رحم الله أبا جابر
قد لا يعرف البعض أن أبا جابر المعني في مفتتح هذه المقالة هو الصديق العزيز المرحوم الدكتور يوسف زعين والذي وأتته المنية بعد صراع طويل مع المرض في التاسع من شهر يناير 2016 ، في مدينة ستوكهولم عاصمة السويد ، حيث كان يقيم مع زوجته أم جابر وولده جابر وابنتيه المتزوجين والعائشتين مع زوجيهما مع أمهما وأبوهما وأخيهما . لقد كانت أم جابر صيدلانية ، ونقلت مهنتها إلى ابنتها الكبرى كندة، وكتبت على هذه العائلة المناضلة الغربة منذ انقلاب حافظ الأسد على حكومة يوسف زعين على مرحلتين الأولى عام 1969 والثانية عام 1970 حين زجه مع كامل أعضاء القيادتين القومية والقطرية في سجن المزة العسكري عام 1970 فيما سماه حافظ زوراً " الحركة التصحيحية " !! . وآمل أن تسعفني ذاكرتي على ذكر بعض محطات حياة هذا المناضل الجسور التي قدر لي معرفتها ، بالرغم من ابتعادي عن ساحة حركة 23 شباط 1966 في وقت مبكر سابق على حركة حافظ التصحيحية ، وسابق على فترة الصراع المرير بين القيادة السياسية والحزبية لهذه الحركة وبين حافظ الأسد والذي استمر من 1967 وحتى شهر نوفمبر 1970 ( الحركة التصحيحية ) . والذي انتهى بانقلاب حافظ الأسد العسكري والطائفي على شركائه في حركة 23 شباط 1966 ، وزجه لهم في السجن مدة تجاوزت العقدين دون سؤال أو جواب .
1. كنت أعمل عام 1977 في جامعة بغداد أستاذا لمادة علم الإجتماع في كلية التربية بجامعة بغداد ، حيث التقيت هناك مع الصديق عبد الرحمن منيف الذي كان رئيساً لتحرير مجلة " النفط والتنمية " العراقية ، والذي كان صديقاً ليوسف الزعين . لقد وصلتنا يومها من سوريا حيث كان يقبع الدكتور يوسف في سجن المزة العسكري ، مجموعة من التقارير الطبية الموقعة من الأطباء الذين قاموا بفحصه والتي كانت تشير إلى أن الدكتور زعين يعاني من مرض عضال ، وأنه يجب أن يخلى سبيله فوراً لكي يستطيع الذهاب إلى الخارج للمعالجة ، بيد أن المدعو ناجي جميل كان يعلق على هذه التقارير ، وهو ما شاهدته بعيني "يتابع العلاج السابق " . لقد طلب منا ( عبد الرحمن منيف وأنا ) الشخص الذي أرسل إلينا هذه التقارير ( أتحفظ عن ذكر إسمه لأسباب أمنية ) أن نسلمها إلى الرئيس هواري بومدين ، الذي يعرف أن كلا من الأطباء نور الدين الأتاسي ويوسف زعين وإبراهيم ماخوس كانوا يعملون في الجبال مع جيش التحرير الوطني الجزائري الذي كان يقاتل المحتل الفرنسي . أرسلنا التقارير إلى الرئيس بومدين ، وعلمنا أنه سافر على الفور لمقابلة حافظ الأسد والطلب إليه أن يفرج عن يوسف زعين ، بيد أن حافظ قد تذرع بحجج واهية حالت دون الإفراج عن أبي جابر .
2. في النصف الثاني من ثمانينات القرن الماضي كنت أعمل أستاذا لعلم الإجتماع في جامعة صنعاء باليمن حيث عقد المؤتمر القومي العربي في صنعاء ، وكان الدكتور يوسف زعين أحد المدعوين إلى هذا المؤتمر ، وذات يوم ، وقد كنت عنده في غرفته في فندق سبأ ، وصل إلى الغرفة الدكتور أحمد الأصبحي نائب رئيس " حزب المؤتمر الشعبي العام " الذي كان يرأسه أنذاك الرئيس (السابق)علي عبد الله صالح نفسه ، وبعد حديث ودي قصير ، بلّغه الأصبحي تحيات الرئيس ( السابق )علي عبد الله صالح ثم أخرج من جيبه الداخلي مغلفا أبيضاً ، محشوا بالدولارات كهدية للدكتور يوسف من الرئيس . ماأذكره جيدا هنا أن يوسف قال للأصبحي إبق زرفك في جيبك ، وبلغ تحياتي وشكري للرئيس ، فأنا لاآخذ قرشا من أحد . وبعد محاولات يائسة من أحمد الأصبحي أعاد المغلف المحشو بالدولارات إلى جيبه وغادر الغرفة .
وأذكر ( اللهم إلا إذا كنت ناسيا ) أن يوسف قال لي بعد خروج الأصبحي ، أن الملك (الراحل) حسين بدوره قد أرسل له مبلغا كبيرا من المال ، ولكنه رفض استلامه ، وأعاده شاكراً إلى جلالة الملك( الراحل ) حسين . وفيما علمته أيضاً أن المرحوم الملك حسين كان قد حاول نفس المحاولة مع " ابو عبدو " ( الرئيس أمين الحافظ ) ، والذي اعتذر بدوره عن استلام المبلغ وأعاده شاكراً إلى جلالة الملك .
3. في إطار علاقتي الحميمة مع الدكتور يوسف زعين ، اتصل بي هاتفيا من بودابست ليخبرني أن موقع العربية قد نشر بتاريخ 7 / 7 / 2005 تحت عنوان " يوسف زعين يفتح خزانة أسراره بعد صمت 40 عاماً ، بمفاجآت مثيرة تناولت عبد الناصر وحافظ الأسد وهيكل وآخرين " بما يشبه المذكرات ، والتي كانت حسب مافهمت منه عبارة عن " دردشة " مع صحفيين أحدهما مصري والآخر ليبي ( لاأتذكر من جهتي اسميهما ) عام 2005، واتفقت ( والقول لأبي جابر ) معهماعلى ألا ينشرا شيئا قبل أخذ موافقتي ، ولكنهما نشرا ماسمعاه مني دون علمي ودون موافقتي ، وهنا سألته هل فيما نشرته العربية على لسانك صحيح أم مزور ؟ أجابني لقد كان في معظمه صحيحا ، باستثناء مسألة واحدة ( ذكرها لي ) لاأتذكر أنني قلتها أو وردت على لساني . أشرت عليه أن يرسل إلى العربية تصحيحا أو نفيا لما لم يرد على لسانه في تلك " الدردشة " مع ذينك الصحفيين ، حيث من حقه على الصحيفة أن تنشر تصحيحه او نفيه في نفس المكان الذي نشرت فيه المقابلة معه . ولست متأكدا من أنه قد كتب لاحقاً نفيا أو تصحيحا ، أو أنه تجاوز هذا الموضوع الذي بات من الماضي .
4.لقد كان الصديق والرفيق أبو جابر يشكو من مرض عضال ، وكان يقيم وحده ، في بودابست ، بعيدا عن بقية أفراد عائلته المقيمين في ا ستوكهولم ، و الذين يحبونه كما كان يحبهم ، وفي أحد لقاءات المعارضة السورية في استوكهولم ، حيث كنت أحد المشاركين ، رغب إلي ابنه جابر كصديق لوالده ، أن أحاول إقناعه أن يلتحق بعائلته في استوكهولم ، وإن كافة أفراد العائلة سيكونون رهن إشارته فيما لو جاء ليعيش معهم وبينهم . لقد تكلمت معه في هذا الموضوع ، وشاركني في هذه المحاولة صديقان آخران لي وله ، وأخيرا استجاب ابو جابر لرغبة أسرته وأصدقائه ، والتحق بعائلته في استكهوم عام 2012 . حيث توفي ودفن هناك ( حيث كان لايرغب ) يوم السبت المصادف09.01.2016 . رحم الله الصديق والرفيق النظيف والشريف والعفيف المناضل أبا جابر وكندة ورلى ، الدكتور يوسف زعين ، وعزائي بغيابه للجميع ، وإنا لله وإنا إليه راجعون .
وسوم: العدد 651