسأل الله الرحيم الغفور أن يشملك – يا أبا عبد الله – بمغفرته و عفوه و كرامته مع إخواننا الذين سبقونا بالإيمان و الهجرة و الشهادة و الصبر و المرابطة .

و عليك سلام الله و رحمته ، و جعل أبناءك قرة عين فلا ينقطع عملك ، بل يستمر أجرك بصلاحهم إن شاء الله.

 كانت وفاة الأخ علي في 13 محرم  1432 في مدينة عمـّان.

                

*عضو رابطة أدباء الشام