الشاعر مصطفى عكرمة مكرماً في مكتبة الأسد

أرض العرب تحتفي بشاعر العرب..

قصائده الملتزمة هزت القلوب والعقول

مصطفى عكرمة

عزيزة السبيني

تفوقت الرواية على الأجناس الأدبية كلها بدءاً من النصف الثاني للقرن العشرين إلا أن هذا التفوق لم يجعلها تتبوأ عرش الأدب ولم تتمكن من مزاحمة الشعر على موقعه الريادي، باعتباره ديوان العرب ومع مطلع الألفية الثالثة عاد الشعر ليحتل صدارة الأنواع الأدبية فأقيمت الأماسي الشعرية والندوات النقدية.

وتبنى الإعلام في وسائله المكتوبة والمسموعة والمرئية الشعر والشعراء فأقيمت المسابقات الشعرية في مختلف الأنواع والمدارس والمذاهب الشعرية وتألق الشعراء السوريون في معظم هذه المسابقات وكان للشاعر السوري مصطفى عكرمة فرصة الفوز في مسابقة شاعر العرب التي أقامتها قناة المستقلة الفضائية والتي تنافس فيها حوالي (1280) شاعراً من مختلف الدول العربية فاحتل الشاعر عكرمة المركز الثاني عن جدارة واقتدار. ‏

وتكريماً لهذا الفوز المشرف أقام اتحاد الكتاب العرب الثلاثاء الماضي حفلاً تكريمياً للشاعر في مكتبة الأسد حضره العديد من رجال الفكر والأدب ورجال الدين وبعض أعضاء لجنة التحكيم الخاصة بالمسابقة وأصدقاء المحتفى به. ‏

الشعر يحرك الوجدان والعقل ‏

بداية ألقى الدكتور حسين جمعة رئيس اتحاد الكتاب العرب كلمة تحدث فيها عن أهمية الشعر في حياة الأمم والشعوب وخاصة الشعوب العربية فهو ديوانها وسجل تاريخها وعطاؤها وأن الشعر له خصوصية في حياة العرب مشيراً إلى سوق عكاظ والمربد حيث كانت تجتمع العرب لتلتقي بشعرائها، كما أشار إلى أهم شعراء العربية وشعراء النقائض مشبهاً ليالي اليوم بليالي الأمس وإن اختلفت الأماكن. ‏

ثم تحدث عن شاعرية المحتفى به الذي استحق الفوز نظراً لانتصاره للقصيدة التقليدية الغنائية مثبتاً من خلالها أن الشعر قادر على تحريك الوجدان والعقل ونراه وقد قاسمت روحه كل موضوع عالجته قصائده واختتم بقوله: «نحتفي اليوم في أرض العرب بشاعر العرب» فالفوز الذي استحقه هو فوز للوطن والشعب والقضية الفلسطينية التي لم تخل قصيدة من قصائده دون الإشارة إليها والإشارة إلى أطفالها، ومعاناتهم. ‏

قصائده الملتزمة هزت ‏

القلوب والعقول

ثم قدم الدكتور محمود السيد شهادة أشار فيها إلى منظومة القيم التي حملها الشاعر عكرمة والتي ورثها عن أجدادنا الذين غدوا في يوم من الأيام أسياد العالم متحدثاً عن شاعريته التي تهز القلوب والعقول وأسلوبه الذي يمتاز بالرشاقة واللغة السهلة الواضحة التي تنأى عن التعقيد والغرابة وهو جدير بلا ريب بالجائزة ويستحق كل تقدير. ‏

شاعر مَجّد حرية الإنسان ‏

في حين تحدث الدكتور أيمن الشوا بالنيابة عن الدكتور مازن المبارك الذي وجه إليه تحية خاصة لأنه شاعر غنى لأحباب الله، غنى للأطفال محلقاً معهم بالقيم الروحية وهو شاعر مجد حرية الإنسان ودافع عن لغة العرب وديوانها الأصيل وفي قصائده تتشكل بنية متعددة الأصوات بمعنى أنها تشمل في داخلها صوت الآخر، أما الخطاب الشعري لديه فهو يتدرج خفية في وعي ونسيج الشاعر بشكل محافظ والنص الشعري عنده يخلق تبادلية الحوار والآراء بين النص وحركة الصورة الشعرية فتبدو العلاقة تبادلية بينه وبين المتلقي. ‏

ينتمي لمدرسة الفن للفضيلة

وتناولت الدكتورة فاديا المليح الحلواني شاعرية المحتفى به منطلقة من تعريفها للشعر باعتباره فضاء الفكر المفتوح وتعبير الإحساس والعاطفة الممزوجين بسلطة الروح وهو الصوت المسموع الرافض للممنوع في فضاء الشعر ثم تحدثت عن الفضاء الدمشقي الذي ساهم في تنمية رهافة حسه فانطلق إلى سماء الشعر بحساسية ورقي وأصبح الشعر ساكناً لديه بوصفه جمالاً روحياً ولغة إبداعية متوهجة وحالة شعورية كامنة وخيالاً إبداعياً لايتوقف، فاستطاع أن يشكل بشعره وقصائده قدرة على التأثير وأثارت كلماته وإيقاعاته مناخات نفسية عكست مناخات البيئة الدمشقية فجاء شعره ممزوجاً بين التراث والمعاصرة وبين التقليد والحداثة فغدت قصائده ساحات للحلم والرؤية، كما أشارت إلى شاعريته المتدفقة تجاه المرأة فجاءت قصائده تعبيراً صادقاً عن واقع المرأة العربية والسورية على وجه الخصوص ناقلاً من خلالها تطور وضع المرأة من خلال تطور المجتمع السوري بكل تقلباته. ‏

الريح تستريح بين يديه ‏

القلق يسكن في عينيه، والريح تستريح بين يديه والشعر يقف على شفتيه، بهذه الكلمات الرقيقة الدافئة بدأت الأديبة جمانة طه شهادتها بالشاعر مصطفى عكرمة الذي ينساب الشعر منه بلا تكلف وهو الشاعر المعلم والمرشد الذي كتب للأطفال شعراً تربوياً يصلح لأن يكون منهجاً تعليمياً وتحديداً في المرحلة الأولى، فأشارت إلى قصيدة بعنوان «طبيب الأسنان» يحث فيها الأطفال إلى زيارة طبيب الأسنان، وإلى قصيدة «الإشارة الضوئية» يعلم فيها الأطفال كيفية عبور الشارع بشكل حضاري وسليم كما أشارت إلى شعره في الغزل الذي ينساب عذوبة وروعة بكلمات جريئة وصادقة، وهو في كل ماكتب لم يغنِ أحلامه الشخصية لأنه تماهى مع أحلام أمته وتطلعاتها تغنى بوطنه لأن مجد الأمة وعزة الأوطان لا يتحققان إلا بالعودة إلى ينابيع الدين الأساسية.

وفي شعره محطات عديدة تستحق التوقف عندها ويكفيه فخراً أنه استطاع أن يؤسس لشعره موقعاً متميزاً في مدونة الشعر العربي المعاصر وأن ينبت في خميلة الوطن شجرة أغصانها محبة وورقها خلق وإيمان. ‏

شاعر القضية القومي-الديني ‏

أو«الداعية الشاعر» ‏

بدأ الدكتور راتب النابلسي بالحديث عن ربط الأدب بالدعوة إلى الله وأن الانتاج العقلي للبشرية لايزيد عن أن يكون علماً (يتعلق بما هو كائن) وفلسفة (تتعلق بما يجب أن يكون) وفناً يتعلق بما هو ممتع. ‏

والله تعالى يقول في كتابه العزيز «الرحمن، علم القرآن، خلق الإنسان علمه البيان» هذا الترتيب هو ترتيب رتبي لا زمني وأن وجود الإنسان لامعنى له دون علم وبيان، والقرآن خاطب العقل والقلب معاً ثم تحدث عن الشاعر بوصفه شاعراً ملتزماً مثله كمثل الحمام الزاجل حامل الرسالة . ‏

ومعظم قصائده تصلح لأن تكون إنشاداً لأنه يخاطب عقول الأمة وقلوبها مطلقاً عليه لقب «الداعية الشاعر». لأن الإنسان يحب الحقيقة ويطرب لها وهذه الحقيقة هي التي تجسد العلاقة بين الدعوة والشعر. ‏

أنت الطفولة والطفولة أنت ‏

تحدث الأستاذ ياسر المالح عن العلاقة التي تربطه بالشاعر أثناء عملهما معاً في برنامج «افتح يا سمسم» فكانت كلماته الأحلى وكان له عطاءات كثيرة في فضاء الطفولة شعراً وحكايات وحين يتدفق نهر الشعر لديه فإنه يتدفق من ينبوع الإبداع وكان خير المعبرين عن وجدان الأمة في أزماتها وتطلعاتها نحو الأعلى. ‏

ديوان شعر واضح الدلالات

وتساءل الإعلامي محمود الجمعات عن سبب فوز الشاعر مصطفى عكرمة مجيباً باختصار: لأنه ديوان شعر واضح الدلالات مفتوح لقراءته من الجميع، فهو نهر دفوق من الأغنيات يحمل بين يديه رسالة الأرض، فيه دفء الشواطئ، هو يقظة، صيحة في عالم الإبداع الشعري، ويختم شهادته بقصيدة مهاداة إلى الشاعر المكرم. ‏

تنهض الأمم بأبنائها ‏

في حين تناول الدكتور عبد السلام راجح العلاقة التي تربطه بالشاعر باعتبارهما إخوة في الإيمان أولاً وجيراناً في الحي الذي يقطنون، مشيراً إلى مكانة الشاعر في نفوس أبناء الحي وهو وإن كان قد حاز المرتبة الثانية في المسابقة إلا أنه الأول في قلوب الأهل والأصدقاء وتحدث الدكتور راجح عن بلاد الشام التي تزخر بالعلماء والأدباء والفقهاء من مختلف الأطياف وإن الشاعر أحب الله لذلك فإن الله قد أكرمه بمحبة الناس، والشعر إذ يجري على لسانه جدول رقراق من العطاء والحب والإيمان ‏

نقرأ في شعره ما تقرؤه ‏

الأشواق وقت الغياب ‏

أشار الأديب حسن حميد في ورقته إلى ثلاثة أمور وسمت مدونة الشاعر مصطفى عكرمة أولها الشعرية الفطرية التي حباه الله بها فهي شعرية قادرة على القول الشعري حتى وإن ضاقت بها الأحياز والمكاره، وثانيها: قيميته، فلا شيء عنده، لا شعر ولا سلوك ولا كلام من دون معطيات القيم، القيم هي المعيار إليها يمضي وبها ينهض وعندها ينصب موازين الشعر، وثالثها: وطنيته فمصطفى عكرمة ذات جرّحتها الأزمنة الوطنية بمواقف أهلها النبيلة فكتب شعر الانتصار فشعره قصيدة جرحّتها الظروف العاطبة فواقفها عبر مشهديات الانتفاضة الفلسطينية المباركة قبل نحو عقدين، هذه المزايا هي التي تميز شعره وهي التي تميزه سلوكاً وتواضعاً وهدوءاً من الآخرين فتجربته الشعرية بعيدة الغور كثيرة الظل حانية على كتاب الأرض يقرأ المرء فيها ما تقرؤه الأشواق وقت الغياب. ‏

جماليات القصيدة العربية التقليدية ‏

وأخيراً قرأ الدكتور وليد قصاب وهو أحد أعضاء لجنة التحكيم ملخصاً عن شهادة أعضاء لجنة التحكيم لشاعر العرب التي ضمت أعضاء من مختلف المذاهب والاتجاهات الشعرية والفكرية ورأت اللجنة في مصطفى عكرمة أنه شاعر يمتلك مشروعاً شعرياً ينطلق من رؤية واضحة للشعر وهو صاحب رسالة نيرة خيرة تنطلق من مفهوم اسلامي فضلاً عن كونه يجسد شخصية الأمة وهويتها الفكرية وهو ملتزم بهموم الشارع العربي وحامل أحلامه وتطلعاته. ‏

قطوف وحروف ‏

ورافق الاحتفال افتتاح معرض الخط العربي «قطوف وحروف» بإشراف الفنان الخطاط عدنان الشيخ عثمان ويضم المعرض روائع ما خطته أنامل كبار الخطاطين في سورية والبلاد العربية من قصائد الشاعر مصطفى عكرمة ثم ألقى الشاعر مصطفى عكرمة قصيدة شعرية من وحي التكريم وفي نهاية الحفل قلّد الدكتور حسين جمعة المحتفى به درعاً تكريمياً باسم اتحاد الكتاب العرب. ‏

ت: هشام برازي ‏

برقية بيت الشعر الفلسطيني ‏

الشاعر الشامي الكبير.. مصطفى عكرمة.. ‏

هاهي ذي الشام الأبية، وكما عودتنا، تجالس الشعر في ردهة الوقت الآمنة.. ‏

وهاهي ذي الشام الجليلة تمشي فوق خطاها الملكية كي تبارك الشعر والشاعر في مساء نادر هو للشعر والشاعر معاً.. ‏

الصديق العزيز مصطفى عكرمة... ‏

هاهو ذا خبر تكريمك، وفوزك.. ونيافتك.. ‏

تعم بلاد سيدنا الجليل.. ‏

خبر كريم يطل مثل الصباح، من بلاد الصباح الشام العزيزة.. فيعم البيوت.. وأهل الديار.. ‏

بوركت الشام.. فلأهلها أعياد.. ‏

وبورك الشعر.. فلمدوناته أسياد تترى على الأيام.. ‏

وبورك عزمك أيها الشاعر، ووجهك... وندى يديك.. ‏

هانحن ذا.. أهل بيت الشعر الفلسطيني ‏

نهز يديك كي يتضوع حبق الشعر.. ‏

كي تزدهي المعاني وتعلو ‏

كي يظل الشعر بيتاً للنوابه.. أهل الحضور.. والخرائد الفائزات.. ‏

من هنا، من باب العمود، من جوار حائط البراق الشريف.. ‏

من فوق هذه الحجارة الوردية المقدسة.. ‏

من غيبال نابلس، من حارات أريحا، من منارة عكا، من كروم الخليل، من حقول جنين.. من مخيم جباليا، ومن معبر رفح، من سجون أهلنا الأباة، من دوحات رياض أطفالنا.. من حاراتنا.. وعبر بوابة دمشق الشام.. ‏

نهتف بملء الصوت، بوركت، بورك قصيدك، وبوركت يدك الندية.. وبوركت وقفتك مع جرحنا.. المهطال دماً ساحراً، وبوركت أنفاسك وهي تحوم حيرى مثل الطيور حول محمد الدرّة وأبيه.. وبورك نشيدك وأنت تمشي في جنازات شهدائنا.. وبورك قرعك المألوم على بوابات المقابر الفلسطينية.. أن كفى.. وبورك الخطو الثابت في درب العزة.. وقد ضاق.. إلا على الشعر.. والشهداء... ‏

من هنا.. من رام الله، من بيت الشعر الفلسطيني.. نمد يدنا الفلسطينية النازفة.. دماً وزيتاً وزعتراً كي نلامس غرتك أيها الشاعر، ياعكرمة.. ياسليل الحمام. ‏