جمال عمر الصوراني
قضية في سيرة
نعمان فيصل
ليس من السهل أن يكتب الإنسان عن رجل مثل المناضل جمال الصوراني، والذي يعرفه يعلم أن الكلمات لا يمكن أن تكون أداة تعطيه حقه.. فإنه ابن بار لفلسطين وعلم من أعلامها على مدار العصور ومرور الأيام، تبنَّى القضية الفلسطينية، وحمل معه غزة والقدس وفلسطين آلامها وآمال شعبها وأجيالها، فبذل ما يعلمه إلا الله من العطاء بكل إخلاص، فالجميع يعلم أنه كان عضداً قوياً لمنظمة التحرير الفلسطينية منذ نشأتها وفي جميع المراحل يبني مع البنائين قواعد الوطن المتين الذي كان ولا زال هو الأمل؛ فلم يغب لحظة واحدة عن القلب والذاكرة والعقل؛ برز اسمه في المجالات السياسية، وكل من شارك في المجالس الوطنية الفلسطينية يعرف (أبا عمر) ويعرف حكمته ونظرته الثاقبة للأمور.
ولد المناضل جمال الصوراني في مدينة غزة عام 1923م، (ينتمي إلى عائلة ذات تاريخ وطني، فوالده هو عمر أحمد الصوراني، رئيس بلدية غزة عام "1925-1928"، وعمه هو الحاج موسى الصوراني الذي كان معتمد الحزب العربي الفلسطيني في هذه الديار)، أنهى تعليمه الإبتدائي في مدينته، ثم حصل على الثانوية من مدرسة صهيون التبشيرية (مدرسة المطران كوبات) بالقدس عام 1942، أكمل تعليمه الجامعي في بيروت بالجامعة الأمريكية حيث درس العلوم السياسية وتخرج عام 1946، وعمل في مكتب الهيئة العربية العليا بالقدس. انتسب إلى كلية الحقوق بجامعة عين شمس، وحصل منها على إجازة في القانون عام 1961، وافتتح مكتباً للمحاماه، ولما قامت الثورة الفلسطينية ضد قرار التقسيم رقم (181) الصادر في 29 نوفمبر 1947 التحق مناضلاً في قوات الجهاد المقدس، التي كانت تعمل تحت زعامة المفتي الحاج أمين الحسيني، وكان يرأسها في اللواء الجنوبي متطوع عراقي اسمه عبد الحق العزاوي (أبو ماضي)، وعهد المفتي إلي جمال ليكون مساعداً للعزاوي ومسؤولاً باسم حكومة عموم فلسطين أمام قوات الجهاد المقدس في منطقة غزة، فاشترك في معارك (عراق سويدان) على طريق "المجدل – الفالوجا"، وهو طريق هام كان الإسرائيليون يحرصون على السيطرة عليه لتموين مستوطنات النقب، واحتفظت قوات الجهاد المقدس، بالسيطرة عليه إلى أن أسلمته إلى المتطوعين من الإخوان المسلمين القادمين من مصر، ثم القوات المصرية النظامية. بعد عام 1948 وقع الاختيار عليه ليتولى سكرتارية المجلس الإسلامي الأعلى عندما قرر الحاكم العام (المصري) تشكيله بعد أن انفصلت غزة عن القدس التي كان المجلس الإسلامي الأعلى فيها يُشرف على الأمور الدينية بما فيها إدارة الأوقاف والقضاء الشرعي في قطاع غزة، وفي عام 1949 أسس النادي الشعبي، وظل رئيساً له حتى عام 1954. كما أسس جمعية المناضل الجريح عام 1949، وكانت تهتم (الجمعية) بمعالجة الجرحى، وخاصة أولئك الذين فقدوا أطرافهم؛ فتقوم الجمعية بعلاجهم وتوفير الأطراف الصناعية لهم، وذلك بالتعاون مع الجهات المعنية في مصر.
اشترك في قيادة المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي إبان العدوان الثلاثي في نوفمبر 1956، واعتقل من أجل ذلك، وشارك في المظاهرات والاحتجاجات ضد محاولة تدويل القطاع بعد انسحاب القوات الإسرائيلية.
غدا جمال من رجال السياسة المرموقين، وربطته بالعديد من الرؤساء والزعماء العرب علاقات مودة؛ مما اكسب قضية بلاده تأييداً واحتراماً من الأخرين، كما اشترك في اللقاءات والمؤتمرات الدولية والوفود السياسية المرتبطة بالقطاع.
انتخب عضواً في اللجنة التنفيذية للاتحاد القومي العربي الفلسطيني، الذي شُكل في مارس 1961، وعندما نجح في انتخابات المجلس التشريعي عام 1962، وقع علية الاختيار ليكون رئيساً للجنة القانونية فيه، وحينما حاول المجلس إبراز الكيان الفلسطيني، وجعل غزة قاعدة لهذا الكيان، قامت الإدارة المصرية الحاكمة بقطاع غزة بإفراغ المجلس التشريعي من العناصر الفاعلة والنشطة فيه، ومنهم جمال الصوراني، وفي هذا الصدد يقول حسين أبو النمل: "وعندما نتوقف أمام أسماء... فاروق الحسيني، وجمال الصوراني، وعبد الله أبو ستة... فإننا نهدف إلى تسجيل حقيقة دور هؤلاء الأعضاء المتميز، ودورهم في انضاج نقاشات المجلس التشريعي، واستعدادهم للوصول إلى درجة الصدام مع الإدارة القائمة عند مناقشة المسائل المبدئية والحاسمة.."
من مؤسسي منظمة التحرير الفلسطينية عام 1964، وعُين مديراً لمكتبها بالقاهرة، وحمل هموم أبناء شعبه، ونجح بفضل علاقاته مع المسؤولين المصريين في تذليل الكثير من العقبات والمشاكل التي كانت تواجه طلابنا.. وأصبح فيما بعد عضواً في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، وحاز على ثقة إخوانه في اللجنة التنفيذية؛ فاختير بالإجماع أميناً للسر لعدة مرات كان آخرها عام 1985، وكثيراً ما اختير ممثلاً للمنظمة في وفود ومؤتمرات عالمية. منذ عام 1971 ترأس الاتحاد العام للحقوقيين الفلسطينيين ، ونقيباً لمحاميي فلسطين منذ عام 1967.
عندما أعلن الرئيس المصري الراحل أنور السادات عن نيته زيارة القدس؛ لم يتوان عن إدانة هذه الخطوة التي عبر عنها بقوله: (جرأة على الحق)، مما حدا بالنظام المصري إلى ترحيله إلى دمشق.
كتب مقالات كثيرة تحدث من خلالها عن موقفه من القضية الفلسطينية، والقضايا القومية الأخرى، من ذلك مقالته التي نشرها في مجلة السلام (لصحابها أحمد حلمي السقا أبو الخوالد) بتاريخ 14/11/1952 بعنوان: (مَنْ المستفيد) تحدث عن رأيه بالدعوة إلى ضم قطاع غزة إلى مصر فقال: (مؤامرة من نوع جديد لإنهاء القضية الفلسطينية، وطمس معالم فلسطين من سطور التاريخ؛ والمستفيد هو بريطانيا وأمريكا باعتبار أن تصفية القضية الفلسطينية يسهل عليهما إدخال المنطقة في النار التي تضرمها ضد السوفيت في حرب لا ناقة لنا فيها ولا جمل، والمستفيد الآخر هو إسرائيل التي تريد إنهاء حالة الحرب لتبدأ في استغلال المنطقة كلها، إذ هي المجال الحيوي لإسرائيل... إن كل شخص عربي من أي قطر يطلب الضم هو خائن لعروبته وعميل لبريطانيا وأمريكيا ولإسرائيل). أما رأيه بالحل فهو: (التجنيد والسلاح لإرجاع فلسطين إلى حوزة العروبة)، وأما رأيه بجامعة الدول العربية (إن تاريخنا مع جامعة الدولة العربية ليس تاريخاً مشرفاً، وبالنسبة لها كنا دائماً معها مغدورين.. إنه تاريخ مليء بالقلق والشك والارتباك منذ عام 1948) ويعبر عن رأيه بموقف الجامعة العربية من الكيان الفلسطيني فيقول: ( لو أن المرحوم أحمد حلمي باشا "رئيس حكومة فلسطين" لم يتوفّ لما أثير هذا الموضوع لأن وقت جامعة الدول العربية عزيز وغال، ولا يتسع لقضية فلسطين "قضية العرب الأولى"، وأغلب ظني أنهم اكتفوا أن يملأ السيد: الشقيري كرسي فلسطين، وأن يشكل الوفد، أما إبراز الكيان الفلسطيني فأجلوه... لأن هذا الموضوع ليس حيوياً ولا يهم العرب، لو تأخر خمسة شهور أو ستة وحتى لو اجتمعوا في شباط فقد يؤجلونه إلى شباط عام 1965 وهكذا دواليك ).
توفي يوم الثلاثاء الموافق 22/4/2008 في جمهورية مصر العربية، وشُيّع في القاهرة، وشارك فيه لفيف من الشخصيات الوطنية المصرية، والفلسطينية، والعديد من سفراء الدول العربية في القاهرة في مقدمتهم السفير الفلسطيني نبيل عمرو، ووري الثرى بجوار زوجته في مزرعته بالفيوم؛ ونعته منظمة التحرير الفلسطينية، والرئيس: محمود عباس، وأقامت السلطة الوطنية للفقيد بيت عزاء في مقرها برام الله".
لا أجدُ ما أختم به عن مناضلنا الكبير خيراً من قول شوقي:
وأخذك من فم الدنيا ثناء وتركك في مسامعها طنيناً