بمناسبة الذكرى الأولى لاستشهاد

 سـحبان فـاروق مشـوح

دموع الذكرى

القائد الشيخ أحمد ياسين رحمه الله ...

 سـحبان فـاروق مشـوح

   لأمرك يارب تعنو الرقاب ، ولأمرك يارب تبقى العينُ ريّانةً بالدمع ، ولأمرك يارب لا نستفيق من فاجعةٍ إلا إلى أمرّ ، ولا من كارثةٍ إلا إلى أدهى ...

جرحٌ على جرحٍ حنانَكِ جلَّق       حُمِّلْتِ ما يُوهي الجبالَ ويُزهِقُ

    حنانَيك يا الله .. ما عادت أجسامنا كما كانت صحاحا ، وما بقيت أرواحنا تحتمل المصائب والجراحَ ، ولم تعد حناجرنا تطيق الكلام أو الصياحَ ...

    حنانَيك يا الله .. 

ولو كان سهما واحدا لاتقيتُه       ولكنـه سهـمٌ وثـانٍ وثالـثُ

    سنواتٌ عجاف  وأيامٌ شِظاف .. أذابت الشحم ، وأكلت اللحم ، ودقّت العظم ... من نوازل نزلت ، ونوائب نابت ،  ومصائب حلّت .. فما عاد في دمع العين ما يشفي ، ولا في مداد اليراع ما يكفي ، ولا في اصطبار الروح ما يُسعف ...

 

   المصائب تترى .. حتى ينسيَنا جديدُها ما ألمَّ بنا من قديمها ، وحاضرُها ما ساءنا من ماضيها ..  ثم نوكَّلُ بالأدنى وإن جلَّ ما يمضي ..

مصائبُ شتى جمِّعَتْ في مصيبةٍ       ولم يَكْفِها حتى قَفَتْها مصائبُ

    ولكن ذكرى شيخ الشهداء ، وفارس المجاهدين ، وكامل الرجال الشيخ أحمد ياسين .. تُبقي النفسَ المكدودةَ على موعد مع الألم ، والجسمَ الخائرَ في زمان طويل من الحزن ، والقلبَ المُلتاعَ في حرقة لا برءَ لها من الآه ...

    سبحانك يا رب ؛ تصطفي من تشاء لجوارك ، وتنعم على من تشاء بلقياك ، وتمنح من تشاء عطفك وكرمك ورزقك ...

   هذا هو الشأن في كل عظيم ارتقى أسباب المعالي بجهاده ، وفي كل ماجد اعتلى سماء الكرامة بنضاله ، وفي كل زعيم فرع منبر الحق بصدقه ...

فلو أن السماءَ دنتْ لمجدٍ       ومكرمةٍ دنتْ لهمُ السماءُ

    فلا يوقف مسيرتَه السقام ، ولا يكبح عزيمتَه اللئام ، ولا ينال منه أهل الحقد والدَخَلِ والدَغَل ...

    وهذا هو الشأن في شيخ الفوارس أحمد ياسين ؛ فقد كان قمةً سامقةً في الإباء والعزَّة والشموخ ، رغم هُزال جسمه ، وضمور عضله ، وسيفا مسلولا في الجهاد والدفاع والهجوم ، رغم خَوَر قوته ، وشلل أعضائه ، وآيةً من آيات الله في البيان والهدى والرّشاد ، رغم ضعف صوته ، وخفوت نَأْمته ...

    لقد علم أن الدنيا خوّانةٌ غدّارة ، بَدْلةٌ نقّالة ، لا يكون منها امرؤٌ في حَبْرة إلا أعقبته بها عبرة ، ولا يلقى من سرَّائها بطنا إلا منحته من ضرَّائها ظهرا ، وحريٌّ إذا أضحت له منتصرة أن تمسيَ له خاذلةً متنكِّرة ...

                          ما أنت يا دنيا أرؤيا نائمٍ؟       أم ليلُ عرسٍ أم بساطُ سلافِ؟

    فكم واثقٍ بها قد فجعته ، وذي طُمأنينة إليها قد صرعته ، وذي اختيال فيها قد خدعته ، مع ما وراء من ذلك من سكرات الموت ، وظلمةِ اللحد ، وهولِ المُطَّلع ، والوقوف بين يدي الحَكَم العدل ...

    لكنّه كُفيَ من مغبَّة الدنيا بجهاده ، وأمن من فتنة القبر باستشهاده ، واستراح إلى سعادة الآخرة بلقاء ربه ...

    فلم يقصِّرْ به كرسيُّ المقعدين عن نيل ما تمنّاه ، وأخذ ما اشتهاه ، وتحقيق ما رآه ، كما قصَّرت عروش الطامعين ، ومناصب المتخاذلين بأصحابها عن كل مكرمة ومجد وافتخار .. يوم تسلَّلوا _ من ساح الوغى_لواذا، وانهزموا عنها سراعا...  

 سيدي أحمد ياسين .. لئن قتلوك فما قتلوا فينا الأمل البارق ، والوعد الصادق ، والغيظ الحانق ..فها هو شعب بين يديك ثائر ، وجيش من ورائك سائر ؛ أجناده تتوارد على حياض المنايا سباقا ، وتتلقى _ حبا في الله _ الأسنّة والحراب عناقا ...

    شيخي أحمد ياسين .. لئن اغتالوك فما اغتالوا الحلم البريء ، والحق الجريء ، والنصر المرتقب بإذن الله .. ولئن أفنَوْكَ جسدا ..فإن لك ذكرا سيفني اللياليا ...

جُزيتَ عن الإسلامِ خيراً وباركتْ      يدُ اللهِ في ذاكَ الأديمِ المـمزّقِ

فمن يسعَ أو يركبْ جناحَيْ نعامةٍ       ليدركَ ما قدمتَ بالأمسِ يسبقِ

    رحمك الله يا سيدَ الشهداء ، ومفخرةَ الأنقياء ، وقائدَ المجاهدين العاملين الصادقين .. وعوّضك عن كل ما لاقَيْتَه من مرارة الدنيا بعذوبة الآخرة ، ومن ضرّاء الفانية بسرّاء الباقية ، ومن نكد العاجلة بغضارة الآجلة ...

دامع العين وآمل الرجاء

11/صفر  /  1426  هـ

22  / آذار / 2005  مـ.