الطبيب الداعية الشهيد عماد حبيب
( ١٩٥٦ - ١٩٧٩م )
﴿من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر، وما بدلوا تبديلا﴾
عماد...تعرفه بالبسمة... بالبشر... بالكلمة الهامسة... بالذكاء والبصيرة... بالعزم والإرادة.
عماد...الجسم ضئيل، والقلب... واليقين... والحمية... والإباء... تملأ عينيك... تأخذ بنفسك، وتذكرك أقوال الشعراء..
عماد... اللطف اللطيف يحمل السلاح... يتصدى للبغي... يعلي رايات الجهاد... يسير في ركب الشهادة... يعرج في مراقيها... يتسنم ذروة سنام الإسلام... كما كان في رحلاته يتسنم قمم الجبال خفة ورشاقة.
رشاقة... عماد يتسنم ذروة سنام الإسلام... يخوض سبيل الجهاد... وتشرئب إليه الأعين الكليلة وتغبطه الهمم القاصدة... وتسعد بذكره القلوب...
عماد... (أبو الفداء)... وما أعظم حظ عماد من اسمه..
المولد، والنشأة:
ولد الطبيب عماد محمد حبو حبيب في حلب في سورية سنة 1956م.
ونشأ في كنف والده العالم الداعية المربي الأستاذ محمد حبو حبيب.
الذي نعته رابطة العلماء السوريين، ومركز الشرق العربي في لندن العالم المجاهد المربي الأستاذ محمد حبو حبيب ( أبو مصطفى ) الذي توفي بعجمان صباح اليوم الثلاثاء 27 محرم 1434 الموافق 12/11/ 2012 عن ثمانين عاما، أمضى أكثرها في التعليم والتربية والدعوة إلى الله عز وجل، وهو والد الشهيد الطبيب عماد حبيب الذي استشهد بحلب في رمضان 1399، ووالد الشهيد جهاد، وقد قام بدوره العلمي التربوي في مدارس حلب، وترك آثارا وبصمات لا تمحى في نفوس تلاميذه ، وجهر بالحق عقب اعتقال العلماء في أحداث 1967ولوحق واعتقل أكثر من مرة بسبب مواقفه من نظام البعث والإلحاد، وجهره بالحق وصدعه به في مساجد حلب الشهباء، واعتقل كذلك في الثمانينات ولحقه الأذى الشديد في جسمه من آثار التعذيب ، وانتهى به المقام في دولة الإمارات، وعمل في وزارة الأوقاف واعظا وداعية وخطيبا، وبقي وفيا لإخوانه ودعوته، وأصيب بعد وفاة زوجته بمرض استمر حتى وفاته، نسأل الله تعالى أن يرفع درجته، ويعلي مقامه، ويسكنه الفردوس الأعلى، وإنا لله وإنا إليه راجعون .
وانتسب إلى جماعة الإخوان المسلمين سنة 1971م. وكان من الشباب النشيطين في الدعوة.
وقد عرف الأخ بدماثة خلقه ورقته وأدبه وحيائه... حتى لا تكاد تسمع له صوتاً فإذا تكلم انسابت الكلمات من فمه جزلة فصيحة حكيمة..
عرف –رحمه الله- بحذره الذكي الشجاع، وهذه خصلة ثمينة لدى الداعية المسلم، وكانت رقته مع حذره، توهم من لا يعرفه عن قرب أنه منطوٍ ومنعزل عن المجتمع، وأن هذا الشخص النحيل أبعد ما يكون عن التنظيمات والتجمعات..
الدراسة، والتكوين:
درس مراحل التعليم المختلفة في مدارس حلب، وحصل على الشهادة الثانوية العامة الفرع العلمي بتفوق ملحوظ.
وما أن دخل الأخ عماد ( كلية الطب) سنة 1975م حتى أحس بضخامة العبء الذي ينتظره مع إخوانه، فشمر عن ساعد التضحية، ووهب وقته كله لله.
فعلى الرغم من كثافة الدراسة كان ينجح باستمرار على الرغم من الوقت اليسير الذي خصصه للدراسة..
جهاد الدعوة:
كان –رحمه الله- لا يأوي إلى بيته إلا قليلاً فما إن ينصرف من الجامعة حتى ييمم وجهه شطر أخ قريب يزوره في الله، وينتقل إلى آخر يدعوه إلى الله.
وينكفئ إلى داره، ليطالع الكتب الإسلامية والثقافية، مما أهله للتوجيه داخل الأسر المنظمة، فرشحه مسؤولوه للتوجيه، وأثبت عماد أنه الموجه الكفء الذي يضحي بدراسته ووقته في سبيل دعوته... كان رحمه الله يسبق إخوانه إلى ما يأمرهم به، فلا يكاد ينتهي وأسرته من رحلة بالدراجات حتى يخرج برحلة سيراً على الأقدام، يتبعه إحياء الليل بالعبادة والطاعة، ثم صلاة الفجر جماعة والاجتماع في أحد البيوت على حزب من القرآن.
وجمع إلى كل أؤلئك صلابة في العقيدة، وجرأة في الحق، وإقداماً على الظالمين..
ففي سنة 1977م، حينما كان الشهيد طالباً في السنة الثالثة من كلية الطب، أصدرت السلطة النصيرية أمراً بمنع الطلاب المسلمين من الصلاة في أثناء الامتحان... على الرغم من أن الطغاة يتعمدون جعل وقت الامتحان يستغرق وقت صلاة المغرب كاملة..
نعم.. منع الطلاب المسلمون من أن ينتحوا جانباً ليؤدوا صلاتهم... بينما تنصاع لأوامر الأسياد من (اليهود)، فتفرغ يوم السبت من كل امتحان..!
هل يصدق هذا؟؟.. يستغرب الناس لماذا يثور عماد اللطيف الوادع الهادئ... لماذا يثور إخوان عماد البررة الأطهار... بل لماذا لا يثورون، وهو يرون (اليهود) أكبر احتراماً... وأكثر حقوقاً... وأحظى عند السلطة النصيرية..
لماذا لا يثورون، وقد بدأ إخوانهم من أبناء الشعب يتمنون أن تكون لهم (حقوق اليهود)!!
منع الطلاب من الصلاة.. وهددوا بسحب الأوراق، بل بالفصل من الجامعة... بل بتسليمهم لأجهزة القمع والعسف..
وجاءت الفتاوى.. فتاوى الذل تتهادى من ضعفاء العلماء... الذين سوغوا الجمع بين الصلاتين... ولكن عزة المسلم أبت على عماد وإخوانه أن يخضعوا... وضعوا النجاح في الامتحان تحت أقدامهم واستقبلوا تهديدات السلطة بجلال الله... فما أن حان وقت الصلاة... حتى هب الشهيد مع إخوانه وقفة رجل واحد فأدوا الصلاة وأعلنوا: الله أكبر..
وحين نادى منادي الله..
وترددت في جنبات الشام: ألا يا خيل الله اركبي... لبى عماد النداء..
وفي ليلة من ليالي رمضان... في الشهر الذي شهد لشهداء المسلمين على مر الزمان... اغتالت يد البغي والإثم والجور.. عمادا..، وانطلقت روحه... تحلق في أجواء الجنة... في حواصل طير خضر..
أما بعد يا أخي.. عماد...
ما كنت أحسبني قادراً على الرثاء... ولا أحسبني قادراً على الوفاء، وإذ أشعر أن الكلمات قد تنتهي... وأن لقائي معك كان كآخر لقاء رأيتك فيه... قصيراً ولكنه أطول من الزمان..
لا يسعني إلا أن أقول: طوبى لك الشهادة أبا الفداء.
مصادر الترجمة:
١- رابطة أدباء الشام- بقلم د. أيمن أبو غدة- وسوم: العدد 1003
٢- رابطة العلماء السوريين: مكرر لنفس الكاتب.
٣- مركز الشرق العربي: يشرف عليه زهير سالم.
٤- مواقع الكترونية أخرى.
وسوم: العدد 1006