وداعا.. تيسير

م. زياد صيدم

[email protected]

عندما عرفني عليك احد الأصدقاء كزميل لنا في العمل .. كان قد أشار إليك بالعائد من غربة قصريه مع العائدين من تونس إلى غزة ضمن قوات منظمة التحرير الفلسطينية.. وفى يوم لم يفصله زمن بعيد.. كان في مكتبي بطلته الباسمة المعهودة .. سلم فجلس وفى عينيه شيئي ما ! ..طلب فنجان قهوته بغير سكر .. مما أراحني فعلا فقهوتي هي الأخرى كذلك .. التفت إلى قائلا : إبراهيم يهديك السلام !.. وهو متواجد في الضفة كضابط في قوات حرس الرئيس .. تحركت أنامل يداي .. وانكمشت شفتاي للخارج .. مفصحتان عن استغراب شديد فمن يكون إبراهيم سألته بحيرة  من أمري .. أجابني : إنه أخي .. قلت مستغربا وهل يعرفني ؟.. فلا بد وان هناك لبسا في الأمر قد وقع بلا شك ..تحولت ابتسامته إلى ضحكات رقيقة قائلا : كيف ! إبراهيم نابولي يا رجل يهديك السلام ...

  ما أن نطق باسم الشهرة لأخيه .. والذي كنت أنا قد أسميته بذلك بعد أن اختار دراسته في مدينة نابولي  .. وعُرف لاحقا بهذه الكُنية طوال فترة إقامته في ايطاليا.. حتى انتفضت من وراء مكتبي  واقفا .. سرت إليه وقد تفرست سريعا  ملامحه بينما غارت ذاكرتي بعيدا.. فتمثل إبراهيم أمامي بوداعته وخفة روحه.. يا سبحان الله .. إنهما حقا متشابهان .. نعم  لقد مضت أكثر من عشرين عاما  بين لحظتين .. عندما تعرفت على أخيه وكأن الأولى بالأمس القريب..  هكذا بدأت فورا زمالتي معه لأن تصبح صداقة مميزة فيما بعد .. فكان من أروع الأصدقاء.. وأطيبهم قلبا.. وأخفهم روحا.. وأعمقهم فكرا وإدراكا ..وأصدقهم ثباتا على المبدأ السليم ..لا يجامل كذبا .. ولا يعرف نفاقا أو محاباة في الحق .. فكان خير صديق في زمن تلون بكل ألوان الطيف..!

 تيسير لا أخفى على روحك سرا .. باني كنت قد أعجبت بفكرك النير .. وأسلوبك في الإقناع عندما كانت تحتدم الحوارات والنقاشات التي كانت تسود بين زملاء العمل .. فأنت الآن في دار الآخرة عند ربك مع الشهداء ترزقون ..هناك قريبا إلى جوار عرشه بإذن الله .. إلا أنى  أرسل من خلالها .. أسمى معاني الحب والوفاء والاحترام .. فذكراك يا صديقي ستبقى ما بقى عقلي قادرا على تذكر الأشياء الجميلة .. والذكريات العطرة..وما بقى جسدي ينبض بحياة.. حيث لا يدرى متى ولا بأي أرض يموت ..

 لقد علمتنا معاني الصمود والثبات .. بصدور عارية .. وأمعاء خاوية .. إلا من عزيمة بثقل الجبال.. وإصرار الثوار اللذين مضوا على العهد والقسم..

فسلاما.. سلاما إلى روحك الطاهرة يا شهيد .

 ** تيسير  وزوجته وابنه، استشهدوا جميعا في بيت حانون بقذيفة دبابة صهيونية غادرة، لم تراعى مساكن الآمنين العزل، في أقذر حرب صهيونية ،وأبشعها فداحة ووقاحة في تاريخنا المعاصر .

 إلى اللقاء.