الأم على لسان الأدباء و الشعراء

الأم على لسان الأدباء والشعراء.. الماغوط: أمي أذهلت الجواهري.. وقال فيها شعراً.. درويش: أحن إلى خبز أمي
 

فواز دحروج

إذا كنت في هذا العيد لا أملك ثمن هدية لأقدّمها لأمي، سأكتفي بترديد المثل الألماني: «قلب الأم لا يشيخ ولايعجز ولا يشيب» وأقول لأمي: أنت كنزي الحقيقي: كلمات حميمة كثيرة قيلت عن الأم على لسان عدد من الشعراء والأدباء.. فماذا قال محمد الماغوط ومحمود درويش، ورياض صالح الحسين، نزار قباني، أنيسة عبود ماذا قال هؤلاء المبدعون لأمهاتهن.
 

كانت البداية مع الشاعر محمد الماغوط: ‏
كانت أمي امرأة شاعرية ‏
يُسأَل الشاعر محمد الماغوط في إحدى المقابلات الصحفية عن أمه فيجيب: والدتي كانت امرأة قوية وصلبة.. علمتها الحياة أن تعتمد على نفسها في تربية أبنائها، ولقد أصيبت ركبتها وهي في الثامنة عشرة من عمرها، وعلى أثر ذلك، لم تعد تستطيع طيّها إطلاقاً، وكانت كثيرة الحركة، وأذكر أنها زارتني في أيامها الأخيرة، هنا في دمشق، وكان عمرها يتجاوز الثمانين؛ لكن شعرها ظلّ يصل إلى أسفل ظهرها، وكان الجواهري في زيارتي، وقد أصيب بالذهول من حديثها وفهمها للحياة، حتى أنه كتب خمسة أبيات فيها، لكنني أضعت هذه الأبيات ولا أعلم شيئاً عن مصيرها. ‏
أمي كانت امرأة جميلة وشاعرية في طبعها، وتحب الزهور، لكن حنانها وحبّها لنا، لم يمنعها من أن تكون صارمة، حين يتطلب الأمر. أمي أعطتني الحس الساخر، الصدق والسذاجة، رؤية العالم كحلم قابل للتحقق.تصور، حين سجنت لأول مرة في «سجن المزة» جاءت من سلمية للبحث عني والاطمئنان على حياتي، وهي لم تزر دمشق من قبل، ركبت البوسطة وجاءت إلى دمشق. ‏

أحن إلى خبز أمي
الشاعر محمود درويش يقول في حوار أجرته معه لور أدلير للتلفزيون الفرنسي:
«وعندما كنت في السجن زارتني أمي وهي تحمل الفواكه والقهوة، ولا أنسى حزنها عندما صادر السجان إبريق القهوة وسكبه على الأرض، ولا أنسى دموعها. لذلك كتبت لها اعترافاً شخصياً في زنزانتي، على علبة سجائر، أقول فيه: أحنّ إلى خبز أمي/
وقهوة أمي/ ولمسة أمي/ وتكبر فيّ الطفولة/ يوماً على صدر أمي/ وأعشق عمري لأني/ إذا متّ/ أخجل من دمع أمي/.. وكنت أظن أن هذا اعتذار شخصي من طفل إلى أمه، ولم أعرف أن هذا الكلام سيتحول إلى أغنية يغنيها ملايين الأطفال العرب». ‏

أنا هنا يا أمي ‏

الشاعر الراحل رياض الصالح الحسين يقول في قصيدته أيام: ‏

ماما
أمازلت تحتفظين ببارودة جدّي القديمة ‏
بين بيت المؤونة وزريبة الحيوانات؟ ‏
أما زلت تسرحين شعرك بأصابعك النحيلة ‏
وتخبزين لأخوتي فطائر الحكمة؟ ‏
أنا هنا يا أمي ‏
أحتسي فلسطين صباحاً مع فنجان القهوة ‏
وأطرد عن جسدها البعوض والأكاذيب ‏
أذهب معها إلى المدرسة. ‏
ونقرأ معاً الصحف في المقهى ‏
وحينما أكون حزيناً ‏
تجلس بجانبي وتعدني بأشجار البرتقال ‏
ماما.. ‏
امسحي دموعك بمنديل الجبل ‏
و نظفي بارودة جدي بخرقة الأيام ‏
فبعد فترة سأعود إليك ‏
وفي حقيبتي: ‏
زجاجة عطر ‏
وقليل من الرصاص. ‏
أمي تجيد الحزن ‏

الأديبة أنيسة عبود تصف أمها بقولها: أمي تجيد الغناء وهي تخضّ اللبن، وتجيد الحزن وهي تودع السنوات الهاربة من عينيها، وتجيد أمي أيضاً ربط منديلها الأبيض على رأسها وربط حزامها الحريري الذي قد تستخدمه أحياناً لخنق الحيوانات المفترسة في غابة الله الواسعة. ‏
في عينيها بقيت طفلاً صغيراً ‏
نزار قبّاني يصف أمه: أميّ كانت ينبوع عاطفة يعطي بغير حساب كانت تعتبرني ولدها المفضل، وتخصي دون سائر إخوتي بالطيبات وتلبي مطالبي الطفولية بلا شكوى ولا تذمر. ‏ولقد كبرت. وظللت في عينيها دائماً طفلها الضعيف القاصر، ظلت ترضعني حتى سن السابعة تطعمني بيدها حتى الثالثة عشرة، وسافرت بعد ذلك الى جميع قارات الدنيا
وظلت مشغولة البال على طعامي وشرابي ونظافة سريري، وتتساءل كلما جلست الأسرة على مائدة الطعام في دمشق: ترى هل يجد «الولد» في بلاد الغربة من يطعمه؟ والولد هو أنا بالطبع. ‏
ويا طالما طارت طرود الأطعمة الدمشقية الى السفارات التي كنتُ أعمل بها، لأن أمي لم تكن تصدّق أن هناك شيئاً يؤكل خارج مدينة دمشق. ‏
أما على الصعيد الفكري فلم يكن بيني وبين أمي نقاط التقاء فلقد كانت مشغولة في عبادتها، وصومها، وسجادة صلاتها، تسعى إلى المقابر في المواسم وتقدم النذور للأولياء وتطبخ الحبوب في عاشوراء ، وتمتنع عن زيارة المرضى يوم الأربعاء، وعن الغسيل يوم الاثنين، وتنهانا عن قص أظافرنا إذا هبط الليل. ‏ولا تسكب الماء المغلي في البالوعة خوفاً من الشياطين وتعلق أحجار الفيروز الأزرق في رقبة كل واحد منّا خوفاً علينا من عيون الحاسدين. ‏
بين تفكير أبي الثائر، وتفكير أمي السلفي نشأت أنا على أرض من النار والماء. ‏

كانت أمي ماءً وأبي ناراً، وكنت بطبيعتي، بتركيبي، أفضل نار أبي على ماء أمي. ‏