عمر محمود القاسم

أحمد محمود القاسم

الذكرى العشرون لاستشهاد القائد الوطني الفلسطيني

الكاتب والباحث/ أحمد محمود القاسم

[email protected]

ولد الشهيد القائد عمر محمود محمد القاسم في الثالث عشر من تشرين الثاني من العام 1941م في مدينة القدس القديمة. وترجع أصول عائلة القاسم الى بلدة "حبله" الواقعة قضاء محافظة قلقيلية، حيث ما زالت عائلة القاسم تقيم فيها، والشهيد من أسرة كبيرة، عدد أفرادها تسعة أفراد (ستة من الذكور وثلاثة من الإناث)، وكانت الأسرة، ما زالت تعيش في مدينة القدس، في حي الشيح جراح، حتى وفاة الشهيد، واستشهد القائد عمر القاسم بعد اعتقال دام أكثر من واحد وعشرون عاما في سجون الأحتلال الصهيوني.

يصادف يوم الرابع من حزيران من كل عام، ذكرى استشهاد القائد الوطني الفلسطيني عمر محمود القاسم، ويوم الرابع من حزيران هذا العام 2009م، تكون الذكرى العشرون لأستشهاد القائد، هذه الذكرى العزيزة، على قلب كل مواطن فلسطيني حر، وعلى كل أبناء شعبنا المناضل في كل مكان، فأصدقاء الشهيد، ورفاقه في السجن، وخارجه، وفي كل بقعة من ارض الوطن، وفي الشتات، يعرفون من هو الشهيد عمر القاسم، وإذا كنت احيي ذكرى استشهاد أخي، فإنني في ذكراه، احيي ذكرى كل الشهداء الفلسطينيين الأبطال، الذين سقطوا على ثرى ارض فلسطين وفي ساحات النضال المختلفة، خلال معركة النضال الطويلة والمريرة، ضد الاحتلال الإسرائيلي الصهيوني والنازي، فروا وطهروا بدمائهم الزكيه، ارض الوطن، فزادوها قدسية على قدسيتها.

استشهد القائد عمر القاسم بعد اعتقال طويل، قضاه في غياهب سجون الاحتلال، متنقلا من سجن إلى سجن، ومن زنزانة إلى زنزانة، بحيث لم يبق سجن واحد لم يزره، ولا سجين واحد لم يعرفه، أو لم يلتق به، فكل السجناء منذ عام 1968م وهو تاريخ اعتقاله، وحتى يوم استشهاده في الرابع من حزيران 1989م، عرفوه مناضلا صلبا، وقائدا فذا في سجون الاحتلال، مارس النضال داخل وخارج السجن، بأروع صوره، فأطلق عليه زملاؤه بالمعتقل، شيخ الأسرى والمفكرين، لما كان يتمتع به من قوة وبأس، قوة بالفكر والاراده، حيث اعتبره زملاؤه من ابرز المفكرين والمثقفين الفلسطينيين داخل وخارج سجون الأعتقال، الذين دخلوا المعتقلات الإسرائلية، ويعتبر الشهيد القائد عمر، هو اول قائد وشهيد يدخل السجون الأسرائيلية بمستوى عضو لجنة مركزية، حيث كان عند اعتقاله في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.

يقول أخي الشهيد في أحد رسائله إلى أحد أصدقائه خارج السجن::

(لكل كائن حي، دورة حياة، وبعد أن تكتمل هذه الدورة، فان الحياة تلفظه جانبا، ويبقى كذلك، إلى أن يلفظ أنفاسه الأخيرة، وعن خصائص السجن يقول أخي في رسالة له:

(إن العزاء الوحيدة لنا بالسجن، هو وجودنا على ارض الوطن، والتعرف على أبناء صهيون عن قرب، من خلال وجودنا معهم وجها لوجه، أنتم ربما تقرؤون أو قرأتم عن الصهيونية في الكتب والمجلات، ولكننا ونحن داخل السجون، نلمسها طيلة أربع وعشرين ساعة في اليوم). الفلسطيني، وما كتبه عنه رفاقه وأصدقاؤه، وما سمعوه عن نضالاته، سواء كان شعرا أو نثرا، وفكرا، لشيء يقرب من الخيال. رغم فاشية ونازية الحركة الصهيونية، وحكامها وقادتها الصهاينة، فقد ارتقى الشهيد بأخلاقه ومبادئه إلى القمة، حيث قال في أحد رسائله بتاريخ 3171986م:

(لن نسمح للحقد والممارسات الفاشية والعنصرية الصهيونية، أن تخلق في نفوسنا الرغبة في الرد عليهم بالمثل، والنظر للديانة اليهودية بشكل عنصري، فإننا سنحارب العدو، بما يخدم القيم الوطنية والإنسانية والسلام العالمي، رغم أننا نتألم للمآسي التي تسببها حربهم العدوانية، وممارساتهم العنصرية، ضد أبناء شعبنا الفلسطيني، وضد أطفاله ونسائه، والرجال الكبار بالسن منهم ،وللشعوب العربية، وحتى للإسرائيليين أنفسهم).

عندما سأله أحد قادة العدو الصهيوني، وهو معتقل لديهم، فيما إذا أفرجوا عنه، هل سوف يلتزم ببيته ويمتنع عن القيام بأي نشاطات سياسية ضدهم، جاء رده واضحا وصريحا وعفويا: (لقد أمضيت أكثر من عشرين عاما في الاعتقال، ولا يهمني مصيري الشخصي، ما يهمني،، هو قضية شعبي، وطالما بقي كابوس الاحتلال على صدر شعبي، سأبقى أقاتلكم). وعندما أفرج العدو عن مجموعة من زملائه بالسجن، ولم يكن ضمن المجموعة التي أفرج عنها، سما الشهيد بروحه وإحساسه، وصعد إلى القمة، حيث جمع رفاقه الأسرى الذين سيفرج عنهم وخاطبهم قائلا:

(انه إنجاز كبير أن يتم الإفراج عنكم، ونحن نعيش الآن عرسا فلسطينيا وطنيا، وعلينا أن نعمل على إنجاحه، أما نحن الذين سنبقى في داخل المعتقل، فعلينا أن لا نحزن، حتى لا يفقد رفاقنا وإخوتنا فرحتهم، فعلينا أن نفرح معهم). وبعد خروج بعض المعتقلين واستقرارهم خارج المعتقل، سمع عن زواج البعض منهم، فكتب لأحد أصدقائه يقول:

(إنني مسرور حقا، عندما سمعت بزواج عدد من الأسرى المحررين، أما بالنسبة لي، فلم أكن أتصور في حياتي أن يتأخر زواجي، لأنني بطبيعتي متفائل، أحيانا أفكر، بأنه لن يكون لي أولاد شباب، فالتغيير ألعمري للأسرى بالسجن، جعلني اشعر بأنني أب، وربما جد في آن واحد معا، فهناك الكثير من الشبان المعتقلين، ينظرون لي كأب، وهذا ما يفرحني، لأنني أحبهم فعلا كأنهم أبنائي، وبعض المعتقلين، صغارا جدا بالسن، و يحبونني كجد لهم، والباقون، ينظرون لي كأخ، لأنهم من جيلي، فأنا بالحقيقة، أعيش بين أهل، يحبون بعضهم بعضا، والمحبة ثمرة العطاء في كل شيء، وسعيد ذلك الإنسان، الذي يجعل حياته كلها عطاء)، ومن الأقوال الخالدة للشهيد القائد: (في السجن، لا ينتهي دور المناضل، بل يبدأ، وهو نضال مكمل ومترابط مع النضال خارجه، يجب أن نصمد في هذه الجبهة "جبهة المعتقلات"، وسوف نصمد رغم الاختلال الواضح والفادح في ميزان القوى).

بعد خروج بعض المعتقلين، واستقرارهم في الخارج، وزواج البعض منهم، كتب لأحد رفاقه:

(سعادتي بتحرركم، طغت على حياتي، وبت كأنني أسبح في بحر من النشوة، إن هذا ليس كلاماً مبالغاً فيه، فليس من الممكن، لإنسان مثلي، أن يجد طعماً للحياة بعد ما جرى، لولا هذا الشعور العميق من السعادة، الذي يسيطر على نفسي، نتيجة لتحرر هذا العدد الكبير من الأحباء).

كتب عبد الناصر فروانة، وهو أسير محرر ويعمل بوزارة الأسرى والمحررين بغزة بتاريخ 4 /6/2004م:

(مَن لَم يَعرف عمر القاسم، ليس فلسطينيا، ولا يعرف الحركة الوطنية الأسيرة... فهو علم من أعلامها ورمزٌا من رموزها، وأحد أبُنائها الأساسيين، وكان على الدوام، عماداً أساسياً من أعمدتها الراسخة... فكان في حياته قائداً فذاً، ومناضلاً شرساً، وأسيراً شامخاً، ونموذجاً رائعاً، وفي مماته، شهيداً خالدا،ً وقنديلاًً لن ينطفئ نوره، نعم، هذا هو الشهيد عمر القاسم، لمن لا يعرفه، بل يعجز القلم عن وصف خصاله، وتجف الكلمات، حينما تسرد سيرته، وتنحني القامات تقديراً، حينما تتحدث عن بطولاته ومواقفه).

كتب أحد أصدقاء الشهيد قصيدة في ذكرى استشهاده بعنوان:

كيف الأسير على السجان ينتصر

الـجـسـم  للروح سجن، مكثه iiالعمر
جـارت  عـلـى الروح، ارض الشر
ولـيـس فـي الأرض، للأقمار iiمتسع
يـا مـن تـكـسرت الأغلال في iiيده
يـا آيـة قـالـهـا الـتاريخ iiمفتخرا
عـدوك الـغـر، مـنصور على iiبدن
يـا  قـائـدا جـاءه الـكرسي iiيطلبه
زرعـت فـيـنا رجاء سوف iiنحصده
عـلـمتنا أن بالعزم، والتصميم iiعزتنا
كـل الـسـلاح، سـلاح، حين تحمله
فـافـرح  بـبـذر عظيم، كنت تبذره
فـفـي فـلـسـطين للأحرار iiمدرسة











فـعـش  طـليقا من الحبسين يا iiعمر
فانتصرت لها السماء، ففي عليائها ظفر
وهـل بـغـير العلا يستوطن iiالقمر!!
مـن طول صبر، و عزم، ليس iiينكسر
ومـثـلـك  الـيـوم، للتاريخ iiمفتخر
لـكـنـه،  فـي ثـبات القلب مندحر
فـآثـر  الـسـرج، و الميدان مستعر
نـصـرا،  عـلى يد أشبال له iiزأروا
فـانـظـر، إلـى مـا يصنع iiالحجر
أيـد،  يـصـافـحها الأيمان و الظفر
ولـيـهـنك الغرس، ها قد أينع iiالثمر
وكـلـهـم ثـائـر، بـل وكلهم iiعمر

وفي قصيدة أخرى بعنوان:"يا سيد الشهداء" كتبها أحد أصدقاء الشهيد المدعو عادل وزوز

مـن  أيـن أبـدأ والفؤاد iiيعتصر
مـا  كـان مـوتك سهلاً iiفالقلوب
وإن قـضـيـت شهيداً قبلنا iiفعلى
يـا  سيد الشهداء، أنت قدوتنا، iiكنا
عـلـمتنا أن يكون الرأس iiمرتفعاً
ألـسـت  من قد، غدا لشعبه iiمثلاً
جـيـش العدو بكل القدس iiمنتشر
قد  جربوا أن ينالوا منك ما iiنجحوا
عـهداً  لروحك كل الشعب iiيقسمه
شعب أصيل، يخوض اليوم iiمعركة









حزناً  عليك، رفيق الدرب يا iiعمر
بكت،  وشعبنا المعطاء هزه iiالخبر
خـطـاك، إنـا لهذا الكأس ننتظر
بـعـزمـك فـي السجون iiنفتخر
غـداً، سـيـبقى، وسوف iiينتصر
وفـكـره،  بين كل الشعب iiينتشر
خافوك حياً، وبعد الموت قد iiذعروا
وراحـوا،  أن تنحني وهم iiخسروا
لـن نـنـحـنـي ولن يذلنا iiبشر
سلاحها الجوع والإضراب والحجر

هذا هو الشهيد القائد عمر القاسم، لمن لا يعرفه، ستبقى ذكراه خالدة في روح شعبه طال الدهر ام قصر، وستبقى ذكراك عمر القاسم، خالدة في قلوبنا، ما دام بنا قلب ينبض بالحياة.