في رحيل الناقد والباحث النفسي العراقي شوقي يوسف بهنام
وداعٌ ... وأسف
رحل قبل أيام الصديق العزيز الناقد والباحث النفسي العراقي الأستاذ "شوقي يوسف بهنام" بعد عملية جراحية على الفقرات العنقية لم يُكتب لها النجاح في أحد مشافي أربيل كما نقل ذلك موقع عنكاوا.
وأسفي على رحيل العزيز شوقي يوسف بهنام له سببان: الأول هو حياتي حيث رحل وهو في قمّة عطائه وعمره ، والثاني هو أن رحلته النقدية المعطاء كانت قصيرة برغم أنها حافلة بالعطاء وثرة فقد بدأ مسيرته النقدية قبل سنوات قليلة وبصورة مفاجئة وكان أول كتبه المهمة هو "فأرة أدونيس: مقاربات نفسية في الخطاب الشعري" عن المبدع الكبير أدونيس.
كان شوقي إضافة مميزة إلى المسار النقدي العراقي والعربي كما قلت عنه في إحدى مقالاتي عن منجزه النقدي. ففي كل يوم يطلع علينا بدراسة أو مقالة أو كتاب تكتسب أهميتها من أن كاتبها من الإمكانات القليلة جدا في مجال النقد الذي يستخدم أواليات منهج التحليل النفسي في حقل النقد في الثقافة العراقية والعربية. فالنقّاد الذين يستخدمون هذا المنهج في العراق والوطن العربي هم أقل من عدد أصابع اليد الواحدة. وحين قلت : (في حقل النقد في الثقافة) عموما، فلأن شوقي لم يقصر جهده على الجانب الأدبي والفني ، بل تعدّاه إلى حقول معرفية أخرى مثل الموروث الديني والشعبي ناهيك عن نشاطه العلمي كمتخصص بعلم النفس أصلا.
لقد أنجز شوقي أكثر من عشرين بحثا في مجال علم النفس كان بعضها مهما جدا في تسليط الأضواء الكاشفة على جوانب من شخصية الفرد العراقي في مدينة الموصل خصوصا في مكونها اللاشعوري.
كما نشر أكثر من ستّين مقالة ودراسة في التحليل النفسي للفكر والأدب تناول فيها رموزا فكرية وإبداعية عراقية وعربية مهمة.
وقد سرتُ مع شوقي في مشروعه النقدي خطوة خطوة حيث نشر أولى مقالاته في مجال التحليل النفسي للأدب في موقع الناقد العراقي الذي أتشرّف بالإشراف عليه منذ 12 آذار 2009 وحتى الوقت الحاضر بصورة يومية. بدأ شوقي أوّلاً بنشر دراستين طويلتين بصورة حلقات عن الشاعر الراحل حسين مردان. وكان آخر ما نشره هو الحلقتين 19 و 20 من سلسلة مقالاته عن الشاعرة الأإريقية "سافو" (11/12/2016). وكان بفعل أخلاقه الشخصية العالية وتواضعه العلمي يستشيرني في بعض الموضوعات النقدية والعلمية.
وفي واحدة من رسائلنا المتبادلة الأخيرة ؛ شوقي وأنا ، وصفت شوقي - نصّاً - بأنه "بطل" ، وأنا أصرّ على هذا الوصف بالرغم من محاولاته النابعة من تواضعه للتقليل من جهده ومن طبيعة عمله المعرفي البطولية . نعم أيّها السادة .. شوقي يوسف بهنام بطل ثقافي وإنساني . لقد طُرد هو وعائلته العراقية المسيحية من مسكنه ومدينته الأم الموصل ، وانتقل إلى بيت آخر في مدينة خارج الموصل ، وشاركته العيش في هذا البيت العديد من العوائل العراقية المسيحية المُهجّرة المظلومة ، ليقرأ ويكتب ويُبدع بغزارة وفرادة وسط محيط خانق ، قلق ، ومرعوب ، لا تتوفّر فيه أبسط شروط الكتابة، كان شوقي يكتب مصرّاً على الحياة مقاوماً الموت والعنف والإرهاب وتجزئة وطنه العراق . فتحية له في موقفه البطولي هذا (نشرت هذه المعلومة في مقالتي : "أوراق حسين مردان السرّية": خطوة جديدة مباركة في مشروع الناقد شوقي يوسف بهنام التي نُشرت في مواقع مختلفة – 9 آب 2014).
خلال رحلته النقدية القصيرة أصدر شوقي يوسف بهنام أكثر من عشرة كتب منها : #فأرة أدونيس : مقاربات نفسية في الخطاب الشعري.
#الشافعي بوصفه رائدا للتحليل النفسي.
#بلند الحيدري وتعشّق الظلمة .
#لميعة عباس عمارة وهموم الضياع .
#من اوراق حسين مردان السرية دار تموز للنشر دمشق.
#احمد دحبور وسعادات البشارة دار تموز للنشر دمشق .
#من اغاني غجري لا يجيد الرقص : رؤية نفسية للمنجز الشعري للاب باسيل -
عكوله.
#معين بسيسو والغضب المقدس.
#احمد عبد المعطي حجازي واحزان البهلوان دار تموز دمشق .
وقد قطع شوقي في كتابه الأخير عن أحمد عبد المعطي حجازي، الذي كتبتُ مقدمة له بطلب منه ، شوطا مهما على طريق نضج أدواته النقدية منهجا وأسلوبا.
ألوم نفسي دائما على الفرص المُضيّعة حين أقوم بتأجيل لقاء مع صديق عزيز يلح على لقائنا، وحين أفكر في الاستجابة لطلبه تخطفه يد المثكل. وآخر واحد من خلّاني وأصحابي الذين اختطفهم المُثكل بُعيد اللحظة التي قرّرت فيها السفر إليه لقضاء أمسيات أخوية معه هو شوقي. أرسل لي رسالة في 29 آب 2016 يلومني فيها على عدم زيارته وأنه قضى ليلة عراقية مع صديقين من أصدقائه . قال شوقي :
(وقد ذكرناكم بالطيب قبل يومين في جلسة رائعة من تاريخنا الممزق في بيتي انا واستاذي الفاضل الدكتور قاسم حسين صالح واخي الفاضل الدكتور ابراهيم جنداري .. متمنيا زيارتكم ولقاءكم بالاحبة قريبا).
الآن وقد عزمتُ على أن أزورك يا شوقي .. أين سنلتقي ؟؟
وسوم: العدد 722