في ذكرى الإمام أبي الأعلى المودودي

مصطفى محمد الطحان

في ذكرى الإمام أبي الأعلى المودودي

1903 - 1979

بقلم: مصطفى محمد الطحان

[email protected]

تلقيت رسالة كريمة من أمير الجماعة الإسلامية فضيلة الأستاذ القاضي حسين أحمد ومعها دعوة لحضور مؤتمر يعقد في لاهور خلال الفترة (6-7) ديسمبر 2003م بمناسبة مرور قرن على ميلاد المفكر الإسلامي الكبير مؤسس الجماعة الإسلامية في القارة الهندية الإمام أبي الأعلى المودودي.. وكان لا بد من تلبية الدعوة  بالرغم من كثرة الانشغالات، فللإمام المودودي في أعناقنا نحن أبناء هذا الجيل دين عظيم..

·    فهو المفكر الإسلامي الذي تربينا على فكره وكتبه التي ترجمت إلى اللغة العربية في أوائل الأربعينات.. وأصبح هذا الفكر بالإضافة إلى فكر الإخوان المسلمين الذي صاغه الإمام حسن البنا زاد الحركة الإسلامية في أنحاء العالم..

وإذا امتاز فكر الإمام البنا بأنه فكر أصولي تربوي عملي.. فقد تميز فكر الإمام المودودي بأنه فكر تصدى للفكر الغربي الذي حاول استعمار عقول المسلمين بعد أن استعمرت جيوشه بلادهم..

يقول الإمام المودودي: (لما قرأت القرآن بعيني المفتوحة شعرت بأن كل شيء قرأته حتى الآن كان تافهاً غير ذي بال، وقد وجدت الآن أصل الأصول في باب العلم وأصبح يتراءى لي كل من كانت وهيجل ونيتشه وماركس وسائر المفكرين الذين يسير بذكرهم الركبان في العصر الحديث أقزاماً يستحقون الشفقة، لأن المسائل والتعقيدات التي أفنوا حياتهم في حلّها وألفوا فيها كتباً طائلة لم يحالفهم فيها التوفيق، مع أن القرآن الكريم أوجد لها حلاً في آية أو آيتين).

جميع القيادات الإسلامية اقتبست من أفكار المودودي.. لقد كانت الهند مركزاً لحضارة ودولة إسلامية عريقة.. وعندما سقطت هذه البلاد في براثن الاستعمار الإنكليزي.. بدأ الإنكليز ينفّذون فيها خطتهم بعيدة المدى.. فإلى جانب استغلال خيراتها وثرواتها.. بدأوا يحاربون الإسلام ويشجعون الهندوكية..

وإذا كانت أعداد كبيرة من المسلمين انكفأت على نفسها، فإنّ طبقة أخرى منهم تبنت أفكار المحتل.. واعتبرت أن الإسلام ضد العلم وضد التقدم والحضارة.. وإذا أراد المسلمون النهوض من تخلفهم، فلا بد من أن يسيروا في طريق العلمانية ونبذ الدين.

في هذه الأجواء تفتحت مواهب المودودي..

كان عليه أن يكشف زيف الحضارة الغربية.. تكلم في نظرية دارون التي مسخت الإنسان قرداً.. وقالت: أن البقاء للأقوى ولا حق للضعيف بالحياة.. وتساءل المودودي: في ضوء هذه النظرية ماذا سيكون موقف الإنسان تجاه أخيه الإنسان؟ هل سيبقى أي مكان للتعاطف أو الرحمة أو المحبة أو الإيثار، أو بقية العواطف الإنسانية داخل الحياة.. وما هو شأن العدل والإنصاف والأمانة والتدين والصدق والأخلاق؟

وتكلم عن هيجل الذي قدم الدنيا على أنها ساحة صراع.. وانطلق دارون من المنطلق ذاته.. وكذلك فعل ماركس..  وهكذا، وطبقاً لهذه الفلسفة الغربية فإن الإنسان لا يعدو أن يكون محارباً مشاكساً.. يحمل سلاحه ليحارب الآخرين داخل أمته أو خارجها.. يبحث عن منفعته الأنانية الشخصية.

درس المودودي هذه الحضارة من مصادرها.. وبين لأبناء أمته بأسلوب مشرق متين أن الإسلام شيء آخر إنساني حضاري.. واستطاع أن يعيد إلى المسلمين ثقتهم بدينهم واعتزازهم بشخصيتهم.

يقول المودودي: من عام 1929م إلى عام 1939 أفرغت العديد من خزانات الكتب والمراجع في ذهني، استعداداً للمهمة الجديدة مهمة الدعوة إلى الإسلام في عصر مُلئ بالأفكار والتيارات يفرض على الداعية أن يتزود بزاد كمي علمي سام وأن يحظى بعصا من البرهان يتوكأ عليها ويهش بها على غنمه، ويحقق بها المآرب الأخرى.

في هذه المرحلة ألف الإمام المودودي مجموعة من أهم كتبه مثل: نحن والحضارة الغربية، والمسلمون وحركة تحرير الهند، ومبادئ الإسلام، وغيرها.. بل إنه ألف كتابه الشهير (الجهاد في الإسلام)، في نحو الخامسة والعشرين من عمره ، وفيه تصدى للرد على دعايات الهندوس الظالمة التي تزعم انتشار الإسلام بالسيف، لا الحجة والبرهان.

لقد ألّف المودودي أكثر من مائة كتاب حول مبادئ الإسلام الأساسية والتحديات المعادية والقضايا المعاصرة كما ألف تفسيره الشهير (تفهيم القرآن) ونذكر هنا أسماء بعض هذه الكتب القيمة لنتبين شمولية كتبه لكل جوانب الحياة الفردية والاجتماعية وجميع التحديات والقضايا المعاصرة، واهم هذه الكتب: (مفاهيم إسلامية حول الدين والدولة)، (نظام الحياة في الإسلام ومبادئه الأساسية)، (معضلات الإنسان الاقتصادية وحلها في الإسلام)، (أسس الاقتصاد بين الإسلام والنظم المعاصرة)، (نحن والحضارة الغربية الرأسمالية والشيوعية)، (الحجاب)، (الإسلام في مواجهة التحديات المعاصرة)، (الإسلام والمدنية الحديثة).

وقد توثقت صلاته آنذاك بشاعر الهند ومفكره الكبير محمد إقبال، حتى دعاه (سنة 1356هـ الموافق 1937م) ليمارس نشاطه الدعوي في لاهور حيث الكثافة الإسلامية العالية، فانتقل إليها المودودي، وكأنما كان مقدراً له أن يملأ الفراغ الكبير الذي خلفه إقبال بوفاته في السنة التالية.

ولم يقتصر تأثير الحركة الفكرية التي وضع قواعدها الإمام المودودي على باكستان والهند وحدها.. بل تعداها إلى بلاد الإسلام الأخرى..

يقول العلامة الشيخ أبو الحسن الندوي (رحمه الله): إنني لا أعرف رجلاً أثر في الجيل الإسلامي الجديد مثل تأثير الراحل العظيم لا في العمق ولا في السعة، وقد كان السيد جمال الدين الأفغاني من أقوى الشخصيات الإسلامية التي نبغت في القرن الماضي وأكبرها نفوذاً في عقول الشباب المثقف وسيطرة بل سحرا عليها وتأثيراً في الأفكار والاتجاهات والأساليب الأدبية والكتابية والخطابية، حتى كان صانع جيل ومفتتح عهد، ولكن الحق يقال إن سيطرته العقلية والنفسية كانت محدودة في السخط على الأوضاع السياسية القائمة والاستعمار الأجنبي وفي إثارة الأنفة والنخوة في الشعوب الإسلامية والعمل للجامعة الإسلامية ولم يرافقها فكرة منسقة ولا دعوة إيجابية تقوم على الدراسات الإسلامية العميقة بخلاف الأستاذ أبي الأعلى المودودي، الذي قامت دعوته على الأسس العلمية أعمق وأمتن من أسس تقوم عليها دعوات سياسية وردود فعل الاستعمار الأجنبي، ومما يجب أن يسجل في مآثره الخالدة انه كان لكتاباته فضل كبير في إعادة الثقة إلى نفوس الشباب المثقف الذكي لصلاحية الإسلام لمسايرة العصر الحديث، بل لقيادته والتغلب على مشكلاته الطارئة ومعالجتها، بل للمنع عن وقوعها ومحاربة مركب النقص في نفوس هؤلاء الشباب.

ويقول المستشار مأمون الهضيبي المرشد العام للإخوان المسلمين: لقد تعرض فكر الإمام المودودي لقدر كبير من التشويه، وبخاصة فيما يتصل بالزعم بإقدامه على تكفير مخالفيه، والحكم على مجتمعاتنا بالجاهلية، وهو قصور بالغ فيه أصحابه، ولم يراع تطور تفكير الإمام المودودي وظروف دعوته، فقد كان الرجل في بداية دعوته مائلاً نحو فكرة الثورة والانقلاب، وبخاصة انه بدأ مسيرته في بلاد تخضع للاحتلال الإنكليزي، ويعيش المسلمون فيه بين أغلبية تخالفهم في الدين وتشتط في معاملتهم، أما بعد تحرر الهند، واستقلال باكستان عنها، فكانت أفكاره تتجه نحو الإصلاح لا الثورة، وهو الرجل نفسه الذي اعتبر التكفير جريمة في حق الفرد والجماعة، وكان يرى أن (من يكفر مؤمناً كان كأنما قتله)، ومما يذكر في هذا المقام أن الإمام المودودي نفسه لما بلغته تلك الشائعات عن جنوح فكره إلى التكفير، كتب يرد هذه الشبهة ويدحضها وينفيها عن نفسه..

في 28 آب (أغسطس) 1947 قامت دولة باكستان.. وشعر المسلمون الذين عانوا من اضطهاد الهندوس والإنكليز أن أحلامهم قد تحققت.. وأنهم سيحققون حلم إقبال بإقامة الدولة الإسلامية في باكستان.. ولكن حزب الرابطة الإسلامية التي نادت بالاستقلال، هي من ينادي اليوم أن تحكم باكستان بالقوانين الغربية العلمانية!

·    وهو رجل الحركة الذي أسس الجماعة الإسلامية التي انتشرت في حياته وبعد مماته في معظم أقطار آسيا، وأصبحت مع حركة الإخوان المسلمين الحركة التي تملأ الدنيا وتعطي الأمل للناس. يقول الإمام وهو يتحدث عن الدعوة: (حينما بدأت دراسة القرآن والأحاديث الشريفة والسيرة النبوية لإمعان النظر والدقة، اتضح لي أن القرآن الكريم هو كتاب بدأت الحركة الإسلامية بنزوله، فكيف لنا إذن أن نكتفي بدراسته دون أن نقوم بإنشاء الحركة الإسلامية، فكان لا بد من أن نبدأ بالحركة التي قد بدأت بنزول هذا القرآن، وإنني ظللت أفكر في هذا الموضوع حتى وفقني الله أن أقوم بتأسيس الجماعة الإسلامية في أغسطس 1941م).

وهكذا انطلق الإمام المودودي في بناء حركته الإسلامية من القرآن الكريم وجعله محوراً لدعوته، وبهذا الكتاب العظيم واكب التحديات المعاصرة وحلّ المعضلات والتعقيدات وسعى للقضاء على العبودية الفكرية للحضارة الغربية وإعادة ثقة الجيل الناشئ المثقف في صلاحية الإسلام لقيادة البشرية.

لقد عبر الإمام المودودي عن إحساسه بأهمية وجود جماعة مؤمنة مجاهدة تكون أداة للتغيير بقوله: إن نظام الاستخلاف في الأرض لا يمكن أن يتغير ويتبدل بمجرد وجود فرد صالح أو أفراد صالحين مشتتين في الدنيا، ولو كانوا في ذات أنفسهم من أولياء الله تعالى، بل ومن أنبيائه ورسله، إن الله تعالى لم يقطع ما قطع من المواعيد لأفراد متفرقين مشتتين، وإنما قطعها لجماعة منسقة متمتعة بحسن الإدارة والنظام، بل إن مما لا مندوحة عنه لهذه الفئة المؤمنة أن تستمر في المكافحة والمناضلة لقوى الكفر والفسق على كل خطوة، من كل حلبة من حلبات الحياة الدنيا، وتثبت ما في نفسها من حب للحق، وكفاءة للاضطلاع بأعباء إمامة الأرض، ببذل التضحيات والمساعي في سبيل إقامة الحق، وذلك شرط لم يُستثن منه حتى الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام، فأنى لأحد اليوم أن يتمنى على ربه أن يستثنه منه.

أما تصور المودودي لمواصفات هذه الجماعة المجاهدة المضحية فقد ذكر منها التدفق والهيمنة التي تكافئ ما تواجهه من تحديات، قال: (لا بد من أن تكون الحركة التي تقوم لإعلاء كلمة الإسلام، وجعل نظامه نظاماً غالباً في الأرض، متدفقة تدفق السيل، كما جاءت إلينا الحضارة الغربية كسيل جارف، واستولت على كل شعبة من شعب حياتنا، فإنه لا يمكن أن تُزحزح الحضارة الغربية عن مكانها وتُنحى عن منصب الغلبة والهيمنة الذي تبوأته إلا بهذا التدفق والهيمنة).

ولما وجه الإمام المودودي نداءه من مجلته (ترجمان القرآن) يدعو المخلصين من مسلمي الهند إلى التجمع لبناء هذه الجماعة الإسلامية قال: (لا بد من وجود جماعة صادقة في دعوتها إلى الله، جماعة تقطع كل صلاتها بكل شيء سوى الله وطريقه، جماعة تتحمل السجن والتعذيب، والمصادرة، وتلفيق الاتهامات وحياكة الأكاذيب، وتقوى على الجوع والعطش والحرمان والتشريد، وربما القتل والإعدام، جماعة تبذل الأرواح رخيصة، وتتنازل عن الأموال بالرضا والخيار، وتقدم كل ما تملك قرباناً في سبيل إقامة مجتمع الإسلام ونظامه)؟؟

وقال بعدما انتخب أميراً للجماعة الإسلامية بعد تأسيسها سنة 1360هـ - 1941م (إن هذه الحركة هي هدف حياتي الأساسي، حياتي ومماتي وقف على هذا الهدف النبيل، وعلى كل حال فقد وضعت نفسي على بداية الطريق، وسوف أهب الروح في سبيل الوصول إلى النهاية، سوف أسير قدماً، حتى لو لم يتقدم معي أحد، وسوف أسير وحيداً إذا لم يرافقني أحد، ولو اتحدت الدنيا أجمع وخالفتني فلن أتورع، ولن أخشى خوض المعركة وحيداً منفرداً).

ويوم حكموا عليه بالإعدام قال: (أيها السادة الأعزاء: إن ما ذكرتموه عن سجني لم يكن شيئاً غير متوقع، فالحق منذ وضعت أول قدم لي على هذا الطريق قبل اثنين وعشرين عاماً وأنا أعرف مراحل الابتلاء والامتحان التي سوف نمر بها ونحن نسير على هذا الطريق، والتاريخ يحكي لنا أن هذا  هو ما يحدث عادة، وما سوف يحدث مستقبلاً). وكان رحمه الله شامخاً شموخ الإيمان لما حاولوا ذات مرة اغتياله، وأطلقوا النار على المنصة وهو واقف يخطب في الناس، فنصحه أحد إخوانه بالجلوس كيلا يصيبه الرصاص فقال المودودي في استعلاء المؤمن: (ومن يقف إن جلست أنا)؟!

مفهوم الدعوة عند الإمام المودودي

الإسلام في دعوة الإمام المودودي هو:

·    ثورة ضد الجمود والتخلف.. يتناول حياة المسلم الخاصة ويقومها.. ويتناول حياته في بيته فيقيمها ويزكيها.. ويتناول دوره في إقامة المجتمع الإسلامي الذي يقيم الحق والعدل ويتمتع في ظله جميع الناس بالحرية والكرامة.

يقول الإمام المودودي : إن رسالتي إلى المسلمين هي أن يفهموا تلك المسؤوليات ويطلعوا بها. فما هي هذه المسؤوليات؟

ليس فقط الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر..

وليست هي فقط أن تقيم الصلاة وتصوم رمضان وتؤدي الشعائر..

وليست هي أيضاً أن تقيم أصول الإسلام فيما يتعلق بالزواج والطلاق والميراث..

بل هناك فوق كل هذا مسؤولية ضخمة ملقاة على عاتقك، وهي أن تقف شاهد حق أمام الدنيا كلها )وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً(. وقال تعالى: )ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله(.

والشهادة المطلوبة من المسلم.. قولية وعملية..

أما الشهادة القولية فهي أن يقوم المسلمون بإيضاح الحق واستعمال كافة الوسائل من أجل تثبيت هذا الحق في القلوب.

وأما الشهادة العملية فهي أن نطبق عملياً في حياتنا الأصول التي أمرنا الحق بها.. فلن توافقنا الدنيا على الحق لو ذكرناه بألسنتنا.. بل يريدون أن يروا محاسن وبركات هذا الحق داخل حياتنا.. يريدون أن يروا هذا بأعينهم، يريدون أن يتذوقوا حلاوة الإيمان التي تظهر في سلوكنا الأخلاقي.. يريدون أن يروا كيف أن هداية الدين خلقت إنساناً طيباً.. وأقامت مجتمعاً صالحاً.. وحضارة طاهرة شفافة وشريفة. وكيف أنها طورت العلوم والآداب والفنون على خطوط صحيحة سليمة.. وكيف ظهر التعاون الاقتصادي بين الناس.. وكيف سمت الحياة الاجتماعية.

·        والإسلام نظام شامل يتناول مظاهر الحياة جميعاً.

·    والإسلام حركة واقعية، يلتزم بموجبها المسلم بالأخلاق الإسلامية، ويقيم تصوره وفق تعاليم الإسلام، ويبني حياته بالتربية الإسلامية.

·    أما التغيير كما يراه المودودي.. فهو القائم على إصلاح الفرد وإصلاح المجتمع، يقول في ذلك: (إن التغيير تنعكس صورته على الطريقة التي أتت به. فالثورة التي تنتج عن عنف البنادق والمدافع لا تستمر طويلاً. ولا تجد محبتها طريقاً إلى قلوب الناس. ولا يقوم الناس بحمايتها، بينما الثورة التي تنتج عن التغيير في الرأي والشعور، هذه الثورة تحمل أسساً ودعائم لا يعتريها أبداً خلل أو نقص، ويكفيها حماية قلوب الأفراد وعقولهم وضمائرهم الحية).

حياة الإمام المودودي

ولد الإمام المودودي في 25 أيلول (سبتمبر) عام 1903 في (أورنك آباد) بمدينة حيدر آباد (الدكن) في الهند، وكان متميزاً في كل أعماله..

·    ففي المدرسة كان متميزاً فقد التحق بالصف الثامن وعمره لا يتجاوز الحادية عشرة.. وكان وهو في هذه السن المبكرة يكتب المقالات ويلقي الخطب مما لفت إليه نظر أساتذته وزملائه.

·    وعندما أصبح عمره خمس عشرة سنة التحق بالعمل كمحرر في جريدة تصدر في مدينة بجنور، وعندما عطلت السلطات الحاكمة هذه الجريدة تحوّل للعمل مع جمعية إعانة وغوث المسلمين.

·    وفي السادسة عشرة من عمره التحق بحركة إحياء الخلافة، ثم عمل مع أسرة تحرير مجلة التاج الأسبوعية التي كانت تصدر في جبلبور.

·    وفي التاسعة عشرة من عمره أصبح المحرر الأول في جريدة التاج التي تحوّلت إلى يومية.. وتميزت مقالاته في هذه الفترة بالقوة السياسية، فقد كان يدافع عن فكرة إحياء الخلافة.. وكانت هذه المقالات سبباً في تعطيل الجريدة وتقديم مدير تحريرها للمحاكمة.

·        ثم انتقل إلى دلهي ليشترك مع مدير جمعية علماء الهند في إصدار جريدة المسلم التي لم يلبث أن أصبح مديراً لتحريرها.

·    وبعد إغلاق جريدة المسلم عمل مع الشيخ أحمد سعيد في دلهي على إصدار جريدة باسم علماء الهند، وبقي المودودي وحده يتحمل عبء إصدار هذه الجريدة منذ تأسيسها عام 1343هـ وحتى عام 1347هـ.

·    ومنذ عام 1351هـ استأثرت مجلة ترجمان القرآن باهتمام الإمام وجهده، ولقد جعل شعارها: أيها المسلمون احملوا القرآن وانهضوا وحلقوا فوق العالم.

لقد كان الإمام المودودي يناضل ويكتب ويخطب وينافح عن حقوق أمته، ويؤلف الكتب، كل ذلك ولم يتجاوز عمره العشرين سنة.

كان المودودي أديباً ساحر البيان.. حتى أن الكثير من عباراته أصبحت مع الزمن أمثالاً على ألسنة الناس..

ولقد أضفى بيانه وأدبه قيمة كبرى على مؤلفاته.. التي انتشرت في داخل الهند وخارجها.. وترجم بعضها لعدد كبير من اللغات. ولقد قمنا من خلال الاتحاد الإسلامي العالمي للمنظمات الطلابية بترجمة عدد من كتبه لأكثر من خمسين لغة.

بين الإخوان والجماعة الإسلامية

وفي رسالة بعث بها الأستاذ سيف الإسلام حسن البنا إلى المؤتمر قال:

·    إننا نكنّ كل تقدير واحترام لفكر وعمل الإمام المودودي الذي نعتبره نبراساً للقادة الإسلاميين في كل دول العالم، وحرص الحركة الإسلامية على الاحتفال بزعمائها ورموزها المجاهدين له معنى عميق، فليس الهدف منه تعظيم هؤلاء الأفراد أو تقديسهم، ولكن لأخذ القدوة والأسوة من هؤلاء القادة، فإحياء هذه القدوة بنية أن يكون هذا الاحتفال دافعاً للعمل أمر في غاية الأهمية.

·    وقال الأستاذ سيف الإسلام حسن البنا أنه شخصيا كان متابعاً ومتعلقاً فكرياً بأعمال الإمام (أبو الأعلى المودودي) منذ فترة طويلة، فبعد استشهاد الإمام حسن البنا في عام 1949، وصدور قرار بحل جماعة الإخوان المسلمين، وإيداع جميع أعضائها في السجون، ومنع الاحتفال بذكرى البنا، كانت الجماعة الإسلامية بباكستان بقيادة الإمام (أبو الأعلى المودودي) هي الوحيدة التي تقوم بهذا الاحتفال في 12 فبراير من كل عام، في ذكرى استشهاد الإمام حسن البنا، وهذا العمل لا ننساه للإمام (أبو الأعلى المودودي).

·    وفي عام 1968م زار الأستاذ المودودي القاهرة، وكنت في مقدمة مستقبليه، وسعدت بصحبته أياماً في سيناء، نظمت له رحلة إلى هناك لزيارة الأماكن المقدسة في طور سيناء، ومما يذكر أنه رفض زيارة الأهرامات وآثار الفراعنة، وفي نهاية الزيارة أهديته نسخة من كتاب (الفتح الرباني) لجدي، وبعد أن عاد إلى باكستان أرسل لي خطاباً مؤثراً يشكرني فيه على استضافته في القاهرة.

·    وعندما توفي الإمام المودودي طلبت من الأستاذ عمر التلمساني – المرشد العام للإخوان المسلمين في ذلك الوقت- أن أقوم بالسفر إلى باكستان لأداء واجب العزاء، وفعلاً وافق الأستاذ عمر، ورافقني في الزيارة الأستاذ كمال السنانيري (رحمه الله).

·    أما الجماعة الإسلامية بباكستان، وزعيمها القاضي حسين أحمد، فلنا معه علاقات وطيدة، ونلتقي به في مؤتمرات كثيرة في لاهور ولندن واستانبول، كلما سنحت الظروف لمثل هذه اللقاءات.

·    وبمناسبة الاحتفال اليوم بمرور مائة عام على ميلاد الإمام المودودي أرسل من هنا تحياتي إلى جميع المؤتمرين في لاهور، الداعين والمشاركين لإقامتهم هذا المؤتمر، فقد حيل بيني وبينهم بمنعي من السفر من قبل السلطات المصرية، وأدعو الله أن يوفق المجتمعين إلى ما فيه خير الإسلام والمسلمين.

·    وذكر الأستاذ سيف الإسلام البنا أن الإمام (أبو الأعلى المودودي) قال في أستاذنا الإمام البنا إن الزعماء ثلاثة، زعيم صنع نفسه، وزعيم صنعته الأحداث والظروف، وزعيم صنعه الله – سبحانه وتعالى – على عينه، ليؤدي رسالته، ويبلغ ويتابع رسالة الأنبياء والرسل – صلوات الله عليهم.

والإمام المودودي أحد هؤلاء الذين اصطفاهم الله ليهتف بالدعوة إلى الله في باكستان، ويحيي الدعوة الإسلامية وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا البلد، وقد أبلى بلاء حسناً من الناحية الفكرية والعلمية، فكان رجلا مفكراً وعملياً تطبيقياً بنظرة شاملة، وكوّن الجماعة الإسلامية لتطبيق الإسلام تطبيقاً عملياً، وهو يعلن أن التربية الفعلية هي السبيل للنهوض بالشعوب الإسلامية.

·    وأضاف سيف الإسلام أن الجماعة الإسلامية الآن بقيادة القاضي حسين أحمد ما زالت تسير على درب المودودي، ولا تنحرف عنه، وتتمسك بعقائدها ومبادئها تمسكاً شديداً، ولها مواقف مشرفة في الأزمات الدولية.

·    كما ذكر أن صوت القاضي حسين يرتفع ويعلو براية الحق في كل المحافل الدولية صراحة وقوة، والعالم كله يتطلع إلى  الجماعة الإسلامية في باكستان، لأنها في دولة تعد من أقوى البلاد الإسلامية، والجماعة الإسلامية لها تأثير كبير داخل المجتمع، ونحن نحيي جهود الجماعة ومواقفها المشرفة في مختلف القضايا، ونتابع –باهتمام شديد – تصريحات القاضي حسين أحمد أمير الجماعة الإسلامية – عبر الفضائيات.

أوضاع وهموم الأمة الإسلامية

ولقد كان المؤتمر الذي حضرته ثلة من قادة العمل الإسلامي من أنحاء العالم من (بنغلادش ونيبال والأردن والكويت ولبنان وإيران والسودان وفلسطين والمغرب.. فرصة لبحث أوضاع وهموم الأمة الإسلامية.. والتحديات التي تواجهها، والعمل على التصدي لهذه التحديات.

وفي كلمة أمير الجماعة القاضي حسين أحمد وهو يخاطب المؤتمر قال: (نريد استغلال هذه المناسبة للتعريف برسالة الإمام المودودي للأمة الإسلامية، والتي دعا فيها إلى التمسك بالأساسيات وبالطريق الذي يمكن للأمة الإسلامية من خلاله أن تحل مشاكلها).

كما حرصت الجماعة الإسلامية على إظهار مدى قوتها ونجاحها في الحياة العملية من خلال هذا المؤتمر، الذي تميز بحضوره الكثيف، حيث شاركت فيه كل شرائح المجتمع الباكستاني.ولقد أصدر المؤتمر في ختام لقاءاته عدة توصيات وقرارات بشأن الحملة الأمريكية والغربية على الإسلام والمسلمين تحت ذريعة ما يسمى بـالحرب على الإرهاب.