مات خادم السنة النبوية الشيخ عبد القادر الأرناؤوط
مات خادم السنة النبوية
الشيخ عبد القادر الأرناؤوط
الشيخ زهير الشاويش*
انتقل إلى رحمة الله تعالى صباح يوم الجمعة الثالث عشر من شوال 1425هـ الموافق 26/11/2004م أخي الغالي ، وصاحبي في العمل ، وصديقي الوفي العالم المحقق الشيخ عبد القادر ( قدري ) المشهور بـ ( الأرناؤوط ) ، الدمشقي تغمده الله برحمته ، وأدخله فسيح جنته ، وعوَّض أهله وأولاده والمسلمين بفقده ، خيراً . ولله I ما يشاء ، ولنا التسليم التام بكل ما يصيبنا من قضاء وقدر .
الشيخ عبد القادر جاء والده من كوسوفا في يوغسلافية ، وأقام في دمشق في حي الديوانية ، وفيه مجموعة من الألبان ، فنسب إليهم ، ولم يكن عنده ما عرفنا من بعضهم من شدة !!
وكان مولده سنة 1346هـ الموافق سنة 1927م .
نشأ الأخ عبد القادر في بيئة دينية فيها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ثم التحق بمدارس الفتح الإسلامي ، التي أسسها الشيخ صالح فرفور عليه رحمة الله .
وبعد ذلك عمل مدرساً وواعظاً في مدرسة الإسعاف الخيري في رعاية الأيتام .
وفي سنة 1377هـ الموافق سنة 1957م انتقل إلى المكتب الإسلامي الذي أسسته في دمشق ، وهناك ظهر نبوغه بقيامه بنشر آثار السلف الصالح مع مجموعة من أهل العلم والفضل ومنهم الشيخ محمد ناصر الدين الألباني ، والدكتور محمد لطفي الصباغ ، والشيخ شعيب الأرناؤوط ،
والشيخ عبد القادر الحتاوي ، والشيخ إسماعيل الكيلاني ، وآخرون .وعمل فترة مديراً للمكتب الإسلامي بعد سفري خارج سورية لظروف قاهرة سنة 1963م ، وكان عمله في المكتب الإسلامي أكثر من عشر سنوات منقطعاً له ، ثم متعاوناً مع المكتب ، حتى وفاته رحمه الله .
وهناك تأثر بالمنهج السلفي السليم ، فأصبح من أكبر دعاته في سورية ، وظهر ذلك في دعوته العامة في دروسه ومساجده وتلامذته ، وفي تحقيقاته للكتب مثل باقي إخوانه في المكتب الإسلامي .
وشارك في تحقيق عدد من إصدارات المكتب معيناً لصاحبه ، وللشيخ ناصر ، والشيخ شعيب والدكتور الصباغ والشيخ الحتاوي ، والشيخ أحمد القطيفاني ، وغيرهم . فشارك بتحقيق عدد من الكتب المخطوطة ، والتي طبع أكثرها المكتب الإسلامي ، مثل : ” الكلم الطيب “ ، و ” مشكاة المصابيح “ ، و ” روضة الطالبين “ ، و ” زاد المسير “ وساعد في إعداد مؤلفات الشيخ ناصر الدين الألباني ، مثل ” صحيح وضعيف الجامع الصغير وزيادته الفتح الكبير “ ، و ” شرح العقيدة الطحاوية “ ، و ” سلسلة الأحاديث الصحيحة والضعيفة “ ، و ” شرح ثلاثيات مسند الإمام أحمد “ ، و ” الروضة “ ، و ” زاد المسير “ ، وكتب الفقه الحنبلي ، وغير ذلك .
ثم انفرد بعد ذلك بأعمال قيِّمة أتقن العمل بها ، أحسن الله إليه ، مثل كتاب ” جامع الأصول “ .
وكان من أواخر أعماله إعادة تحقيق كتاب ” شرح ثلاثيات مسند الإمام أحمد “ للمكتب الإسلامي ، وهو تحت الطبع الآن ، وكانت آخر رسالة منه إليَّ بتاريخ الأول من شوال 1425هـ للتهنئة بالعيد ، وراغباً باستعجال طبع شرح الثلاثيات ، ولعلها آخر رسالة كتبها – رحمه الله – .
وكانت الصلات عامرة بينه وبين الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله - ، حيث كان الشيخ عبد العزيز يقدِّر الشيخ عبد القادر وجميع العاملين في المكتب الإسلامي ، وكان للشيخ ابن باز مع الشيخ عبد القادر علاقة خاصة ، دلَّت على تقديره البالغ له ، ومنها تعيينه واعظاً في كوسوفا ، وذهب إلى بلاده الأصلية ( يوغسلافية ) أكثر من مرة يعظ الناس ، ويدلهم على الخير ( وكان يتقن لغتهم ) .
وكان الشيخ عبد القادر متأثراً جداً بالعمل العام الذي يقوم به الأستاذ عصام العطار ، وبالدعوة السلفية السليمة التي يقوم بها الأستاذ عبد الرحمن الباني ، وبعض إخوانه .
وكان – رحمه الله – سهل العبارة فصيح اللسان ، حسن الاستشهاد بالأحاديث النبوية الصحيحة ، وبما كان عند السلف الصالح من مواعظ مختارة منتقاة .
وكان يحضر الطلاب من بلاده الأولى ، ومن تركية للدراسة في الشام أو في المملكة العربية السعودية ، ويسعى في تأمين ما يلزمهم من المساعدات المالية والعلمية وغيرها .
وقد نكب الشيخ عبد القادر – رحمه الله – أكثر من مرة ، فقد أصيب بوفاة زوجته الأولى أم محمود – رحمها الله – بحادث مؤلم .
ثم لقي المتاعب من قبل بعض الجهات، فمنع من الخطابة ، والتعليم ، وحضور الاجتماعات ، ثم إلزامه البقاء في بيته لفترات ، مع أنه كان رقيق الوعظ ، حسن النصح للناس .
والتف الناس حوله محبين له مستفيدين من علمه ، ومنهم مجموعة من طلاب العلم الذين تخرّجوا على يديه ، وفيهم من بلغ منـزلة عالية وكبيرة في سورية ، وغيرها .
وقد صلي عليه في جامع زين العابدين التونسي الحسيني عقب صلاة الجمعة ، وشهده الخلق الكثير ، ثم دفن في مقبرة الحقلة ، وأبَّنه وعَدَّد فضائله شيخ القرَّاء العلامة محمد كريّم راجح .
تغمده الله برحمته ، ولله ما أخذ ولله ما أعطى ، وكل شيء عنده بأجر . وأرجو الله أن يكون عوناً لأهله وأولاده الثمانية وبناته الثلاث ، وأن ينبتهم النبات الحسن ، ويحسن إليهم .. ) وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا ( .
والحمد لله على كل حال ، وإنا لله وإنا إليه راجعون .
* عالم وسياسي سوري كبير يعيش في المنفى