إطلاق الرهائن أو معاقبة حماس… كيف سينفذ ترامب تهديداته؟

إحسان الفقيه

«نريد عودة الرهائن، ومن الأفضل أن يعودوا قبل أن أتولى منصبي، وإلا ستدفعون ثمنا باهظا للغاية». ذلك هو جزء من أول خطاب ألقاه الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، عقب محاولة اغتياله، أمام الآلاف من أنصاره الذي حضروا مؤتمر الحزب الجمهوري في ميلووكي بولاية ويسكونسن، وهو كما نرى يحمل تهديدا صريحا لحركة حماس بأنها سوف تتلقى عقابا قاسيا من ترامب حال فوزه إذا لم تقم بإطلاق سراح الأسرى في غزة. الخطاب يحمل في طياته كذلك إدانة ونقدا للرئيس الحالي بايدن في موقفه من الحرب على غزة، يضاف إلى الاتهامات التي وجهها ترامب إلى خصمه في المناظرة التاريخية بينهما، إذ اتهمه بأنه يقدم دعما صامتا للكيان المحتل، مؤكدا أنه ما كان كان لحماس أن تهاجم إسرائيل لو كان هو (أي ترامب) في الرئاسة.

ترامب يتسلق على أكتاف بايدن بوعوده بإطلاق سراح الرهائن، حال فوزه أو معاقبة حماس، بما يوحي أن بايدن كان مقصرا في دعم الكيان الصهيوني في الحرب على غزة. بايدن الذي صرح في غير مناسبة أنه صهيوني، وأنه لو لم تكن هناك دولة إسرائيل لعمل على أن تكون هناك دولة إسرائيل. بايدن الذي تولى الترويج للروايات الإسرائيلية ظاهرة الكذب في المذابح التي ارتكبتها القوات الصهيونية في مستشفى المعمداني والشفاء وغيرهما. بايدن الذي أعلن منذ البداية وقوفه مع حكومة نتنياهو في حربها على حركة حماس. بايدن الذي أوقف بالفيتو كل مشروع يدين الكيان الإسرائيلي في مجلس الأمن. بايدن الذي قدم بسخاء دعما شاملا لجيش الاحتلال من مقاتلين وخبراء عسكريين وجهود استطلاع وأسلحة وذخيرة وقنابل وقذائف مدمرة. بايدن الذي وهو على أعتاب الانتخابات، يؤكد أن إدارته هي أكبر داعم للحكومة الإسرائيلية، وأن حماس هي المسؤول عن استمرار الحرب، مؤكدا ضرورة القضاء عليها.

 

ترامب لن يستطيع ـ حال فوزه – إرغام المقاومة على تسليم الأسرى، ولا يملك أن يفعل ضدها أكثر مما فعله بايدن، وربما يسهم في توسيع دائرة الحرب في المنطقة

السؤال هنا: ما الذي لم يفعله الرئيس الحالي بايدن لدعم الكيان الإسرائيلي؟ وهذا بدوره يقود إلى سؤال آخر: ما الذي يمكن أن يضيفه ترامب – حال فوزه – على جهود بايدن السابقة في دعم الكيان الإسرائيلي ضد حماس؟ كيف سيجبر المقاومة على إطلاق سراح الأسرى؟ هل سيرسل مزيدا من المقاتلين؟ مزيدا من الخبراء العسكريين؟ مزيدا من القذائف التي تدك منازل ومستشفيات ومساجد سكان غزة وتحرق خيام النازحين؟ مزيدا من التأييد للكيان الإسرائيلي في المحافل الدولية؟ ترامب يعلم جيدا، أنه لو لم يبق سوى مقاتل واحد من حماس، لرفض تسليم الأسرى الإسرائيليين إلا من خلال مفاوضات تضمن إنهاء القتال بشكل دائم، وإعادة النازحين وإعمار غزة، فتلك ورقة لن تتخلى عنها المقاومة، إلا بتحقيق مكاسب كبرى، ومن المعلوم أن خطة بدء الهجوم في السابع من أكتوبر، تضمنت العودة بأكبر عدد ممكن من الأسرى إلى القطاع، لأن الأسرى الإسرائيليين هم دائما الأوراق الرابحة، التي تلاعب بها المقاومة حكومة الاحتلال. ويعلم ترامب كذلك أنها ليست مسألة فارق قوة، لأنها ليست حربا نظامية يخوضها الجيش الإسرائيلي، فالمقاومة تمتلك شبكة أنفاق معقدة تحت الأرض، يظهر مقاتلوها ويضربون ثم يختفون كالأشباح، ولا يدري جنود جيش الاحتلال متى وأين يخرج عليهم الموت من تحت الأرض. ويدرك ترامب أيضا، أن المسألة ليست مسألة تسليح وذخيرة – فليس هناك أكثر وأحدث منها في الجيش الإسرائيلي بفضل ماما أمريكا بالطبع – فجيش الاحتلال يقاتل بتلك الأسلحة والذخيرة مساكن وبيوتا ومساجد ومستشفيات وخياما، ويعتبر ذلك هو النصر الذي يحققه في غزة. ترامب لن يستطيع ـ حال فوزه- إرغام المقاومة على تسليم الأسرى، ولا يملك أن يفعل ضدها أكثر مما فعله بايدن، وربما أسهم في توسيع دائرة الحرب في المنطقة، وهو ما ترفضه شريحة واسعة من الشعب الأمريكي الذي انتفضت جامعاته، ضد الدعم الذي تقدمه إدارة بايدن للكيان الإسرائيلي في ذبح الفلسطينيين في غزة. لذا نستطيع القول إن خطاب ترامب الذي تضمن تهديدا لحركة حماس، الهدف منه تقديم فروض الولاء لحزبه الجمهوري، الذي يهيمن عليه الإنجيليون، ويقدم أوراق اعتماده كرئيس مقبل إلى اللوبي الصهيوني المتنفذ، كعادة كل رؤساء الولايات المتحدة الأمريكية التي تحركها الدولة العميقة.

بين ما يطرحه مرشحو الرئاسة في أمريكا في تقديم برامجهم علاقة تضاد، فمن يرى مثلا استمرار دعم أوكرانيا في الحرب، يعارض خصمه استمرار الحرب ويعد بالسلام. يأتي أحدهم مثلا بفكرة التقارب مع العرب على حساب إيران، ويخالفه آخر ويرى اتباع سياسة أكثر مرونة تجاه الجمهورية الإيرانية على حساب مخاوف دول عربية. أما في ملف القضية الفلسطينية والصراع الإسرائيلي الفلسطيني، فيدخل هؤلاء المرشحون إلى ذلك الملف بعلاقة تنافسية، كل منهم يزايد على الآخر في دعم الكيان الإسرائيلي، كل منهم يعد بمزيد من الاهتمام بالمصالح الإسرائيلية، كل منهم يؤكد المؤكد من أن الكيان اللقيط ما هو إلا أمريكا في منطقتنا البائسة، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.