الراحلان في شهر آذار

محمد الحسناوي توفي في  4/3/2007

د. كمال رشيد توفي في 29/3/2008

محمد الحسناوي رحمه الله

د. كمال رشيد رحمه الله

اليوم  ودعنا  أخا  وحبيبا        وغدا  يودعنا  أخٌ وحبيب

ولربما نمضي بغير مودع        فالوقت ليل والمكان جديب

  د. كمال رشيد

القدس في العيون ص 69

الكلمة التي ألقاها د. كمال رشيد مرتجلا  في بيت عزاء الأديب المرحوم محمد الحسناوي وكانت في الشهر الثالث من عام 2007وارتحل الشاعر كمال رشيد في الشهر الثالث  من العام الذي تلاه ( 2008)

كلمات قليلات نستذكر بها فضل الأخ المرحوم (محمد الحسناوي)، و مظاهر الحياة التي كثيراً ما تسلب الإنسان لبه أو تسلبه أجره في ما يعمل ، لو صحت كلمة التجرد لله في هذا المقام ، ولا نزكي على الله أحدا ، وإنما نذكر ما نعلم ، فلربما كان المرحوم من أهل الله ، ومن أهل التجرد والصمت والعمل الخالص الذي ينساب انسياباً دون انتظار لثناء أو تسويق أو مدح من أحد .

لقاءاتي به كانت قليلة وكانت معظمها في رابطة الأدب الإسلامي كما أشار الأخ أبو عبد الله ، وكثيراً ما كان المرحوم يكون محدثا وكثيراً ما كان يكون مستمعاًَ وقد نجح وأفلح إن شاء الله في الثنتين : في الاستماع وفي الكلام ، وقياساً على حديث الرسول - صلى الله عليه وسلم-إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاثة منها : و علم ينتفع به .

وأحب أن أشير هنا إلى كتابه العزيز النافع الممتع الذي وضع بصماته فيه وهو (الفاصلة في القرآن الكريم) ، وهو كتاب متخصص وقد أضاف فيه إضافات وجاء بما هو جديد ، وإن كان الكتاب للخاصة ، وليس للعامة ، لأهل الاختصاص ، رسالتي في الدكتوراه كانت في الترادف في القرآن الكريم والموضوع والعنوان يتصل بالفاصلة القرآنية اتصالا وثيقا، وقد أفدت من هذا الكتاب، وكان يلازمني في مكتبتي طيلة أيام البحث والسنوات الفضل يُرد إلى أهل الفضل وهو في هذا كان مصدرا من المصادر، ومرجعا من المراجع والحمد لله.

كان يتسم بالوقار والتواضع والصمت والسمت " سمت المسلم " وفي إحدى محاضراته عن هذا الكتاب أوفي هذا الكتاب (الفاصلة في القرآن الكريم) تحدث كلاماً جميلا طيباً نافعاً ماتعاًَ وقد ناقشته بعد المحاضرة، واقترحت عليه اقتراحاً متواضعاً، وهو من السابقين في هذا الموضوع فتقبل مني تلك الملاحظة لأنه عالم والعالم لا يخجل ولا شيء يمنعه من أخذ النصح والإفادة أيا كان مصدره وهذه زادته فضلا وكرما

تجمعنا الكلمة الطيبة وخدمة الأدب الإسلامي أما جهاده وأطوار حياته وما لقي في سبيل الله من عنت ومشقة وضيق وأذى من الظالمين فهذا أمره يعلمه الله أولا ويعلمه إخوانه الملتصقون به  ثانيا، ونسأل الله أن يكون له الأجر والمثوبة في كل ما قال وكل ما عمل.

ثم أردف لأتحدث عن حادث الموت وموضوع الموت الذي يحوله المسلمون من عزاء وهبوط وانحدار وانهيار وضياع يحولونه إلى الجد والعمل والعبرة والموعظة

مثل هذا المجلس مجلس العزاء لا يتأتى في مجتمع غير إسلامي فهو مجلس عبره أو مجلس موضوع اجتماعي فيه ما ينفع الناس يلتقي الناس يتعارفون ويتحدثون وتصبح مادة الموت مادة للحياة وليست للموت والتباكي والحيرة.

ومن لم يزجره أو لم يعقله حادث الموت فبماذا يزدجر وبماذا يعتبر والرسول - صلى الله عليه وسلم- يقول : كفى بالموت واعظا فمن لم يتعظ بالموت فبمن سيتعظ ؟

وكأن الموت يقول للناس تعالوا نتفاهم، لنقول لكم: إن الأمر كله بيد الله في المنشط والمكره في الخير والشر إذا كان استكبار الناس بصحة وقوة ، وإذا كان استكبار الناس وغرورهم وعتوهم وانصرافهم عن الحق بالمال أو الولد أو الجاه أو السلطان فإن الموت يقول للناس : كل هذا لا يساوي شيئا وكل هذا محدود وكل هذا يحكمه الزمان والمكان والفناء والانتهاء ، يموت القوي ويموت الغني ويموت الملوك والرؤساء والحكام ، ويموت كل من أراد الله له أن يموت ، وعندما تأتي ساعة الموت فلا مال ينفع، ولا ولد ينفع، ولا أهل ينفعون، ولا جاه ولا سلطان، ولا شيء ينفع ،إلا مكنون النفس ، وما ادخرت هذه النفس من فضل وخير وأجر وعمل طيب .

والفائز حقا هو الذي يفوز بمرضاة الله ، أما أصحاب الأرصدة والأموال فقد ماتوا ، أما أصحاب العضلات و العنجهية فقد ماتوا ، أما أصحاب المال والولد فقد ماتوا ، لا يبقى إلا الذي عمله الإنسان بنفسه ، أما ما اكتسبه من دنياه فإنه باق في هذه الدنيا ، ومن أعجبه هذا الحكم فله ذلك وهو من الفائزين المعتبرين ، ومن كابر فعليه وزره وعليه إثمه ، وهو الذي سيلقى الله ليسأل في الثنتين: الصحة من أين اكتسبها وكيف أفناها؟،المال من أين اكتسبه وكيف صرفه؟ ، البنون كيف رباهم وكيف نشأهم وكيف تعامل معهم؟ ، المنصب والجاه كيف جاء وكيف انتهى وكيف تصرف به؟ وهل استغله لخير أم لشر؟ .

يبقى السؤال ويبقى الجواب ، أما المادة نفسها فإنها تفنى ، كل ما ترونه هو مادة ، وهو مكتسب وهو إلى الزوال ، نحن - المسلمين - يجب أن نفهم ونعلم أن رأس الحكمة مخافة الله سبحانه وتعالى ، وما عدا ذلك لا ضامن له ولا ثبات له و لا بقاء له لأنه كالعارية المستردة .

ومن آتاه الله سبحانه الرشد والحكمة والبصيرة فقد استغل ماله للخير ، وقد استغل وقته للخير ، وقد استغل صحته وجاهه وعلمه فيما ينفع الناس ، هذا شأن المسلم كالنحلة التي تصنع العسل وتعطي الناس ما ينفعهم ، وما هو شفاء لهم.

والمسلم هو الذي يسير على سكة الحديد الصحيح يسير على السكة ، وغير المسلم هو الذي يترنح يمنة ويسرة ، ويسير على الرصيف أو يسير على التراب ، وهذا هو المُعرض للضربات والصدمات ، إن الذي يسلم هو الذي يلتزم بمنهج الإسلام الذي يبصر والذي يعلم ، كل آلة تُصنع، وكل سيارة وكل جهاز يصنع يرافقه( كتالوج) أو جهاز أو كتاب يبين طريقة التركيب وطريقة الاستعمال، حتى يسلم الإنسان،  ولا يقطع يده أو إصبعه أو الخ

فمن ركب رأسه وركب الجهاز بالطريقة التي يراها ، فإنه يضر نفسه أو أنه يفشل في استعمال هذه الآلة أو الماكنة الاستعمال الصحيح .

ومن استبصر و استرشد فإنه ينظر في(الكتالوج) أو في دليل الاستعمال والتركيب ويهتدي ويعيش على بصيرة ويفيد من آلته  ، آلة الإنسان جسمه بما فيه من جسد وعقل ونفس و روح وحواس ، وهذه يجب أن تكون مُسخرة في طاعة الله ،ولكن يمكن أن تكون في معصية الله ، ولذلك" إنا هديناه النجدين إما شاكرا وإما كفورا" ،  كل عضو في جسم الإنسان هو هدية من الله ،  وهو قابل أن يكون أداة خير ونفع وأجر ومثوبة ينفع صاحبه وينفع من حوله ، ويمكن أن يكون أداة شر وضرر وتدمير ، فاختر أيها الإنسان أو أيها المسلم كيف تتعامل مع هذا الجسد ، مع هذه الحواس، مع هذه الروح ، مع هذا العقل ، مع هذه المشاعر؛ لتسلم وتعيش حياتك الخمسين أو الستين أو السبعين ، وأنت على هدى وبصيرة راضيا مرضيا من رب العالمين  .

أسأل الله للمرحوم حسن الجزاء وأن يكتبه الله في الصالحين ، وأن يسكنه فسيح جنانه ، وأن يعوض أهله الصبر والسلوان ، وأهله ليسوا أهل بيته فحسب ، وليسوا إخوتنا السوريين فحسب ، فالمصاب واحد، وهو ابن الأمة العربية الإسلامية ، وإنه من سوء الطالع وسوء أحوال هذه الأمة وترديها أن يموت الإنسان في غير وطنه ، وفي غير أهله ، من غير حملة ولا معركة ولا جهاد إلا الجهاد الذي تعرفونه جهاد الكلمة ورفع راية الإسلام.

كل الصحابة توزعوا في الأرض واستشهدوا وهذا من طبائع الأشياء، إنما مع التردي والانهيار والضعف والهزيمة ، يموت السوري، والفلسطيني ، والعراقي في غير وطنه ،وفي غير أهله ، وفي غير ساحة قتال، ولكنه يحتسب أنه مهاجر في سبيل الله، ونسأل الله ونحسب أن أخانا المرحوم كان واحدا من هؤلاء.