رسائل إلى القمر 6

رسائل إلى القمر 6

ياسين سليماني

[email protected]

حزين جدّا يا علاء... افتقادك شعور لا يفارقني طوال الأشهر الماضية... ما زلت أراك في بعض الأحلام مترافقين سعيدين أحيانا، صامتين حزينين مرات أخرى، فأنهض وتعود صور الحلم إلى عيني فأتحسّر على كونه حلما لا حقيقة...

تمنّين أن نكون معا حتّى ولو كنّا حزينين... فوجودك معي يصبّرني على كثير من ذلك...

أتريد أن أحكي لك عن نفسي بعدك ؟ آخر ما حصل ويحصل معي ؟ كان عندي صديق (ثريّ) فكانت لقاءاتنا عاديّة، نلتقي مرّة أو مرّتين في الأسبوع، وكان يتحجّج بأنّه منشغل كثيرا كلّما استفسرت منه عن سبب عدم سؤاله عنّي مثلما أفعل أنا ذلك، وكنت قد دللته على مكان بيتي دون أن أتأكّد من أنّه تعرّف عليه جيّدا، فلمّا التقينا في الأسبوع الماضي وأخبرته بأنّي كنت في قسنطينة من أجل أحد المشاريع الذي دخلته وأرجو من ورائه تحقيق بعض الفائدة، سألني عن المبلغ الذي دفعته من أجل هذا الأمر، وحين علم بأنّه تجاوز العشر ملايين في انتظار زيادة مبلغ قريب من الأوّل أخذني من ذراعي وراح يؤنبني عن عدم إخباره بالأمر، فكيف لي أن أثق في "غرباء" من قسنطينة وأفتح معهم مشروع معيّن، ولا أفعل ذلك مع "صديقي وأخي" الذي أثق به وأعرفه منذ سنوات طويلة... بعد أن حكيت له تفاصيل الأمر طلب منّي توقيف المشروع مع الغرباء وإعادة المال ليشاركني هو بدل الآخرين مشروعا في مدينتي، لا مدينة بعيدة عنّي مع أناس لا أعرفهم.

لم تكن الكلمات ليفاجئني، فأنا كنت أعرف جيّدا أنّه حوت يريد التهام كلّ شيء، ولولا بعض الصفات الطيّبة فيه لما بقيت على علاقة معه...

المفاجأة أنّي في صباح الغد، وقد نهضت متأخرا في حوالي العاشرة، وجلست لأشرب الحليب ومشاهدة التلفزيون سمعت من يناديني في الخارج، وشككت في صاحب الصوت، وحين خرجت دهشت حين وجدته، ولكن زالت الدهشة بعد بضع ثوان حين فهمت أنّه جاء من أجل سؤالي عن المال الذي حدّثته عنه البارحة...

لم يكن ليأتيني لولا أنّي أخبرته بهذا الموضوع...

والحقّ يقال أنّه رغم هذا، إلاّ أنّه كان طيلة هذه السنوات صديقا يحمل من الخير الشيء الكثير، غير أنّه يبدو في أحيان عديدة ماديّ الطباع...

أذكر في هذا المقام، أنّي لم أره طيلة أسبوعين أو نحو ذلك، فلمّا أردت الذهاب إليه فكّرت ي ابتياع علبة شكولاطة من النوع الذي يحبّه، وأخذتها له، قبل أن أعطيها له سألته عن الذي يخطر في باله أنّي أحضرته، قال لي أنّه لا يعرف، وحين أريته العلبة قال لي مستخفا: ظننته مالا...

الحبّ بعدك صديقي العزيز ضاع من كلّ القلوب، وًبحت - حقيقة- أندهش حين أجلس مع أحدهم فأعف أنّ كثيرا من الحبّ يحمله قلبه.

أنا جالس الآن، في غرفتي، أكتب إليك، وقد شغلت المذياع من لحظات، أتعرف إلى ماذا أستمع الآن ؟ "فات اللي فات، واللي فات مات" تصوّر أنّ ذاكرتي في يوم ما يزول منها تذكّرك العزيز ؟ ويموت؟ فهل يبقى في ذاكرتي شخص مثل الذي كنت أحكي لك عنه ؟

أكثر من ثلاثمئة يوم تمرّ على وفاتك، عشرة أشهر كاملة... ولا زلت كلّما أريد الكتابة إليك لا أعرف إلا أن أكتب حزنا... تمنّيت أن أخبرك بأشياء مفرحة، ولكن أيّ فرح يكون حين تكون الحقيقة التي لا تتغيّر: أنّك متّ في العاشر من نوفمبر الماضي ؟

صديقي العزيز، سامحني إن لم أتغيّر إلى الأحسن كما تمنّيت أنت، إنّي أحاول... إنّي أحاول، فربّما أنجح... شكرا عزيزي.