وقال صاحبه في السجن(11)

فاطمة محمد أديب الصالح

وقال صاحبه في السجن

( من ذكريات رجل غُيِّب في سجن تدمر عشرين سنة)

(11)

يوسف شحادة

فاطمة محمد أديب الصالح

[email protected]

مجاملات أم لهفة إلى التغيير؟ حيل للاستمرار أم تكيّف عال بهدف التماسك أمام الجلاد المنتشي؟

مرطبان شاي يمكن أن يعبر عن ذلك كله..

يقول صاحب يوسف في السجن ولم يره:

أوائل 84 انشغل بالي عليكم كثيرا و جاءني جريب(انفلونزا) قوي و إرهاق حتى إني دخت وسقطت مرة أثناء التنفس في هذه الفترة، لم تغادروا تفكيري.. أدعو الله ليلا ..

جاءني واحد من جماعة أبي عوض(1) يوزع معه الطعام كلم رئيس المهجع : عندك فلان؟ .. ناداني هل تعرف يوسف شحادة ؟ ظننته واحداً أعرفه في عملي قلت: نعم .. قال : إنه في المهجع 32 و هو بخير ولا ينشغلْ بالك على زوجتك وأولادك فهم بخير ويعيشون مع جدهم في الرياض, يريد أن يرسل إليك مرطبان شاي(2) .. في اليوم نفسه بعد العصر جاؤوني به .. سلمني إياه رئيس المهجع عليه اسم يوسف شحادة .. كان هذا الخبر عنكم يعادل ثلاثة أرباع زيارة في ذلك الوقت.

ظللت أسأل عن يوسف حتى اجتمعت بسليم حماد(3) فحدثني عنه، ولم يكن من ظننت: أستاذ فيزياء وكيمياء في السعودية .. أعدم عام 85 تهمته مراسل قال أنه جاء مباشرة من عمان على موعد في باب مصلى/ دمشق، التقط من هناك, ويبدو أنه كان فخا أو خيانة(4).

كان التعذيب شديدا وقلنا لأنفسنا هذه هي النهاية لا أمل في الخروج فصرت أتساءل عن أحوالكم أحياء أموات..

كانت هناك زيارات من حمص وصعودا, كان ثمة إغلاق على الزيارات من دمشق .

جماعة بانياس جاءتهم زيارات أكثر من غيرهم( بلد عبد الحليم خدام).

          

* بلغة صاحب التجربة وأسلوبه ما أمكن.

1. سجين غير إسلامي وثقت به الإدارة وسلمته مشتريات المساجين فخان الأمانة واستغلهم ببشاعة، انظر الحلقة/6( آل غانم)

2. سمح للسجناء في تلك الفترة بقدر من التهادي، وكانوا يستغلون مرطبان الشاي( السائل) أحياناً لتبادل بعض المعلومات، فيكتب الواحد منهم على ورقة خلف اللاصق الذي ثبت عليه اسم المهدي والمهدى إليه سؤالاً أو سلاماً مبطناً، فلوكتب مثلاً فلان يسلم عليكم ففلان هذا حي، ولو كتب فلان مع حمزة يعرفون أنه أعدم أو مات.

 ومن أجل جمع سور القرآن في المهجع الواحد، استخدموا أغلفة علب السجائر الداخلية( وكان التدخين مسموحاً به) لكتابة ما يحتاجون من السور القرآن الكريم أو مقاطع منها، يرمي الواحد منهم قطعة صغيرة جداً من الورق بحذر شديد أمام باب المهجع المقصود، مكتوباً عليها طلبه، لدى انشغال الحراس أثناء دخول المهاجع عائدين من التنفس. وثم يتم تأمين النص المطلوب بالطريقة نفسها.

3. صاحب كتاب" تدمر شاهد ومشهود" سجن إحدى عشرة سنة، الكتاب منشور في موقع لجنة حقوق الإنسان السورية.

4. كنا في زيارة قريب لنا يدرّس في إحدى مدن المملكة الصغيرة، حدثنا عن يوسف الذي يدرّس معه في المدرسة نفسها، وأنه زوج أخت صهره ( زوج ابنته)، هناك رأى يوسف الأولاد وعرف أن أباهم معتقل وأنهم في كنف جدهم لأمهم.

بعد مدة قليلة سمعنا أن( يوسف) سافر إلى عمان فزار أهله ثم توجه إلى دمشق وانقطعت أخباره.

يبدو أن زوجته لحقت به بعد مدة على أمل أن تعرف عنه شيئاً، فاحتجزت في درعا( نقطة الحدود مع عمان) ثلاثة أيام وضربت وأهينت وهددت بأكثر من هذا، لكنها لم تكن تعرف أي شيء عنه.

بعد بضعة سنين تزوجت من قريب لها، فبقي ولداها في بيت الجدين بعمان.. عانت كثيراً على كل صعيد، حين كبر الولدان صارا يزورانها وحدهما، آخر الأخبار أن الابنة تزوجت.