شُريح القاضي
سلسلة من أعلام التابعين :
اشترى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه فرساً من رجل من الأعراب ونقده ثمنه ثم امتطى صهوته ومضى به .
وما كاد يبتعد بالفرس حتى ظهر فيه عطب عاقه عن مواصلة الجري ؟
فعاد أمير المؤمنين وقال للرجل : خُذ فرسك فإنه معطوب .
قال الرجل : لا أخذه وقد بعتك إياه سليما صحيحا !
قال عمر الفاروق : اجعل بيني وبينك حكما ؟
قال الرجل : يحكم بيننا شريح بن الحارث الكندي
قال الفاروق : رضيت به .
لما سمع شريح مقالة الأعرابي إلتفت إلى أمير المؤمنين وقال : هل أخذت الفرس سليماً يا أمير المؤمنين ؟
قال عمر : نعم
فقال شريح : احتفظ بما اشتريت ياأمير المؤمنين أو رد كما أخذت !
فنظر عمر إلى شريح معجبا وقال : وهل القضاء إلا هكذا : قولٌ فصلٌ وحكمٌ عدلٌ .
سر إلى الكوفة فقد وليتك قضاءها .
ُُشُريح رجل من التابعين يمني الموطن كِندي العشيرة يُعهد إليه بمنصب القضاء على الرغم من أن سماء الإسلام كانت تتألق بنجوم صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وأثبتت الأيام صدق فِراسة عمر إذ ظل شريح يقضي بين المسلمين نحوا من ستين عاما من غير انقطاع وتعاقب على إقراره في منصبه كل من : عمر وعثمان وعلي ومعاوية رضوان الله عليهم أجمعين .
وقال فيه علي بن أبي طالب رضي الله عنه :
( هو أقضى العرب )
حتى طلب الإعفاء من منصبه إبان ولاية الحجاج فقد بلغ السابعة بعد المائة من حياته الحافلة بالمفاخر التي ازدان تاريخ القضاء في الإسلام بها .
كان شعاره الذي يردده في مجالس القضاء : غدا سيعلم الظالم من الخاسر ... إن الظالم ينتظر العقاب وإن المظلوم ينتظر النصفة .
رضي الله عن الفاروق عمر قاهر الفرس فقد زان مفرق القضاء في الإسلام بلؤلؤة صافية الجوهر .
وحبا المسلمين مصباحا منيرا مازالوا حتى اليوم يستضيئون بسنا فقهه لشرع الله ، ويهتدون بنور فهمه لسنة رسول الله عليه الصلاة والسلام .
رحم الله شريحا القاضي فقد أقام العدل بين الناس ستين عاما فما حَاف على أحد ، ولا حَاد عن حقٍ ، ولا ميز بين مَلك وسوقة .
- اقرا قصته صور من حياة التابعين لعبد الرحمن رأفت الباشا
ص 117 .
وسوم: العدد 871