الدكتور محمد يحيى.. رحيل الإرادة والهمة العالية
أبو الحسن الجمّال
رحل عن عالمنا منذ أيام الأستاذ الدكتور محمد يحيى أستاذ الأدب الإنجليزى فى جامعة القاهرة والمفكر الإسلامى والمترجم العظيم .. رحل دون أن يشعر به أحد أو تذكره أى وسيلة من وسائل الإعلام المتعددة، وهو الذى ملأ الأرض علما وكان متفوقا فى مجاله تدريس الأدب الإنجليزى فى أول وأعرق جامعة مصرية – جامعة القاهرة - وهو رجل تحدى الصعاب واجتهد رغم ظروفه الصحية الصعبة ومرضه المزمن، التى لو تعرض لها غيره من التيارات لهلل له طوال الوقت، ولسودوا عنه آلاف الصفحات ومئات الكتب، ولنشروا كتبه وأعماله الكاملة، وجمعوا مقالاته وندواته وفرغوا أحاديثه ...هذا هو حال النخبة المصرية العنصرية التى تهمش الآخر وتنبذه وتحتقره ولا تؤمن بوجوده... والعجيب ألا يعلم برحيله إلا القلة القليلة من أصدقائه وفوجئ معظمهم بهذا الرحيل ..
كان الدكتور محمد يحيى نموذج حي لأصحاب الهمم العالية، فقد كان يعاني من ضمور في العضلات منذ الصف الأول الإعدادي على إثر ارتفاع في درجة حرارة وحمى نتج عنها ضمور جزئي في بعض العضلات، وظل الأمر في تفاقم ولم ينفع معه العلاج حتى انتهى إلى ضمور في كافة عضلات الجسم وهو ما يعني فقدان القدرة نهائياً على الحركة اللهم إلا حركة بسيطة في اليد- كرماً من الله بها يكتب ويدير بعض شؤونه، وقد كان والده يحمله ويذهب به إلى المدرسة، ويحمله مرة أخرى عائداً إلى منزله وظل الأمر هكذا حتى التحق بكلية الآداب وكان الأول على القسم طيلة سنوات دراسته، وأعجب به أستاذه الدكتور رشاد رشدي، أول من تولى رئاسة قسم اللغة الانجليزية بآداب القاهرة، وقرر تحدي قوانين الجامعة حتى تم تعيينه معيداً في القسم. بعد ذلك استكمل مسيرة التعليم العالي حتى صار الآن أستاذ في الجامعة ومترجما ومفكرا ومحللا وكاتبا إسلاميا مبدعا له العديد من الكتب، ومساهماته بارزة في الصحف والمجلات العربية.
وفى هذا يقول الدكتور محمد يحيى: "لقد استطعت أن أواصل تعليمي بصبر ودأب وعلمت نفسي خمس لغات هي: الإنجليزية والفرنسية والألمانية والإيطالية والأسبانية. وأنا الآن أشرف على رسائل الماجستير والدكتوراه في قسم الأدب الإنجليزي وأترجم أمهات الكتب ولا أجد وقتاً للفراغ أبداً والحمد لله تزوجت ورزقني الله ولداً وبنتاً". ويضيف د. محمد يحيى: "إن الإعاقة توجد حافزاً لدى الإنسان لتعويضها ومن ثم التفوق في مناحي الحياة المختلفة. فالله - سبحانه وتعالى - قد يحرم المعاق من شيء لكنه يعوضه أشياء أخرى كأن يكون لماحاً شديد الذكاء وقوي الذاكرة ودءوباً ونشيطاً ومحباً للعمل والإنتاج، وأن تكون لديه روح الزعامة والجاذبية الشخصية".
كان الأستاذ الدكتور محمد يحيى مهموما بقضايا أمته وهمومها فى الوقت الراهن الذى تكالب عليها الأعداء فى الشرق والغرب ينهشون فيها كالكلاب المسعورة والمسلمون كالأيتام على موائد اللئام ، وجند هؤلاء الأعداء جنودا لهم من بنى جلدتنا يريدون سلخ الأمة من ماضيها التليد لقاء الفتات الذى يتلقونه من هؤلاء فى صورة جوائز ورحلات فلقد قيض الله جنودا يدافعون عن شرف الأمة ضد خصومها فى الداخل والخارج منهم الدكتور يحيى الذى لم ينبطح كزملائه الذين كانوا يبشرون بكل ما يأتى من الغرب من ظلام، فعمل على تعلم اللغات الغربية الحية فأتقن العديد منها كى يتعرف على إنتاجهم مباشرة ويتسنى الرد المناسب عليهم، وظهر هذا جلياً فى مقالاته ومؤلفاته وترجماته.. وقد أثرى المكتبة العربية بالعديد من الكتب التى دلت على تبحره وغزارة ثقافته كما كان يكتب المقالات فى العديد من الصحف والمجلات منها مجلتنا الغراء "المختار الإسلامى"، و"لواء الإسلام"، و"الاعتصام"، و"الدعوة"، و"آفاق عربية"...
وللدكتور محمد يحيى رأيه الصادع فيما يعرف بالحوار بين الأديان وهدفه إذابة الفوارق بينها، وقد باء هذا الحوار مع الآخر بالفشل نتيجة إصراره على ضرورة تنازل المسلمين عن بعض ثوابتهم العقائدية، وفى شأن الحوار مع الآخر يقول الدكتور يحيى: "ما يحدث الآن ليس إلا جلسات تعقد بين أشخاص يفترض أنهم يمثلون الأديان - إما الكنيسة وإما الإسلام- ونحن معنيون بمن يقومون بمواجهة الآخر أو التحاور معه، حيث نؤكد أن هؤلاء الأشخاص في الغالب الأعم أشخاص معينون من جهات رسمية، وليست لديهم الحماسة الكافية في الحوار أو النقاش أو مواجهة الآخر، وهذا يحدث مع إمكانية وجود أشخاص من الكنيسة مثلا، لكنهم لا يتمتعون بالاستقلالية التامة عن أية جهات رسمية، وإنما يمثلون مراكز أنشئت في الغرب لهذا الغرض تتمتع بكثير من الخبرة والكفاءة.ويضيف د. يحيى أن الواقع يؤكد أن تجارب المواجهة مع الآخر والحوار معه تجربة مليئة بالسلبيات ؛ لأنها على سبيل المثال سعت من جانب ممثلي الإسلام إلى الاعتراف بالكنيسة الغربية دون أن يكون هناك اعتراف منها بالإسلام، كما أنها تحولت إلى جلسات توجيه اتهامات إلى الإسلام ودفاع من ممثليه، وأصبحنا أمام جلسة تحقيق ومتهم وتهم!! والأخطر في الأمر أن المتهم "وهو الإسلام" يتم الدفاع عنه بنوع من الاعتذار ووعد بالإصلاح في المستقبل، وهذا طبعًا ليس حوارًا وليست مواجهة".
الأزهر فى وجدانه ورأيه فى الإمام فى الإمام عبدالحليم محمود:
رأى الدكتور محمد يحيى أن الأزهر هو حامى حمى الإسلام فى مصر إذا استقلت مؤسسته عن الحاكم الذى سخر شيوخه الرسميين فى العقود السابقة لمهاجمة خصومه السياسيين، وظل هكذا إلى أن تولى مشيخته الإمام الأكبر عبدالحليم محمود الذى قال عنه: "في عهد المرحوم الشيخ عبد الحلم محمود رحمه الله كان الأزهر نورا للإسلام ونار على أعدائه، وجمع الشيخ بين دعوة لإحياء القلوب بالتوبة والرجوع إلى الله ودعوة لإحياء العقول بالفكر الإسلامي النقي الواعي الذي كان هو رائده وتحرك بالأزهر إلى قلب الشعب والحياة فكانت عشرات المعاهد الأزهرية والمساجد والجمعيات وتزعم الأزهر في عهده تطبيق الشريعة الإسلامية ورعاها وزودها بالفكر والدراسات والأبحاث وإخراج مشروع الدستور الإسلامي وقانون إسلامي أصيل للأسرة وكرسي الشيخ الذي فقدناه علمه ومعه علم العديد رجالات الأزهر الشرفاء لحرب أعداء الإسلام فإذا الذين زعموا أنهم أصحاب الأفكار التي لا تقهر والفلسفات التي لا يأتيها الباطل ينكشفون كمجرد عملاء مدفعي الأجر لقوى كبرى غيرهم بالشعارات وبما يقرءون و تنسى أن تفسره لهم أو تعطيهم العقول اللازمة لشرحه . وانتعشت في ذلك العهد ومن جراء ذلك الجهد الأزهري الحركة الإسلامية فكانت النبات الأصيل للأزهر ورجاله كما كانت امتدادا لكفاح الشعب المصري المسلم وطلائعه من التيارات الإسلامية وعلى رأسهم حركة الإخوان وغيرها من حركات النضال والإيمان ودفع الشيخ عبد الحليم محمود ومعه الأزهر ثمنا غاليا جزاء هذا التحدي لأعداء الإسلام من طائفيين وعلمانيين وقوى داخلية وخارجية مختلفة فكان أن تعرض الرجل في حياته لأبشع هجوم وتشويه وشتم بذئ منحط وسخرت السلطة من "وراء ستار" مجلة يسارية أسبوعية للهجوم على الرجل ومن هنا بدأ الحديث عن تلقيه الأموال العربية لبناء المساجد وكأن بيوت الله جريمة ونسو مئات الكنائس التي بناها الأنبا شنودة واستحق لذلك وصف صاحب النهضة عند أبنائه وعند العلمانيين أنفسهم الذين يطبقون علمانيتهم على الإسلام وحده وهوجمت سياسة بناء المعاهد الأزهرية وأخذ وزير التعليم المزمن في تلك الفترة يتحدث عن ضرورة توحيد نظام التعليم في مصر أي إلغاء التعليم الأزهري وعندما مات الشيخ عبد الحليم محمود حرمت الجماهير من تشيع جنازته و منعت حتى الآن أحاديثه الكثيرة من وسائل الإعلام لأنها كانت مؤثرة في أحداث موجة التدين الذي يحاربونه وتحول الأزهر بعده إلى النقيض".
الكشف عن وثيقة "راند":"خطة أمريكية لتحديث الدين الإسلامي":
المؤامرة على الإسلام والمسلمين باتت من الوضوح بمكان.. الأمر الذي لا يمكن معه إنكارٌ أو تجاهل، وقد تنبه الدكتور محمد يحيى للخطة الأمريكية لتخريب الدين الإسلامي التى قدمتها مؤسسة راند، وذلك فى كتابه "خطة أمريكية لتحديث الدين الإسلامي" الصادر عن المكتب المصري الحديث. والتي تتضمن إعادة تقديمه للمسلمين بعد تنحيَة الشريعة الإسلامية، وإلغاء مظاهر الوجود الإسلامي، ووضع العلماء التقليديين والمؤسسات الدينية في مواجهة الحركات الإسلامية، ومنح العلمانيين والحداثيين منابرَ إعلاميةً واسعةً، وإعطاء المناصب الدينية لأصحاب التوجهات الصوفية، ويتوازى مع ذلك موجة إباحية من الموسيقى والرقص والغناء يتم توجيهها إلى الشباب والفتيات، هذا مع تقديم الأحاديث النبوية بقراءة جديدة، يتم من خلالها إلغاء الاعتماد على صحة ما رواه البخاري ومسلم.
وتبدأ فلسفة هذه الخطة بتوضيح أن الإسلام المعاصر في حالة تصعيد؛ حيث يدخل في صراع على قيَمِه وهويته ووضعه في العالم، وفي نسيج المجتمع الإسلامي يدور الصراع بين أصحاب الأفكار المختلفة؛ من أجل فرض آرائهم وأفكارهم على مجتمعاتهم؛ بهدف تحقيق السيادة السياسية والروحية على هذه المجتمعات، وفي الوقت نفسه فإن الولايات المتحدة والعالم الصناعي الحديث يفضِّل عالمًا إسلاميًّا يأتلف مع باقي النظام العالمي والغربي.
لذلك يجب أن يكون ديمقراطيًّا، ويتبع قواعد ومعايير التعامل الدولي والغربي، هذا مع الوضع في الاعتبار ضرورة اتقاء صِدام الحضارات، وزيادة الاضطرابات، والكفاح المسلَّح عبر العالم الإسلامي وتوابعه، التي تؤدي إلى الإرهاب وعدم الاستقرار، وعليه- كما في الخطة- يتأكد ضرورة تشجيع العناصر داخل الخليط الإسلامي الأكثر توافقًا مع السلام العالمي والمجتمع الدولي، والمحبة للديمقراطية والحداثة.
ولتشجيع العالم الإسلامي نحو الديمقراطية والحداثة تحتاج الولايات المتحدة- والغرب بصفة عامة- إلى التبصُّر بعناية شديدة في العناصر والاتجاهات والقوى داخل العالم الإسلامي؛ ولذلك ترى الخطر أن الاتجاه الأكثر فعالية في التعامل معها هو الآتي:
أولاً: دعم الحداثيين وذلك من خلال:
- نشر أعمالهم وتوزيعها.
- تشجيعهم على الكتابة للجماهير والشباب.
- تقديم آرائهم في مناهج التربية الإسلامية المدرسية.
- جعل آرائهم وأحكامهم في القضايا الكبرى للتأويل الديني متاحة للجمهور؛ بحيث يمكنها أن تنافس آراء وأحكام الأصوليين والتقليديين.
- وضع العلمانية والحداثة كخيار الثقافة المضادة للشباب الإسلامي الساخط.
- تيسير وتشجيع الوعي بالتاريخ والثقافة قبل الإسلام.
ثانيًا: دعم معركة العلماء التقليديين ضد الأصوليين، وذلك عن طريق:
- نشر نقد العلماء التقليديين للعنف والتطرف الأصولي، وتشجيع الخلافات ين التقليديين والأصوليين.
- تثبيط التحالفات التي يمكن أن تتم بين الطرفين السابقين ومنعهما بكل الصور.
- تشجيع التعاون ما بين الحداثيين والعلماء الأقرب إلى النطاق الحداثي.
- دعم العلماء التقليديين ضد الأصوليين، الذين قد يكونون أكثر قدرةً على التواصل مع الجماهير أو على مستوًى ببلاغتهم وإقناعهم.
- الحرص على حضور نماذج الحداثيين في المؤسسات التقليدية.
ثالثًا: مواجهة الطرح الأصولي للإسلام، وذلك على أساس:
- تحدي شروحهم للإسلام.
- الكشف عن صلتهم بالجماعات والأنشطة غير المشروعة.
- إظهار عدم قدرتهم على الحكم وتحقيق التنمية لبلادهم ومجتمعاتهم.
- تجنب إظهار الاحترام أو الإعجاب بأعمال العنف التي يقوم بها المتطرفون والأصوليون الإرهابيون.
- تشجيع الصحفيين على بحث قضايا الفساد داخل الدوائر الأصولية.
- تشجيع الانقسامات بين الأصوليين.
رابعًا: دعم العلمانيين بشكل انتقائي، وذلك بتأكيد أن الأصولية عدوٌّ مشتركٌ، وتثبيط التحالف مع القوى المضادة للولايات المتحدة، وكذلك دعم فكرة أن الدين والدولة يمكن أن ينفصلا في الإسلام أيضًا.
مع المهتدية الأمريكية "مريم جميلة":
ألف الدكتور محمد يحيى كتابه الأهم عن مريم جميلة بعنوان "رحلتى من الكفر إلى الإيمان- قصة إسلام المهتدية الأمريكية مريم جميلة" .. وقد فوجئ الناس بإسلام الأمريكية "مارجريت ماركوس" التى ولدت فى نيويورك عام 1934م لأبوين يهوديين من أصل ألماني وكان لطريقة نشأتها في تلك البيئة المتلوثة بركام الجاهليَّة دليلٌ على عناية الله -تعالى- بها، فهي لم تذق الخمر في حياتها ولم تلتق بالرِّجال، ولم تحضر حفلات القوم، وكل هذا عجيبٌ من مثلها، وكانت وهي في طفولتها تحضر الدُّروس الَّتي تقيمها مدرسة الأحد اليهوديَّة، وتسمع الحاخام وهو يخبرهم بأنَّ العرب واليهود هم أولاد إبراهيم الخليل -عليه وعلى نبينا أفضل الصَّلوات وأتمُّ التَّسليم- فصارت تتمنى أن تذهب إلى فلسطين لرؤية أولاد عمها والاجتماع بهم، ثمَّ إنَّها صدمت بعد ذلك يوم أن رأت أبويها يحتفلان بقرار التَّقسيم سنة 1947م، ويجمعان التَّبرعات لإقامة الدَّولة المسخ، ثمَّ يحتفلان بانتصار اليهود سنة 1367هـ/ 1948م، فصارت تناقش أبويها بقوَّةٍ في إقامة دولة اليهود على أحزان العرب وآلامهم، فعجبًا من كلامها.
منذ ذلك التاريخ وقررت الإطلاع على العلوم الإسلامية وراسلت فى هذا كبار العلماء منهم: البشير الإبراهيمى، وسعيد رمضان، ومعروف الدواليبى، وسيد قطب، ولكن نقطة التحول فى حياتها تعرفها إلى الأستاذ أبى الأعلى المودودى، ودار بينها وبينه مراسلات ثمَّ شرح الله صدرها للإسلام في سنة (1381هـ ــ 1961م) فذهبت إلى إمام مسجد بروكلين بنيويورك وسمت نفسها "مريم جميلة" وقد تعرضت بعد ذلك لمضايقات ورفض الكل تعيينها لما عرفوا أنها يهودية فأسلمت فيممت شطرها إلى باكستان واتصلت بالأستاذ المودودى واسكنها فى بيته سنتين، وعرضت عليه الزواج فاعتذر، وتزوجت من محمد يوسف خان وعاشت في «لاهور» من سنة 1383هـ/ 1963م إلى أن أخذ الله روحها في يوم الأربعاء 31 أكتوبر 2012م..
كذلك رد على الكاتب الهندى سلمان رشدى فى دراسة قيمة بعنوان "الآيات الشيطانية الظاهرة والتفسير" بعد أن قرأ الرواية قراءة متأنية، وقد استفاد منها كل من كتب عن سلمان رشدى فيما بعد..
وقد انتقد الدكتور الأدباء العرب الذين جلهم من العلمانيين الذين يخاصمون التصور الإسلامى ويهاجمونه طوال الوقت، حينما تناولوا المرأة فى كتاباتهم وأدبياتهم فأظهروا النموذج السىء والمنحط فى المجتمع.. فالمرأة المشهورة عندهم هي المرأة اللعوب المنحرفة أخلاقيا التي لا هم لها إلا التقاط الرجال وإقامة العلاقات المحرمة المتعددة معهم هذه المرأة الغنية هي بطلة رواياتهم وأشعارهم ومسرحياتهم وأفلامهم، والعجيب أنهم يصورونها معذورة في ذلك ويضفون عليها مسحات أخلاقية كأن تساعد الثوار والوطنيين ولكن نفرا غير قليل من الأدباء ومعهم كتاب السيناريو والمؤرخون استهوتهم فكرة الراقصة فتسابقوا إلى التغني بمحاسنها ومكارم أخلاقها المهم أن الأدب عموما اهتم بالمرأة المنحرفة ولم يهتم بالمرأة العادية المجاهدة الشريفة وكيف تتغلب على مشكلات واقعها وهم في هذا كله لا هم لهم إلا قضايا الحب والغرام إما القضايا الحقيقية الواقعية التي تحتاج إلى جهد كبير لمعالجتها فيهربون منها إما لفقدان الملكة الأدبية وأما لاستسهال الأمر أو لفقدان الوجهة الإسلامية التي تعطي الأديب عمقا كبير في تناول أبعاد القضية وإذا تجرا أحد وكتب نصا فيه قيمة إسلامية انهال عليه أهل النقد والأدب والفن بالتجريح والتهكم والسخرية حتى لا يكررها مرة أخرى أو يقلده غيره ويفعلها.
وفى هذا يقول:"إن أهل الأدب في بلادنا الآن أصبحوا مفلسين وبضاعتهم مسجاة ومعهم أهل الفن الذين يحولون أعمالهم الأدبية إلى أفلام ومسلسلات إما تتهكم على الرمز الإسلامي أو تشوه الصورة والقيمة الإسلامية أو تروج للقيم العلمانية وللتحرر والتحلل الأخلاقي وكان الأجدر بهؤلاء التعلم مما ابتكره أهل الأدب والفن في إيران فقد بدءوا بعدنا بعشرات السنين ولكنهم أوجدوا أدبا وفنا متميزا يحصل على الجوائز العالمية حتى أنه لا يخلو مهرجان سينمائي عالمي من جائزة لفيلم إيراني فعلوا ذلك باحترام واحتشام ودون التطاول على الثوابت الإسلامية بل كانت العبقرية في علاج مشكلات الواقع والأفكار بسيطة لكنها جميلة..
أحد الأفلام التي حصلت على جائزة فيلم بطله طفل صغير يتبادل ملابسه مع اخوته لعدم استطاعة الأب شراء ملابس للجميع وكان حذاؤه قديما ومقطوعا وأعلنت المدرسة عن مسابقة رياضية والمركز الأول سيفوز بدراجة أما المركز الثاني فسيفوز بحذاء ويعيش صاحبنا الصغير أحلام البطولة فهو يريد الحصول على الحذاء ويتعب في التدريب ويخوض اختبارات المسابقة وتأتي النتيجة ومعها حصوله على المركز الأول والدراجة ولكنه يبكي ويحزن بشدة فهو لا يريد الدراجة ولكن يريد الحذاء الجديد حتى ترحل عنه المعاناة من جراء ارتداء الحذاء القديم المقطوع هذه القصة ليس فيها أي إسفاف ولم تظهر فيها النساء إلا أمه وأخته بشكل محترم ومع ذلك فالمعنى جميل وتغرس في نفوس الصغار معاني جميلة ولهذا استحقت القصة جائزة أما عندنا فلا تحصل على جوائز لان أدبنا وإعلامنا لا يركز إلا على الأدب الرخيص والغرب عنده منه الكثير لذلك لا يهتم به".
قالوا عن الدكتور محمد يحيى :
الدكتور حلمى محمد القاعود:
"محمد يحيى عالم جليل وأستاذ كبير، خدم العلم والمعرفة والإسلام في تؤدة وهدوء وإخلاص، وكانت ظروفه الصعبة دافعا لإصراره على أداء رسالته أستاذا للأدب الإنجليزي في كلية الآداب جامعة القاهرة، ومؤلفا في مجال تخصصه الأدبي والقضايا العلمية، ومدافعا صلبا عن قضايا الإسلام بدأب وشجاعة . للأسف الشديد لم تتح لى فرصة اللقاء به في حياته، ولكني تابعت كتاباته دفاعا عن الإسلام في مجلة المختار الإسلامي ومجلة الاعتصام وغيرهما من المجلات والصحف الإسلامية، وهي كتابات لا تتوقف عند صورة الأحداث الخارجية التي تشغل كثيرا من الكتاب والمحللين، ولكنه يبحث فيما وراءها وفي أعماقها ليكتشف العناصر أو العوامل الحقيقية في تحريكها وصناعتها . لقد كشف كثيرا من الحقائق حول ما يجري للمسلمين داخل مصر وخارجها ، ولهذا استُبْعد - مثل نظرائه - من المشهد الثقافي، مع أنه يمتلك الكفاءة العلمية والقدرة الأدبية والأداء المنطقي المقنع . حدثني عنه الأستاذ محمد عبد الله السمان بتقدير واحترام كبيرين، ولعله هو الذي استدعاه للكتابة في المجلات والصحف الإسلامية بحكم اقترابه منه. للأسف لم أعلم بوفاته إلا بعد فترة، وربما لا يعلم كثيرون في الحقل الإسلامي بهذه الوفاة لأن الإعلام السائد لا يهتم إلا بالمعادين للإسلام والمرتزقة وأشباه الفنانين، ولا يهتم أبدا بعظماء مصر الحقيقيين، ولا يعنيه أمرهم. رحم الله محمد يحيي وجعله في الفردوس الأعلى وأثابه على ما قدم للإسلام والمسلمين".
الدكتور خالد فهمى:
"انتقل إلى رحمة الله تعالى واحد من أعظم النفوس والعقول المنتمية للثقافة العربية الإسلامية ،كان من القليل الذي فهم أن التخصص في أدب لغة أجنبية وحضارتها وفكر مفكريها في الجامعات المصرية إنما هو لخمة مقدرات ثقافة الأمة، لا لضرب هذه الثقافة والتعالي على رموزها.
مات الدكتور محمد يحيى أستاذ الأب الإنجليزي الذي كان عقله صارم الوجهة في خدمة السماء، وظلت الزاوية التي كان يطل على جمهور القارئين منها في المجلات الإسلامية شاهدا على أقرره بحقه.
رحم الله الفقيد النبيل ، وأسبغ عليه من رحماته!".