الدكتور حسن ضياء الدين عتر
رجال في ذاكرتي
علماء -أدباء -دعاة
عرفته مبكرا وأنا طالب في جامعة حلب في أواخر الستينيات عن طريق قريبه زميلي محمد هدى قاطرجي - رحمه الله - فقد دعاني إلى المكتبة الأحمدية الوقفية للاطلاع على ما فيها ، ومن يحضر إليها من أهل العلم !
فكان اللقاء مع الدكتور حسن ضياء الدين الذي وجدنا فيه أخا كبيرا ناصحا ! وترددنا على المكتبة نساعده في ضبط النسخ المتعددة بمتابعتها عليه لكتاب يقوم بتحقيقه ، ولطالما انتفعنا من هذه الزيارات المتقاربة للمكتبة وفي منزله ! ولا زلت أذكر حين ودعته للذهاب إلى دمشق ومقابلة لجنة اختيار المدرسين وتزويده لي ببعض النصائح والأدعية المباركة ، كما زلت أذكر كذلك وفاءه لشيوخه الذين أفاد من علمهم وتوجيهاتهم ، فهو يكتب في مقدمة رسالته الجامعية في التخرج في جامعة دمشق شكره وامتنانه للعالمين الجليلين الشيخ عبد الفتاح أبو غدة والشيخ عبدالله سراج الدين اعترافا بالفضل لأهله !
كان رحمه الله فيه شيء من الحدة ، وكثير من الصراحة !وهذا ما سبب له بعض الاشكالات كما في مناقشة رسالته للدكتوراه في كلية أصول الدين بجامعة الأزهر ، وفي تدريسه في جامعة أم القرى
ومع هذا الحوار الحاد مع لجنة المناقشة في رسالته في الأزهر فقد حصل على مرتبة الشرف الأولى عن رسالته المؤلفة من جزأين : الأول نبوة محمد صلى الله عليه وسلم في القرآن ، والآخر بينات المعجزة الخالدة !
وقد أفدت من الجزء الأول أيما فائدة ، فقرأته مرتين أو أكثر وألقيت بعض فصوله في خطب الجمعة وفي تدريس الحلقات العامة ولا زال الحديث القدسي الذي أورده في الكتاب في ذاكرتي ، وكم حدثت به ورددته على الأسماع : إن روح القدس نفث في رُوعي أنه لن تموت نفس حتى تستكمل أجلها ، وتستوعب رزقها فاتقوا الله وأجملوا في الطلب ولا يحملن أحدكم استبطاء الرزق أن يطلبه في ما حرم الله فإن الله تعالى لا ينال ما عنده إلا بطاعته .
ثم لقيته مرات في المدينة المنورة وكان يرحم الله يشكو من أمرين جفاء بعضهم له في الغربة ، ووقاحة الوالغين مع الطغاة والمبررين ظلمهم وهم يتخذون من مظهر أهل العلم فخا يخدعون به ضحاياهم ممن يصدقونهم، ويغترون بهم !؟ وفي الوقت نفسه كان معجبا ومرددا لمواقف أهل العلم ! كموقف الشيخ حسن حبنكة الميداني من طغمة البعث فقد سمعت منه قصة هذا اللقاء بين الشيخ وبين الانقلابيين !
* ** * * * * *
كان للشيخ حسن ضياء الدين جهود تأليفية فقد اشترك في إعداد مناهج التربية الإسلامية في وزارة التربية السورية وفي إعداد المناهج الجامعية لتفسير القرآن الكريم، وله أبحاث علمية متخصصة في مجلات كلية الشريعة ومركز البحث العلمي ، أصدرت له رابطة العالم الإسلامي كتابا في سلسلة دعوة الحق ( وحي الله حقائقه وخصائصه في الكتاب والسنة : نقض مزاعم المستشرقين ) دعوة الحق العدد 28 - محذرا من أن للإستشراق آثارا بليغة في بعض أبناء المسلمين وتسببا في انحرافهم وأن له آثارا قوية في صد الغربيين عن الإسلام !؟ ولعل ما جاء في مقدمة الكتاب يشي إلى حد كبير بما كان عليه رحمه الله من استعداد لمواجهة الباطل أيا كان مصدره ! فيقول : ولما كان المبشرون ومعظم المستشرقين يؤمنون بالوحي تارة أي لدى نسبته إلى أنبيائهم ، ويكفرون به تارة أخرى لدى دعوتهم ليؤمنوا بخاتم المرسلين عليهم صلوات الله وسلامه أجمعين فقد جابهتهم بتحد كبير ، وطالبتهم بتقديم أوصاف وسمات الوحي الصحيحة في أنبيائهم الذين يؤمنون بهم لنناقشها ثم نحتكم إلى صحيحها في إعلان تحقق وحي الله إلى رسوله محمد عليه أفضل الصلاة والسلام … وختم : وفي تقديري أنهم لن يستجيبوا لهذا التحدي أبدا !؟
ومثل ذلك ما كان كتبه السيد أبو الحسن الندوي في كتابه ( الإسلاميات بين كتابة المستشرقين والباحثين المسلمين ) محذرا منهم بالقول : كثير من هؤلاء المستشرقين الذين يدسون في كتاباتهم مقدارا خاصا من السم ويحترسون في ذلك ، فلا يزيد عن النسبة المعينة لديهم حتى لا يستوحش القارئ ، ولايثير ذلك فيه الحذر ولا يضعف ثقته بنزاهة المؤلف !؟
وكذلك ما أورده الدكتور مصطفى السباعي في كتابه ( الاستشراق والمستشرقون : ما لهم وما عليهم ) من أن وراء الاستشراق دافعا دينيا و وتجاريا وسياسيا وعلميا ، وأن وراء أهدافهم هدفا علميا مشبوها يهدف إلى التشكيك بصحة رسالة النبي صلى الله عليه وسلم ومصدرها الإلهي وإنكارا لنبوة الرسول وسماوية القرآن ، وتشكيكا في صحة الحديث الشريف ، وبقيمة الفقه الإسلامي الذاتية ، وقدرة اللغة العربية على مسايرة التطور العلمي
**
توفي الشيخ حسن ضياء الدين عام ٢٠١٠ م /١٤٣٢ هجرية في المدينة المنورة بعد معاناة مرض - رحمه الله تعالى - ودفن فيها
وله كتاب طبع بعد وفاته ( الأحرف السبعة في القرآن الكريم ) في ٥٠٠ صفحة ، وتأخر كثيرا حتى صدر ، ولم يتح لي أن أطلع عليه .
وسوم: العدد 1095