برهان الدّين العبّوشي

برهان الدّين العبّوشي

(1330–1415هـ) (1911–1995م)

حسني جرار

تقديم

برهان الدين العبوشي .. مجاهد وأديب وشاعر .. من رجالات فلسطين ، ومن رموزها الوطنية التي ناضلت وخدمت القضية الفلسطينية .. كان فارس سِنان وبيان.. دافع عن بلده بيده ولسانه ..

وما زال أبناء جنين الذين عاصروا شبابه وجهاده يردّدون قوله :

من كان يطمع في الخلود         ففي فلسطين الخلودْ

في  قلبها   سكن  الشهيد        وبالشّهيد  غداً  تعودْ

حياته ونشاطه

ولد برهان الدّين بن حسن بن قاسم العبوشي في مدينة جنين عام 1911م ، وتلقّى دراسته الابتدائية في مدارس جنين .. ودرس المرحلة الثانوية في كلية النجاح الوطنية بنابلس .. ثم توجه إلى لبنان في عام 1931 ، وأكمل دراسته الثانوية في الكلية الوطنية في الشويفات .. وكان في أثناء دراسته بكلية النجاح الوطنية يشارك في النشاطات الثقافية والحركات الطلابية . وكان زملاؤه يقدرونه ويحترمونه لما عُرف عنه من روح وطنية وثّابة وطموح لتحقيق آمال شعبه .. لذلك كان حاضراً في كل مناسبة تستدعي الحركة والنشاط .

إلتحق برهان بالجامعة الأمريكية ببيروت في عام 1933م .. وبسبب مواقفه الوطنية فإنه لم يتمكن من إكمال دراسته الجامعية فيها إثر صدور قرار فصله منها من قِبل إدارة الجامعة في مطلع السنة الثانية من دراسته .. فعاد إلى فلسطين وعمل موظفاً في البنك الزراعي العربي ( بنك الأمة العربية ) الذي كان يرأسه أحمد حلمي باشا .. فعمل في طبريا ثم نقل إلى القدس .. وأسهم في الحركة الوطنية الفلسطينية ، فكان من جماعة ( المفتي ) الحاج أمين الحسيني ، ومن المناصرين للشهيد عز الدين القسّام .. وبعد عودته من بيروت انصرف إلى المطالعة حيث كان ميالاً إلى الأدب مما جعله يعيش حياة الشعراء من حيث التمرّد على الواقع المهزوم وعدم الرضوخ للغاصبين المحتلين .وكان له نشاط في حيفا مركز النشاط العمالي في ذلك الوقت .. وشارك في ثورة 1936 ، وقام بحملة توعية في قرى فلسطين ضد البريطانيين والهجرة اليهودية إلى فلسطين .. فاعتقل في القدس ، ونفي إلى منطقة عوجا الحفير على حدود سيناء ، ثم نقل إلى معتقل صرفند ، ولما بلغت مدة اعتقاله ستة أشهر أُطلق سراحه ، ثم اعتقل ثانية وأودع في معتقل المزرعة قرب عكا لمدة عشرة أشهر .. وبعد إخلاء سبيله هاجر إلى بيروت ، ثم إلى دمشق ومنها إلى بغداد .. وعمل مدرساً بمدارس العراق من عام 1939 إلى عام 1941 . واشترك في ثورة رشيد عالي الكيلاني ضد البريطانيين عام 1941م .. وبعد فشل الثورة وصدور أمر بإلقاء القبض عليه ، توجه إلى الموصل ، وتمّ تهريبه بواسطة العشائر البدوية إلى دمشق .. ثم عاد إلى مسقط رأسه جنين .. وعاد إلى العمل في البنك الزراعي العربي في حيفا ثم في جنين .. وفي حيفا عُيّن أميناً للسّر في مقر جميعة الشبان المسلمين .. وأسهم في مشروع صندوق الأمة العربية بتوعية الفلاح الفلسطيني بالحفاظ على أرضه أمام جميع المغريات الصهيونية التي استهدفت استلاب الأرض بشتى الوسائل ... ولما كانت حيفا مسرحاً لحوادث كثيرة ، فقد كان لبرهان الدين نشاط كبير ، وخاصة أنه من الخطباء المعروفين في المظاهرات والمناسبات الوطنية بالإضافة إلى أنه كان خطيباً موهوباً يتمتع بصوت قوي ونبرة حادة وأداء خطابي جيد .. وفي سنة 1945 سافر إلى القاهرة مع الكشافة الإسلامية لشرح قضية فلسطين .. وشارك في معركة جنين عام 1948 م مع المجاهدين الفلسطينيين ..

ولما توقف القتال في فلسطين ، وانسحبت منها الجيوش العربية ، أُصيب برهان الدين بالإحباط ، وهاجر إلى بغداد سنة 1949م ، وعمل مدرساً للغة العربية..وتنقّل في مدن العراق المختلفة كالعمارة وسامراء والحلّة والديوانية والنجف الأشرف ، واستقرّ به المقام أخيراً في بغداد حيث أُحيل إلى التقاعد من الثانوية المركزية عام 1972م بعد أن مكث فيها قرابة ثلاث عشرة سنة ..

وكان بعض أصحابه من وجهاء العراق من رجالات السياسة الوطنيين قد بذلوا جهوداً لمنحه الجنسية العراقية ، فحصل عليها في عام 1951م ..

وفي عام 1952 م تزوج من فتاة عراقية من عائلة آل الحافظ في مدينة الموصل ، ورزقه الله ولدين هما " سماك وحسن " .

وقد شارك شاعرنا في العديد من مؤتمرات الأدباء والكتّاب العرب في بغداد والقاهرة وغزّة ، وألقى خلالها قصائد شعرية خاصة بتلك المؤتمرات .. وكان شعره يُدرّس في كلية الآداب بجامعة بغداد .

وفي عام 1991م مُنِحَ وسام القدس للآداب والفنون من قبل السلطة الفلسطينية حيث قلّده الوسام الرئيس ياسر عرفات بحضور وكلاء وزارة الثقافة العراقية وعدد من رجالات الثقافة والأدب العراقيين والفلسطينيين في بغداد .

جهاده

كان برهان الدين فتى صغيراً لم يجاوز السابعة من عمره عندما قام الانجليز – بعد الحرب العالمية الأولى – باحتلال فلسطين .. ثم كان غلاماً يافعاً عندما بدأت الاضطرابات سنة 1922 ، و1924 ، و 1927م .. وكانت هذه مقدّمات للمقاومة التي بدأها الشعب الفلسطيني ضد الخطر المحدق وضد سياسات الانجليز التي بدأ يتضح أنها تعمل على تنفيذ وعد بلفور بكل الطرق والأساليب لترسيخ الكيان الصهيوني الجديد في فلسطين ..

لقد تفتحت مدارك برهان على الدّنيا مع هبوب المشاكل على وطنه ودفق الخطوب على شعبه ، فكان يحسّ بما يجري حوله ويشارك فيه .. وقد ظهرت لديه مواقف وطنية وهو في المرحلة الابتدائية من دراسته .. فقد روى رفاق طفولته بأن برهان قاد مظاهرة طلابية وهو في الصف السادس الابتدائي وذلك سنة 1922م ، مما جعل السلطات البريطانية تعتقله وتقدمه للمحاكمة ، إلا أنه أُفرج عنه بسبب صغر سنه ولكونه لا يزال قاصراً .. ولكنه لم يهدأ وظلّ يتفاعل مع الأحداث التي كانت تتتابع وكان يشارك فيها بنشاط وافر .

ولما أصبح برهان الدين شابّاً كان وطنياً من جماعة المفتي الحاج أمين الحسيني.. ولم يكن يتردد في إظهار مواقفه الوطنية كلما لاحت له فرصة أو مناسبة.. وفي غمرة الأحداث كان في الحرم القدسي يوم جمعة ، وبعد صلاة الجمعة قام بتحريض المصلين ضد الاحتلال البريطاني وتآمره على فلسطين .. ورددت الجماهير الشعار الخالد :الله أكبر !! الله أكبر !! ولم يكن برهان يهدف من تحريضه مجرد التفريغ العاطفي وأن يقتصر الترديد على جنبات الأقصى وساحاته .. ولذلك هتف بهم صائحاً: الله أكبر في الجبال وليس هنا في الساحات والميادين .. وكان برهان من رفاق القائد الشهيد عبد القادر الحسيني ، الذي لم يخذله في هذه الحادثة، ولم يتركه فريسة سهلة للانجليز الذين حاولوا اعتقاله .. إذ أخذه عبد القادر إلى بيته بعد أن سلك به طريقاً بعيداً عن أنظار الانجليز وعيونهم .. ثم قام بإخفائه أياماً حتى ضلّل الانجليز وكفّوا عن التفتيش عنه ثم أخرجه من القدس آمناً.. وكان ذلك أثناء عمله في بنك الأمة في القدس ..

وكان برهان الدين من المناصرين للشهيد عز الدين القسّام .. وكان من الشباب الذين شاركوا في ثورة 1936 م وكان لهم حضور في الساحة الفلسطينية ، فقد قام برهان بحملة توعية في قرى فلسطين ضد البريطانيين ، والهجرة اليهودية إلى فلسطين .. فاعتقل في القدس ، ونفي إلى منطقة عوجا الحفير على حدود سيناء ، ثم نقل إلى معتقل صرفند ، ولما بلغت مدة اعتقاله ستة أشهر أُطلق سراحه ..

ولما قام القسّاميون في يوم 26/9/1937 باغتيال " أندروز " الحاكم البريطاني الذي قدّم للصهيونية خدمات كبيرة وأمعن في اضطهاد العرب ، وضاعف جهوده لتنفيذ قرار التقسيم .. اعتقُل برهان ثانية وأودع في معتقل المزرعة قرب عكا لمدة عشرة أشهر .. وبعد إخلاء سبيله هاجر إلى بيروت ، ثم إلى دمشق ومنها إلى بغداد ، وعمل مدرّساً في العراق .

وكان عدد من الفلسطينيين قد ذهبوا إلى العراق على إثر انتهاء الثورة الفلسطينية ، ثم إنهم أخذوا يتدربون على أساليب القتال الحديثة ، وكان منهم المرحوم عبد القادر الحسيني ، والشاعر عبد الرحيم محمود .. وكان برهان واحداً منهم ، فقد كانوا إخوة جهاد تجمعهم آمال وتوحدهم آلام شعب تآمر عليه البريطانيون واليهود .

وعندما قام رشيد عالي الكيلاني بثورته عام 1941م انضم نفر كبير من هؤلاء الشباب إلى ثورته وساندوها وأيدوها .. وقد جرح برهان الدين في تلك الأحداث في معركة (صدر أبو غريب ) . ولما تم القضاء على الثورة تشردوا ، وهرب برهان إلى سورية عن طريق الموصل ثم حلب ودمشق وإربد ، وتسلّل إلى فلسطين وعاد إلى أهله وذويه في جنين ، وعمل ثانية في بنك الأمة .

وكانت ملامح المؤامرة على فلسطين قد بدأت تتضح ، وأخذت أهدافها تتبلور، وصار واقعها يترسخ .. ولذلك تصاعدت المقاومة الفلسطينية ، وانخرطت كل فئات الشعب في رفض هذه المخططات التي كانت تهدف إلى تهويد فلسطين وزرع الكيان الصهيوني فيها .. ولكن المخطط كان أكبر من طاقة الشعب الفلسطيني ، وكانت المؤامرة أكبر من قدراتهم المتواضعة وإمكاناتهم المحدودة ..

وفي عام 1948 كانت بريطانيا قد انتهت من التمكين لليهود ، ومن تهيئة الظروف لإعلان دولتهم .. فأعلنت أنها ستسحب قواتها من فلسطين .. وفي تلك الفترة قامت الدول العربية بإرسال عدد من قواتها إلى فلسطين .. والتحق برهان بجيش الإنقاذ وقاتل معهم ضد اليهود ، وتعاون مع الجيش العراقي ، وشارك في معركة جنين مع المجاهدين الفلسطينيين .. وكان له دور جهادي مشكور ..

ولما بدأت القوات البريطانية تنسحب من فلسطين ، وتُسلم مواقعها للعصابات الصهيونية .. بدأ برهان الدين مع رفاقه في جنين يستعدون للدفاع عن مدينتهم .. وفي تلك الفترة بدأت القوات اليهودية تهاجم المدن الفلسطينية وتحتل القرى .. وعندما هاجم اليهود مدينة جنين بتاريخ 3 / 6 / 1948 ، كان برهان ورفاقه في الجهة الشرقية الشمالية ضمن مجموعات أخرى من المناضلين الذين قدموا من القرى للدفاع عن مدينة جنين .. وثبت الشباب على قلة عددهم وعتادهم – أمام القوات الغازية ، واستشهد عدد منهم وجُرح آخرون .. وأصيب برهان بجرح بالغ في كتفه ، ونقل إلى المستشفى الوطني في نابلس للعلاج .

ولما قام الفلسطينيون والعراقيون بهجوم على القوات اليهودية التي كانت تتمركز في القرى التي استولت عليها شمال وشرق جنين ، شارك برهان في تلك المعارك ، كما شارك من قبل في الهجوم على المستعمرات في مرج ابن عامر .

وفاته في بغداد .. وتكريمه في جنين

توفي برهان الدين وانتقل إلى جوار ربّه بتاريخ 8/2/1995م ، ودفن في مقبرة الشيخ معروف في الكرخ – بغداد .. وحزن عليه أهل جنين لأنه مات في ديار الغربة بعيداً عن وطنه الذي أحبه وناضل من أجله . ولم تكتب له الشهادة فيه وكان يتمناها، ولكنه مات في بلد الرشيد حيث انتقل إلى هناك بعد نكبة 1948م .. وقد نعاه أبناء جنين وأبّنوه وكتبوا عنه وفاءً له ولذكراه ، وكتبوا عن نشاطه وجهاده ودفاعه عن وطنه .. وتحدّثوا عن أدبه وأشعاره التي ما زالوا يردّدونها ويحفظون الكثير منها ..

كتب عنه الشاعر المعروف ، خالد النصرة في صحيفة النهار فقال :

" انتقل المرحوم برهان الدين العبوشي إلى الرفيق الأعلى في ديار الغربة في بلاد الرافدين بعيداً عن مسقط رأسه جنين وعن مرج ابن عامر ، وبعيداً عن جسر خرّوبة وطريق عين نينية ومطارح الشباب أيام كان يجوب تلك المواقع والرّبوع والمروج ساهماً مفكّراً ..

لقد أخذته الغربة قبل نحو خمس وأربعين سنة .. حملته من مروج جنين وجبالها إلى ربوع بغداد ومغانيها وهو في رونق الرجولة وأوج العافية ، وها هي الأنباء تحّمل إلينا نبأ وفاته .. ثم رثاه فقال :

لا توقظوه فقد  قضى  برهان         وتلفّتت    لضريحه   الأوطان

أودى  غريباً  لم  يفز  بعناقه         وطن الشهيد ولا التقى الإخوان

جفّت على فمه أغاريد الهوى         والذكريات    وماتت   الألحان

وكتب عنه الأستاذ ياسين السعدي مقالاً بعنوان " شاعر من بلدي " ، في جريدة القدس في 23/2/1995م .. وكان مما قاله :

" بعد توقف القتال في فلسطين عام 1948 ، وانسحاب الجيوش العربية ، لم يتحمل برهان الدين هذا الموقف وأصيب بإحباط كبير ، وهاجر إلى بغداد سنة 1949م .. وهناك عمل في التعليم حيث كانت مؤهلاته تسمح له بمثل هذا العمل .. وكان يزور جنين في أوقات متباعدة .. وتوقف عن الزيارة عام 1958 م عندما حصل انقلاب في العراق ، وألقى قصيدة من إذاعة بغداد يمجّد فيها ثورة 14 تموز 1958، مما أثار حفيظة الأردن عليه ، ولما استقرت الأمور بين عمان وبغداد عام 1964م واصل برهان زياراته ، وزار والديه في جنين عام 1965م بعد انقطاع دام ست سنوات متواصلة ..

وبعد سقوط ما تبقى من فلسطين لم يستطع الحضور لأن السلطات الإسرائيلية كانت ترفض منحه تصريح زيارة مما ألهب مشاعر الحنين والشوق عنده إلى مدينته وأهله . وقد روى أحد حجاج مدينة جنين أنه التقى برهان الدين في الحج في منتصف السبعينات وكان يطوف ويسأل عن أهل جنين وعن أهله وذويه ليطمئن عليهم جيمعاً.. وكان كلما التقى واحداً منهم يستقبله بالدموع وهو في قمة التأثر والإنفعال . وعندما أدى فريضة الحج للمرة الثانية في عام 1981م إلتقى بعض أهل جنين في المدينة المنورة ، وكان نفس الموقف السابق من الانفعال لذكر جنين وذكر أهله ومعارفه وأصدقائه .. وأخيراً مات برهان بعيداً عن أهله ووطنه ، كما عاش غريباً عنهم " .

وكتب عنه الأستاذ مخلص محجوب ، في إحدى مقالاته عن مدينة جنين ، نبذة طلب فيها من وزارة التربية والتعليم الفلسطينية أن تطلق اسم الشاعر " برهان الدين " على إحدى مدارس مدينة جنين تخليداً لذكراه .

وكتب عنه الأديب الأستاذ أحمد الجدع في كتابه القيّم " معجم الأدباء الإسلاميين المعاصرين " .

وكتبتُ عنه في الموسوعة الفلسطينية ( المعدلة ) في عام 2001 و 2002 ، باعتباره أحد رموز الحركة الوطنية الفلسطينية .

وفي ذكرى وفاته أقامت وزارة الثقافة الفلسطينية بتاريخ 8/2/2004 حفلاً تكريمياً تخليداً لذكرى الشاعر برهان الدين .. حضره جمع غفير من أبناء مدينة جنين .. وألقى فيه المحامي أديب العبوشي كلمة نيابة عن الأهل ، ذكر فيها نبذة عن حياة الشاعر وعن نشاطه وجهاده ..

الأعمال الأدبية للشاعر برهان الدين

ترك لنا برهان الدين مجموعة قيّمة من الكتب والمسرحيات الشعرية .. فقد صدر له في فلسطين كتابان وهما عبارة عن مسرحيتين شعريتين بالفصحى هما :

1- مسرحية " وطن الشهيد " .. صدرت في القدس عن المطبعة الاقتصادية عام 1947 م .. حيث واكبت قرار التقسيم وبداية رحلة العذاب والتشرّد الطويلة .. وتقع هذه المسرحية في 86 صفحة من القطع المتوسط ، وقد أهدى تلك المسرحية إلى شهداء فلسطين فقال :

أهدي الكتاب إلى الشهيد فخير ما         يُهدى إلى رجل الجهاد كتابُ

قد  رُمْتُ   أهديه   المكارم  كلها        فإذا  بها  من  فيضه تنساب!!

2- مسرحية " شبح الأندلس " .. صدرت في بيروت عام 1949 م ، عن مطبعة دار الكشاف .. صدرت والجراح عاديات نوازف .. وفصول النكبة ماثلة للعيان ، وشبح فلسطين يومذاك يعانق شبح الأندلس فتمتزج دموع الشبحين .. وقد تحدّث في هذه المسرحية عن الصراع حول فلسطين منذ حرب 1948 حتى الهدنة وانسحاب الجيش العراقي .. وركّز فيها على معركة جنين .. وفي آخر المسرحية سجّل قصيدة الضابط العراقي المقدّم محمود شيت خطاب ، والتي ألقاها أمام الجماهير في جنين ، يوم الاحتفال بالنصب التذكاري لشهداء معركة جنين ، وذلك قبل انسحاب الجيش العراقي من جنين .. وكان مطلع القصيدة :

هذي قُبورُ الخالدين فقد قَضَوْا        شُهداءَ حتى يُنقذوا الأوطانا

أما بقية كتبه فقد صدرت في العراق وهي :

3- عرب القادسية .. مسرحية شعرية ، صدرت في بغداد عام 1951م .

4- جبل النار .. ديوان شعر ، صدر في بغداد عام 1956م .

5- النيازك .. ديوان شعر ، صدر في بغداد عام 1967م .

6- الفداء .. مسرحية شعرية ، صدرت في بغداد عام 1968 م .

7- إلى متى .. ديوان شعر ، صدر في بغداد عام 1972م .

8- جنود السّماء .. ديوان شعر ، انتهى من كتابته عام 1974م ، وصدر في الكويت عام 1985م ، عن لجنة إحياء التراث الأدبي الفلسطيني .

 9- مذكرات شخصية نثرية ، بعنوان :

من السّفح إلى الوادي        ألبّي صوت أجدادي

صدرت في بغداد عام 1980م .

شعره

برهان الدين أديبٌ عَمَرَ الإيمان قلبه ، وحرّك مشاعره ، وهذّب وجدانه .. وشاعرٌ حمل بين جنبيه حسّاً مرهفاً وشاعريّة فيّاضة ، رفَدَها بالاطّلاع الواسع والثقافة الدينية الممتزجة بالشعور الوطني الزاخر بحب الوطن .. أديبٌ عشق الشّعر وبرع في نظمه ، وساعده على ذلك أدوات توفّرت له من موهبة فطرية ، ولغة سليمة، وظروف مواتية تأجّجت فيها المشاعر الوطنية .. فهو ابن ثورة عام 1936 م ، عاشها شابّاً ، ورافق إضراب الأشهر السّتة .. وهو ابن النشأة السليمة وأيام الخير والبركة التي فتح عليها عينيه ..

من يطّلع على شعره ، يجد شعراً راقياً ، وأسلوباً متميزاً ، فيه من الجزالة والجمال ما يمتع النفس ، ويغذي القلب ، ويهزّ الوجدان .. فشعره أدب موجّه لخدمة الإسلام والدفاع عن الوطن .. وقد استطاع من خلاله أن ينمّي الإحساس بالوطن وبالقيم الدينية ، وأن يسّجل جهاد شعبه بكلمات مضيئة وعواطف نبيلة ..

وقد نظم برهان شعراً رائعاً معبّراً ، في أكثر الأغراض الشعرية المعروفة ، وخاصة الوطنية منها وكان لفلسطين وطن الشاعر النصيب الأوفى من شعره ، وكان للنكبات التي حلّت بفلسطين أثر واضح على حياته الشعرية ، ولهذا فقد استأثرت قضيتها بمشاعره وأحاسيسه ، وسيطرت على فكره ووجّهت شعره ، فكان الإحساس بالنكبة لديه إحساساً كبيراً .

لقد سّجل بشعره ما عانته فلسطين السليبة من ظلم وجور ومؤامرات ، ووصف ما أعقب ذلك من نزوح وتشريد ، فكان يترجم الواقع وينقل المأساة بإحساس صادق وشعور بالمسؤولية .. وهو من خلال نظمه لم ينقل همّه فحسب ، وإنما كان لسان حال أبناء شعبه ..

فعندما طلب الإنجليز من عرب فلسطين أن يُحالفوهم في الحرب العالمية الثانية بعد أن نكّلوا بهم أثناء ثورة سنة 1936م ، وشردوهم وظاهروا اليهود عليهم.. فردّ برهان الدين على طلب الإنجليز بقصيدة عنوانها " لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين " قال فيها([1]) :

أرْهـقـتُـمـونا  وقرّبتمْ iiمنايانا
لـم  تتركوا فوقها أُنثى ولا iiذَكَرّاً
ولـم تُراعوا لأهل الدّين iiحُرْمتهم
زاحـمـتمُ الله في الدُّنيا iiفقوَّضكم
وصـاح  فـيكم فأشقاكم iiوشرّدكم




والـيـومَ تبغوننا ننسى iiضحايانا
إلاّ  قـتـلـتـم له أهلاً iiوأخدانا
بـل  انتبذتم وراءَ الجورِ iiصبيانا
وزلـزل  الأرض حيتاناً iiوعقبانا
وضاقت الأرض فيكم من خطايانا

ومنها قوله :

أبَـعْـدَمـا بِعْتُمُ صُهْيونَ حُرْمَتَنا
لا كانت العرب إنْ مدّت لكم يدها
إن  كـان لا بُدّ أنْ تبقى iiمواطننا


وعِـرْضَنا تبتغون العرب iiإخوانا
بـغـير  سيفٍ تجلّت فيه أحزانا
مـستعمرات  فإنّ الموت قدْ iiهانا

ولهذا فقد وقف برهان كثيراً من شعره على المجاهدين في فلسطين ، يشيد ببطولاتهم ، ويشدُّ على أيديهم ، ويرثي شهداءهم ، ويدعو لنصرتهم .. ففي عام 1936 عندما وصل إلى فلسطين القائد المجاهد سعيد العاص مع مجموعة من إخوانه من حماة .. وتوجهوا إلى جبال الخليل ، وخاضوا معارك بطولية ضد الانجليز ، واستشهد القائد سعيد العاص .. فحيّاه برهان ، ورثاه بقصيدة ، فقال على لسانه([2]):

يا  جبال  الخليل حيّاك ربّي        أنتِ  للأسد  معقلٌ ومهادُ

لم  تزل  فوقك الكرامة تبدو        فعسى مجدكِ  القديم يُعاد!

قد وقفنا لكِ النفوس رخاصاً        ودعانا لكِ الهوى والجهاد

وذكر في مسرحية وطن الشهيد أسماء بعض المجاهدين في تلك الفترة فقال :

يـعـيشون كالآساد بين iiهضابها
هـذا  أبـو نعواش حامي iiظعنه
ولـيـوسـف  عليان نجم iiطالعٌ
انظر لعيسى التعمري وقد استوى
وانـظر  إلى البطاط في iiربواتها




ولـجـمعهم  ترتاح عين iiالناظر
وأبـو جـراد ذو الجبين iiالزاهر
يـغشى  الأعادي بالسّلاح iiالباتر
فـوق الرُّبى مثل الملاك iiالطاهر
يـرمي الأعادي كالهزبر iiالكاسر

وكان برهان يعتز بالجهاد وبمقاومة قوات الاحتلال .. ومن ذلك قصيدته التي يقول فيها([3]) :

نُغامرُ لا نرضى سوى المجد موطنا
وقـفـنـا لـه قـلباً حديداً iiوأنفُساً
لـنـا حـقّـنا الوضّاح لسنا iiنبيعه


ولـسنا نُبالي إن نأى الموتُ أو iiدنا
تـحـطّم في أرجائها الموت iiوالفنا
وكـيف  يبيعُ الحقّ من كان iiمؤمنا

وكان برهان في شعره حرباً على المتآمرين والخونة والمتخاذلين .. ولمّا باع آل سرسق – وهم أسرة لبنانية - أرضهم في مرج ابن عامر إلى اليهود ، ثار برهان لكرامة هذا المرج الذي شهدت أرضه معارك تاريخية فاصلة ، في مقدّمتها معركة عين جالوت التي هُزم فيها التتار أمام المسلمين ، ومعركة المرج التي هُزم فيها كليبر أمام أبطال جبل النار ، كما شهدت غيرها من المعارك .. ونظم قصيدة بعنوان : "المرجُ الحزين " ، قال فيها ([4]):

مرج ابن عامر باعت مجدك iiالعربُ
قد كُنتَ في الأمس فخراً من مفاخرنا
يـبـيـعُـهُ  العُربُ لا قلبٌ iiلبائعه
يـا مـرجُ مـالَكَ تجري فيك iiقافلة
يـا  أُمّـة الـبيد يا أهل العراق iiأيا
أكـلّـمـا صاح فيكم صائح iiوقرَتْ





واسـتأسد  الغرب والشرقيّ يحتربُ
وسـاحـة  فيكَ يجري العزُّ والغَلَبُ
وإنّـمـا هـمُّـه أن يُـكْنَزَ iiالذّهبُ
مـن الـشّـقـاء وذا واديك ينتحب
أهـل  الـشام إلى مَ اللّهو iiواللّعب!
آذانـكـم..إنـفـروا فالمجدُ iiيُستلب

ولما قاربت بريطانيا على إنهاء مهمتها في فلسطين بعد أن مكّنت لليهود وهيّأت وضع البلاد لإقامة دولة لهم .. بينما كان العرب في تلك الفترة يغطّون في سبات عميق ويحيون حياة لا تسرُّ صديق .. نظم برهان أبياتاً في مسرحية " وطن الشهيد" يخاطب فيها نفسه فيقول :

عُدنا إلى طبع الوحوش
فـليسعد  iiالمستعمرون
سيري فصدر الله iiأفسح
عـيـشي وموتي iiحُرّة



إذن عـلى الدّنيا iiالعفاء
ونـحن  نندب iiكالنّساء
من صدور ذوي iiالثّراء
فـالـحرُّ عِزّته iiالوفاء

وبعد حرب 1948م والتي كان فيها اليهود يمتلكون أحدث الأسلحة التي انهالت عليهم في الدول الغربية ، بينما لم يكن أبناء فلسطين يمتلكون سوى بنادق قديمة معظمها ليس له ذخيرة .. وبعد فرض الهدنة ووقف القتال ، نظم شاعرنا أبياتاً في مسرحية " شبح الأندلس " قال فيها :

أخي  ما ينفع iiالصّمصا
فهذا العصرُ عصرُ iiالمد
وفـيـه  ذرّة iiتـكـفي
فـهـيءّ  جـيلك iiالذرّ
مشى  الغربيُّ في iiركبٍ
ولـو سـرنا على iiنورٍ





مُ عند الطعن iiوالضربِ
فـعِ الـرّشاشِ iiوالكتبِ
لحرق الأرض والسّحب
يّ  تبلغ مرتقى iiالشّهب
وسـرنا نحنُ في iiركبِ
لَـسُـدنـا  أمّةَ iiالغرب

فلا  تعذلوني  إذا ما جُننتُ        لأنّي   غدوتُ   بدون  صواب!

لقد نسفوا البيوت ودمّروها         وما وجدوا هناك فتى رشيدا

وفي مكان آخر قال :

الذنب    ذنبُ    العرب    كُلّهمو        فلا تنسوا خلافهمو الطويل المزدرى

وله أبيات متفرّقة من " شبح الأندلس " فيها عظة وبها عبرة ، قال :

جثمتْ على صدري مصائب أمتي
حـاولـتُ أقـذفـه فـناء iiبكلكلٍ
فـعجزتُ  عنه ولم أجد من iiحيلة


وكـأنـهـا جبلٌ هوى من iiشاهق
وطـفـقـتُ أنحته بمعول iiحاذق
فرثيت  نفسي واستجرتُ iiبخالقي!
سرى الرّكب مشتاقاً يحنّ إلى مصر
يـعـبّـر  عـن آمـالـه iiبشبابه
إلـى  بـلدٍ فاضت أياد يه بالند iiى
فـهـل عـندكم يا أهل مصر iiبقيّةٌ
فـإن تسلمي يا مصر فالشرق iiسالمٌ
وإن  تـدعـنـا يا نيل للرّوع iiنأته
نـمـوت  ونـحـيا والأخوّةُ iiديننا






يـزفّ  سـلام القدس للبلد iiالنَّضرِ
ويـرفـعُ  آيَ الـشكر للسّادة الغُرّ
على أمّة شادت فساد ت على iiالدّهر
تـبـدّل ذلّ الـقدس بالعزّ iiواليسر
وإن تـنفري ننفر إليك على iiضمر
جـنـوداً  فـإنّ الشَّرَّ يقرعُ iiبالشّرِّ
ونـهـتفُ بالتوحيد حتى من iiالقبرِ

في البكورْ
يستجيرْ


أمّتي
فاثْبتي

 



أنصر المؤمنينْ
من أذى العابثينْ


أبشري لن يسودْ
إقصفي يا رعودْ
وازحفوا يا جنودْ

 

في حِمَى الكعبةِ
أمّتي أمتي


قد تولّى الغريبْ
للزمان المريبْ

 



واحفظ المسلمينْ
يا إلهي الرّحيمْ


في حِمانا اليهودْ
واخفقي يا بنودْ
واستعيد وا القد يمْ

 

طاف نورْ
يا غفورْ


قبلتي
أُثْبُتي

 

وطرق برهان في شعره موضوعاً تفرّد به .. فقد نظم قصيدة طويلة بعنوان "الفرقان " . اقتبس أبياتها من سُوَر القرآن الكريم كلّها ، ووضع اسم كل سورة عنوناً لبيت أو أبيات شعرية اقتبسها من السورة .. والقصيدة مليئة بالحِكَم والمواعظ والتعاليم الإسلامية التي وردت في سور القرآن الكريم .. وهو بهذه القصيدة يدعو جميع المسلمين إلى الإقبال على تلاوة القرآن الكريم ، تلاوة فهمٍ وتفكّرٍ وتدبُّرٍ والتزام.. وفيما يلي مقتطفات من هذه القصيدة ([6]):

الفُرقان

إلـه  العرش يا من مدّ iiبحراً
خلقت الكون من عدمٍ فأضحى
وهـيّأتَ الثّرى رزقاً iiومأوى


من  الغفران أرجو منك iiغفرا
بـفـضل يديك آلاءاً iiوسحرا
وللأخرى جعلتَ الرزق iiأجرا

وأنزلتَ الكتابَ هدىً ونوراً        بفاتحة تزيد القلب بِشرا

آل عمران

وكانت آل عمرانٍ وفاءً        تمدُّ نساءنا بِرّاً وطُهْرا

النساء

فآلاء النساء تجلّ فعلاً        وتمنح قلبنا حُبّاً وقَدْرا

الأعراف والأنفال

وللأعراف نورٌ أيّ نورٍ        يتمُّ بها سَنا الأنفال بَدْرا

هود ويوسُف

وحسبك عبرة أصحاب هودٍ        ويوسفُ إذ رماه ذووه مَكْرا

الرعد

ومن عجبٍ نرى رعداً يُدوّي        بتسبيحٍ ونسكتُ نحن كِبْرا

إبراهيم

ولـو  كـنّـا كـإبراهيم iiعقلاً
أقـام بـمـكّـة حيناً iiوأمضى
وفـي أرض (الخليل)ثوى iiنبياً
فـجـدُّ الأنـبـيـاءِ أبو iiأبينا
فـدع عـنك افتئات يهودِ iiشؤم




عـرفـنا  الله لم نعبده iiصخرا
بأرض القدس عمراً كان فخرى
نـعمتَ  أيا(خليلُ) حِمىً iiوقبرا
رسـولُ  الله مـجّـدَه وأطرى
فـلـيـسوا  منه إبراهيم iiيَبْرا

الإسراء

وليس لهم بقدس الله أرض        لنا المسرى ، بطه اللهُ أسرى

مريم

ومريم   حقها    فينا   فإنا        نُقدّس  طفلها  سِراً وجهرا

طه

وطاها  زارها  ودعى ولبّى        وعرّج في السماء وعادَ فجرا

الفتح

فـجـاهَدَ  ثمّ جاهدَ يوم iiفتحٍ
وكـان  له من الأبطال iiجيلٌ
وهـيمن  بعده الأبطال شرقاً
وجـاء بُعيدهم جيلٌ iiأضاعوا



فـكـان جـهاده للعزّ iiجِسْرا
غزا  العُزَّى بهم iiوأذلّ(نَسرا)
وغرباً  في فلسطين iiومِصرا
فذاقوا من ضياع الدين خُسْرا

البروج والطارق

يرى ذات البروج غدت لهيباً        وطارقها غدا نُتَفاً وذَرّا

القدر والبيّنة

فقم في ليلة القدر ابتهالاً        ببيّنة وإلاّ مُتَّ صِفْرا

الفلق والناس

أعـوذ  بـخالقٍ فلقاً iiصَبيحاً
مـن الـشيطان إنساناً iiوجنّاً
(فبرهان)  ليرجو الله iiنصرا
وأسـألـه تـعالى العفو عنّا



بـربّ الناس والأكوان iiطُرّا
مُـفَـرّق  أمّة الإسلام iiشَذْرا
على الأعدا ويرجو منه أجْرا
إذا مُـتـنا وعاد الكون iiقبرا

ولشاعرنا قصائد اجتماعية .. منها قصيدة طويلة بعنوان ( الحَيْمَنُ الإنسان ) ، نظمها في بغداد بتاريخ 25/3/1971م .. وأخذ معانيها من الآية الكريمة (فلينظر الإنسان مما خلقه)[ الطارق : الآية 5 ] .. هذه القصيدة فيها الكثير من التّفكّر في خلق الإنسان ، وفيها عرض لمراحل ومسيرة حياته ، منذ كان نطفة وحتى يعود إلى بطن الأرض .. قال فيها([7]) :

يا (حيمناً) سال من ظهر إلى iiرحم
قل لي أكنت زعيماً في الحشا ملكاً
أم  كـنت فيه جباناً لا تطيق iiفدى
*              *              ii*
ومُـذْ بـرزت تـلقّتك المنون يداً
وقمت  تَدْرُجُ فوق الأرض iiمُعْتَمِداً
وإن  غـدوت قويّاً رُحْتَ iiمُنْسجماً
كـمـا نسيت الذي سوّاك مُضغَتَهُ
غـداً  تعود لبطن الأرض iiتسألها








حـتى استقرّ على وهنٍ وفي وَخَمِ
أمْ كـنـت فـيه أميراً غير iiمُتَّهَمِ
أمْ  عالماً خاض بحر العلم iiوالحِكَمِ
*              *              ii*
فرحت  تصرخ يا مجنون مِنْ iiندم
على  الجدار وفيك الوهن مِنْ iiقِدَم
مع الغرورِ نسيتَ الماء في iiالرَّحِم
فَـرُحْتَ تكفر بالرحمن ذي iiالكرم
نـزلت  من رحم أشقى إلى iiرحم

قصائد مختارة من شعره

 1

 الوطن المبيع

فلسطين .. أرض وطن وعقيدة .. أرض طُهْر وقداسة ..

فلسطين .. أرض قادة ميامين .. وأجداد فاتحين ..

فلسطين .. أرض رباط منذ دخلها الإسلام وإلى يوم القيامة ..

هذه الأرض تعرّضت لكثير من مؤامرات الحاقدين وهجمات الطامعين ، في فترات الضعف والغفلة التي مرّت بالأمة الإسلامية .. فقد هاجمها الصليبيون في تسع حملات صليبية .. وهاجمها المغول والتتار .. وهاجمها الفرنسيون في نهاية القرن الثامن عشر ليستعمروها ويقيموا فيها دولة لليهود .. وطردوا جميعاً منها بعد معارك طاحنة قادها أبطال الإسلام ..

وفي أواخر القرن التاسع عشر تآمر عليها الصليبيون الجُدد واليهود والماسون ، ليقيموا فيها دولة لإسرائيل .. فبعد انعقاد المؤتمر الصهيوني الأول عام 1897م في مدينة بال في سويسرا ، حاول هيرتسل التأثير على السلطان عبد الحميد الثاني بغية استيطان اليهود في فلسطين .. وكانت الدولة العثمانية في تلك الفترة تعاني من مشكلات مالية متعدّدة .. وكانت هذه الثغرة هي السبيل الوحيد أمام هيرتسل كي يؤثر على سياسة السلطان عبد الحميد تجاه اليهود .. يقول هيرتسل في مذكراته :

" علينا أن ننفق عشرين مليون ليرة تركية لإصلاح الأوضاع المالية في تركيا .. مليونان منها ثمناً لفلسطين ، والباقي لتحرير تركيا العثمانية بتسديد ديونها .. ومن ثم نقوم بتمويل السلطان بعد ذلك بأي قروض جديدة يطلبها " ..

وبعد محاولات كثيرة من هيرتسل ، وضغوط متواصلة على الدولة العثمانية من أجل فتح أبواب فلسطين للهجرة اليهودية ، قال السلطان عبد الحميد([8]) :

" انصحوا الدكتور " هيرتسل " بألاّ يتخذ خطوات جدّية في هذا الموضوع ، فإني لا أستطيع أن أتخلّى عن شبر واحد من أرض فلسطين .. فهي ليست ملك يميني.. بل ملك الأمة الإسلامية .. لقد جاهد شعبي في سبيل هذه الأرض وروّاها بدمه .. فليحتفظ اليهود بملايينهم .. وإذا مُزّقت دولة الخلافة يوماً فإنهم يستطيعون آنذاك أن يأخذوا فلسطين بلا ثمن .. أما وأنا حيّ فإنّ عمل المبضع في بدني لأهون عليّ من أن أرى فلسطين قد بترت من دولة الخلافة وهذا أمر لا يكون .. إني لا أستطيع الموافقة على تشريح أجسادنا ونحن على قيد الحياة .." .

وأمام المواقف الصلبة للسلطان بعدم السّماح لليهود بالاستيطان في فلسطين .. ركزوا هجومهم على دولة الخلافة .. فثبت في وجههم السلطان المجاهد عبد الحميد ثلث قرن من الزمان .. ولكن الهجوم والمؤامرات كانت أكبر وأقوى منه ، فسقطت دولة الخلافة .. وتوّلت بريطانيا رعاية اليهود ، والتمكين لهم في فلسطين .. وفي الفترة التي سيطرت فيها بريطانيا على فلسطين قامت بفرض الضرائب الباهظة على الفلاح الفلسطيني ، ووضعته في ظروف صعبة .. وأطلقت السّماسرة من داخل فلسطين ومن خارجها لشراء الأرض بأي ثمن !!

وأمام هذه الهجمة المسعورة .. كان للعلماء والأدباء دور كريم في التوعية وتحريم بيع أي شبر من أرض فلسطين .. وكان لشاعرنا برهان الدين نشاط كبير في هذا المجال .. ومن ذلك النشاط هذه القصيدة التي نظمها بعنوان " الوطن المبيع " ، وألقاها في مؤتمر صندوق الأمة العربية في جمعية العمال العرب بحيفا في 23/1/1945

 أبيات القصيدة ([9] )

إخـفـض  جَـنـاحَ الذُلِّ للوطن الذي
واحـذر عـذاب الله لا تـكـن الـذي
إنْ  بـعـتـهـا بعت السماحة iiوالندى
أ  تُـعِـزُّه لـمَّـا حَـبَـاك بـخـيره
أسـفـاً  عليك خرجت عن سُنَنِ iiالتُقَى
لا بـدع مـن هـانـت عـلـيه بلاده
إن كـان تـعـظـيـم الـبلاد iiبشعبها
أو  كـان تـعـظـيـم الـبلاد iiلمعدن
ولـقـد  عـجبت لمن يبيع ترابه (الـ
هـل جُـنَّ يـا لـيـت الجنون iiحليفه
كَـلاّ  فـقـد ألـفـى هـنـالـك أمة
فـمـضـى يـسـمسر تارة ويبيع iiما
لـو كـان يـعـلـم في الشباب iiحَميَّةً
لا يـأمـنـنّ الـنـذلُ طـولَ iiأنـاتِنا
وطـنـي فـداه دمـي وما ملكت iiيدي
كـم مـن بـنـيـه وإنْ أمِـنْتَ iiلقاءه
والله لـو جـعـلـوا الكواكب في iiيدي
وأعـزُّ مـا نـرجـوه نـحـن iiشبابه
يـا ابـن الـبـلاد وأنـت كل رجائها
مـا مَـسَّ أنـدلـسـاً يـمـسك iiمثله
وطـن حـواك بـحـاضـنـيه iiوقلبه
قـد  شـرّد وا الـعـربي عن iiأوطانه
لا  تـعـذلـوا الـشـعـب الفتيّ فإنه
لا تـعـذلـوا الـشـعـب الفتيّ فإنهم
انـظـر إلـى الـبحر الخظم تلاطمت
يـبـكـي الأسـاطـيل التي كانت iiلنا
(والـكـرمـل)  الـمحزون بعد iiهنائه
قـد أقـفـلـوا الأبـواب ما تركوا iiلنا
مـاذا  تـبـقَّـى غـيـر قـاع iiأجرد
لـهـفـي  عـلـى الليث المهدد iiغابه
والـحـرّ يـدفـع عـن حـماه iiبسيفه
فـلـنـمـش  للموت الزؤام كما iiمشى
جـيـش مـن الـجبروت شقَّ iiطريقه
فـهـنـاك أوربـا تـديـن iiبـديـنه
والـبـحـر  مـضـطرب تعج سفينه
والـغـرب  تـلـمـيذ لنا فاعجب iiإذاً
زعـمـوا  بـأن كـتـابـه حَـلَّ iiلنا
حـكـمـوا  الـممالك بالكتاب iiفأزرق
وهـنـاك  شـرذ مـة تـقـول بقوله
أ إذا حُــرمـنـا دولـة iiعـربـيـة
لـم تـسـمـع الـدنـيا بمثل iiمُصابنا
فـإذا  تـمـلـمـل لـلخلاص iiرأيتهم
بـلـغ الأسـى والـحـقـد فينا iiمبلغاً
فـلـعـلّ هـذا الـحـقد يضرم iiنخوة
فـيَـهُـبُّ  كـالـمـجنون يدفع غارةً
فـيـزلـزل الـدنـيـا بـغضبته كما
فـالـمـجـد لا يُـبـنى بغير iiجماجم
إن كـان الاسـتـقـلال يـؤخذ iiعُنْوَةً















































روّاك مــن أكــوابـه ورضـابـه
بـاع الأمـانـة فـاكـتـوى iiبـعذابه
بـعـت  الـكـرامـة أيـنعت بجنابه
وتـشـيـح  عـنـه إذا الجوادُ كبا iiبه
ورَضِـيْـتَ بـالـذُلَّ الـمشين iiوعابه
هـان الـعـزيـز عـلـيه من أنسابه
فـهـو الـعـزيـز الـحُرُّ في iiأترابه
فـمـعـادن الأخـلاق كـل iiتـرابـه
مـجـبـولَ) بالدم،ما جرى iiلصوابه!؟
فـأصـون نـفـسي عن جنون iiعتابه
أخْـنَـى عـلـيـهـا دهـرها iiبذبابه
تـرك الـغُـزاة الـصـيد من iiأحسابه
لارتـدّ  مـن فـزع عـلـى iiأعـقابه
فـغـداً  يـلاقـي الـنـذلُ كُلَّ iiعقابه
وإذا فـديـت قـضـيت بعض iiحسابه
خـصـم تـزمّـل مـاكـراً iiبـأهابه
لـنـبـذتـهـا تـهـوي على iiأعتابه
أنْ  نـحـمـل الـرايات فوق iiهضابه
يـومُ الـجـلاء إسـمـعْ نعيق iiغرابه
فـابـذلْ لـه تـلـحـقْـه قبل iiذهابه
أضـحـى يُـسـام الخسف من iiأحبابه
قـد جـردوا الـعـربـي مـن iiأثوابه
آوى  الـشـريـد فـراعـه iiبـخرابه
دسـوا لـه سُـمّـاً بـحـلـو iiشرابه
أمـواجـه غـضـبـاً عـلـى سُلاَّبه
أيـعـود أسـطـول لـنـا iiبـعبابه؟!
يـلـقـى  الأذى والـذلّ مـن أغرابه
والـبـيـت  يـؤتـى آمـناً من iiبابه
نـرعـى  مـع الـقطعان من iiأعشابه
قـد  كـان أجـدر أنْ يـمـوت iiبغابه
فـإذا تـحـطـم سـيـفـه فـبـنابه
جـيـش الـنـبـي بـشـيبه iiوشبابه
فـي  الأرض حـتـى أذعنت iiلحرابه
وهـنـاك يـأجـوجٌ مـشـى iiبركابه
(ذات الصواري) خضّبت بخضابه([1])
لِـمُـعَـلِّـمٍ قـد سِـيْـمَ من طلابه ii!
عـجـباً وهل يشقيك غير iiكتابه!([2])
أو أبـيـض يـغـريـك لـمع سرابه
وبـلاء  الاسـتـعـمـار مـن iiأذنابه
نِـمْـنـا  عـلى ضَيْمِ العِدا وسبابه ii؟!
ومـصـاب  هـذا الشعب من iiأنصابه
رفـعـوا  سـيوف البطش فوق iiرقابه
قـد  كـاد يـخـرج عن حدود iiنِصابه
فـي جـيـلـنـا ويـهزّ من iiأعصابه
تـجـتـاحـه  فـي سـهـله iiوشِعابه
قـد زلـزل الـرومـان فـي قرضابه
والـمـجـد تـحـميه سيوف iiغضابه
والـمـوت  فـيـه فـنحن من iiأربابه

([1] ) معركة ذات الصواري العربية التي وقعت في البحر الأبيض المتوسط بين جيش الأمويين والرومان .

([2] ) إشارة إلى الكتاب الأبيض الذي أصدرته الحكومة البريطانية تفسيراً لحل قضية فلسطين .

قصائد مختارة من شعره

2

 معركة جنين

وتمكن جيش الهاجاناة من دخول المدينة واحتلالها .. وهبّ أبناء قرى جنين لنجدتها بما يملكون من بنادق قديمة وفؤوس وعصيّ .. ووصلت نجدة عراقية من خمسمائة جندي يقودها المقدم عمر علي ..

وبعد معركة طاحنة ، تمكن الجيش العراقي والمقاومة المحلية من أبناء منطقة جنين ، من إخراج اليهود من جنين وتكبيدهم خسائر فادحة .. وانتهت المعركة بنصر مبين للمجاهدين الذين أرغموا اليهود على مغادرة المدينة تاركين أكثر من ألف قتيل ..

وكانت جنين المدينة الوحيدة التي احتلها اليهود وأُخرجوا منها بالقوة .. والأهم من هذا أن طردهم من جنين أخّر احتلالهم للضفة الغربية بأكملها مدة تسعة عشر عاماً ، أي حتى عام 1967م ..

وبعد المعركة أقام الجيش العراقي – قبل انسحابه من جنين – بالتعاون مع بلدية جنين نصباً تذكراياً متواضعاً وسط المدينة ، لشهداء معركة جنين .. وتم الاحتفال بإزاحة الستار عن النصب التذكاري ، حيث ألقى أحد كبار الجيش العراقي في ذلك الوقت المقدّم محمود شيت خطاب قصيدة رائعة ، قال فيها :

هذي قبورُ الخالدين فقد قَضَوْا        شهداءَ حتى يُنقذوا الأوطانا

وقال :

أجنينُ لا أنسى البُطولَة حيّةً        لبنيكِ   حتى   أرتدي  الأكفانا

وكان شاعرنا برهان الدين من الشباب المناضلين الذي شاركوا في القتال ودافعوا عن مدينة جنين .. وبعد النّصر الذي تحقّق نظم قصيدة بعنوان " معركة جنين " .. وقد نشرتها جريدة اليقظة البغدادية في 8/10/1948م ، في عددها رقم "426 ".

 أبيات القصيدة ([10])

بـيـنما  الناسُ في أسىً iiواكتئابِ
وذ وات الـجـنـاح تُـلقي iiعلينا
وأزيـز  الرَصَاصِ ينهل ii(كالغيـ
وشـبـاب الـحِمى تساعوا iiأُسوداً
يـصـدمون  الغُزاة بالعزم و (النا
وسـلاح الـعـدى حَـديـدٌ iiونارٌ
بـيـنـمـا الأهـل بين كَرٍّ iiوفَرٍّ
بـيـنـمـا الطفل قد تلاشى iiأبوه
وذ  وو الـمـال والوجاهة iiطاروا
يـتـحـامـون بالغصون iiلتحمي
بـيـنـمـا  الأفقُ مُكْفَهِرٌ iiعبوسٌ
وشـبـاب وبـضـعة من iiشيوخ
بـيـنـما  الفاتحون عمرو iiوسعد
بـيـنـمـا  الناس بين هذا iiوهذا
فـتـسـاءلـت  مدنَفاً رَبِّ من ذا
جـيـش  سـعـد وخالد iiوصلاح
فـتـشـهَّـدْتُ ثـم ثُـرْتُ iiوإنَّي
لأرى الـبأس والرجولة iiو(الإيمـ
ونـسـيـت الـعذاب والهَمَّ والغَمَّ
مُـذْ رأيـت الوجوه تَبَسَّمَ ii(بالبِشْـ
مُـذْ رأيـت الجنود تقتحم iiالخصم
مـذ رأيت النجوم في العَلَمِ ii(الحُـ
مـذ  رأيت اليهود تهرب ii(كالبهـ
كـيـف لا يـبـسم التراب iiوفيه
قـد أقـمـنـا لـه المنارة iiذكرى
فـاحـفـظوا  حقَّه وصونوا iiثَراه
لا  أرى هُـدنـةً تـبـرّر iiنـوما
مغرب الشمس يحسد الشرق فاحذر
حَـسْـبُكُمْ  عِبْرَة عذاب ii(فلسطيـ




























والـمـنـايا تطوف فوق iiالروابي
لَـهَـبَ  الـنـار منذراً iiبالخرابِ
ـث)  ولاحَ الـوجوم في كل بابِ
مـن  (جـنـين) وحولها كالعبابِ
ر)  كِـرامـاً وبـالمدي والحِرابِ
وجـنـاحٌ يـطـير فوق iiالسحابِ
ورحـيـلٍ ودهـشـةٍ iiوارتـيابِ
وذ  وات الـحـجاب دون iiحجابِ
يَـتَـمَـنَّـوْنَ  جُرْعَةً من iiشرابِ
لـدغة  الشمس وهي سوط iiعذابِ
لـيس  في الحَيِّ غَيْرُ نَعْقِ iiغرابِ
لـم يـروا لـلـنجاة غير iiسرابِ
وصـلاح  فـي حـسرةٍ iiواكتئابِ
وإذا بـالـبـشـيرِ فوق iiالهِضابِ
قـال جـيش العراق زَيْنُ iiالشبابِ
جـيـش ربِّ السماء ربِّ iiالكتابِ
أحـمـل  الجُرْحَ تحت طّيِّ iiثيابي
ـان) تـمشي مع الأسود iiالغِضَابِ
نـسـيـت الأذى وهول iiالمُصابِ
ـرِ) لـجـنـد العراق iiوالأحبابِ
وتُـرْخِـي  الـحُسامَ فوق الرِقابِ
ـرِّ)  تـهادى على متون iiالروابي
ـم)  وتـلقي السلاح فوق iiالتُرابِ
بـطـل  الـرافـدين حر الأهابِ
وهـو  فـي قـلبنا عزيز iiالجَنابِ
بـنـفـيـس  الـدمـا وبالألبابِ
بـل  أعِـدُّ وا وجـنِّد وا iiلحسابِ
يـا فـتـى المشرقين مَكْرَ iiالذئابِ
ـن)  تـردّت وأهلها في iiالخرابِ

قصائد مختارة من شعره

 3

 إلى متى

بعد فرض الهدنة في فلسطين وتوقُّف القتال ، وانسحاب الجيوش العربية .. هاجر برهان عام 1949م إلى بغداد .. هاجر بجسمه ولكنَّ الروح والعين والكبد بقيت في فلسطين . . هاجر وهو يحمل الأسى لِما حلّ بأرض الإسراء من محن وابتلاء .. ولِما أصاب شعبها من شتات ..

ومرّت به الأيام والسّنون ، وهو يترقب يوم العودة الظافرة .. وينتظر اليوم الذي يعود فيه إلى جنين وفلسطين .. التي لم تبتعد عن مخيلته يوماً من الأيام ولا ليلة من الليالي .. ويهزّه الشوق إليها .. فينظم قصيدة بعنوان " إلى متى " يبثُّ فيها ألمه وحرقة كبده للمصاب الجلل ، وطول الغثاء الذي حلّ بالأمة .. ويدعو إلى الوحدة والإيمان والعزيمة ، والإعداد لتحرير الوطن المغتصب ..

أبيات القصيدة:

شـطّ الـمـزار ولـكـنْ قـلبُنا iiيَقِدُ
لُـقـيـا الأحـبّـة يُحييني ويؤنسني
عـلانـيَ الـشيب لكن لم ينل iiوطراً
ألـم  تـروا أنـنـي جدّدت iiأجنحتي
أطـيـر  فـوق ربـى الأردنّ مُلتفِتاً
لأنـتـشـي  بـسـجايا من iiشمائلها
فـإنـهـا نـفـحة من معشر iiركعوا
هـنـا ذكرتُ رسول الله حيث iiسرى
إنـي لأُنـشـد شـعري الحرّ في بلدٍ
لـعـلّ قـوم رسـول الله iiتـسمعني
لـقـد  وقـفـتُ هنا من قبل iiممتشقاً
دعـنا  من الشّوق ولْنفحصْ مريضتنا
مـا  لي أرى الناس قد عزّوا iiبتربتهم
أَمَـا بـهـم نـخـوةٌ تُرجى iiلأنفسهم
فـيـمَ  احـتـفالكم والجنّ قد iiمَرَدوا
إن  الإبـاء لـيـأبـى أن iiنُـحـدِّثهُ
ألـم تـروا كـيـف بتُم ألفَ iiشرذمةٍ
هـذا  دخـيـل وهـذا تـابع iiوترى
مـلأتـمُ الأرض تـعـداداً iiوأمـتكم
فـنـحـن فـي الأرض آلاف iiمُؤلّفةٌ
ولـيـس يـنـفـعـكم في ذلكم عددٌ
إن ثـرتُـمُ فـعـلى الأوطان ثورتكم
إلـى  مـتـى ولهيب الذعر iiيُحجمكم
إنْ تـبـتـغوا الله في الذكرى فدونكم
دعـوا  البكاء وخلّوا الندب iiواعتمدوا
إن  اعـتـمـدتم على الأقوال iiسفّهكم
هل كان جيشُ صلاح الدين جيشَ دُعَا
الـقـادسـيـة  والـيـرموك شاهدةٌ
تـجـلّـلـت كـلـهـا بالسيف iiأيّدهُ
قـرآنـنـا  الـنور لم يترك iiلدارسهِ
يـا مـا أُحـيلى شبابَ العرب iiزيّنهم
ومـادتِ  الـبـيـد واهتزّتْ iiبأندلسٍ
ونـحـن  أحـفادهم والشبل من iiأسدٍ
تـراثـهـم  بات نهبَ الإنجليز iiومَنْ
يـبـيـع (بـلفورُ) غيلاً ليس iiيملكهُ
أضـحـتْ فـلسطينُ شاةً تُستدَرّ iiوما
مـن مـطلع القرن خضنا نارها iiأُسُداً
كـنـا ثـلاثـيـن نغزو جحفلاً iiلجِباً
كـانـت  لـهم (أمريكا) عونهم iiمدداً
إخـوانـنـا  سـلـبـونا كل iiقارعةٍ
وهـادنـوا مـعـشراً ما كان iiهادنهم
ولـو رأيـتَ (عـلياً) عند ii(خيبرهم)
هـاتِ  الـسلاح وأطلقْ سَرْح iiلاجئنا
يـا مـن رأى أَسَـداً يـبكي iiبخيمتهِ
تـدارسـت  نخوة الأحرار iiواندثرتْ
الـلاجـئـون  هُـمُ آسـاد أمـتـنا
الـلاجـئـون  حزازات القلوب iiلمنْ
لا تـحـسـبـوهم حطاماً إنهم iiذهبٌ
وإنـهـم لـيـرجّـون الـجهاد iiغداً
















































والـروح  هـائـمـة والعين iiوالكَبِدُ
أمـدّ قـلـبـي لـهـم إنْ لم تُمَدَّ iiيدُ
مـن هـمّـتـي فـمشيبي تحته iiأسدُ
فـطـرتُ مـن دجلة الأحرار iiأجتهد
إلـى فـلـسطينَ وهي القلب والجسد
لـعـلّ  قـلـبـي الذي ينشقّ iiيبترد
عـند  الخليج وفي الإسبان قد iiسجدوا
عـلـى البُراق وكل الخَلْق قد iiهجدوا
جـدّ الـرسول به يُصغي لمن iiنشدوا
آذانـهـم  فـيـعـودوا مثلما iiوُجدوا
سـيـفاً  وعدتُ لأبكي فيه من iiلُحِدوا
ثُـمَّ لْـنُـسائِلْ أُساةَ العُرْبِ لِمْ iiجمدوا
ونـحـن فـي أرضنا التمزيق والبَدَد
أم  قـلـبـهـم مرض أم عينهم iiرمد
وذاك  مـسـرى رسول الله iiمُضطهَد
عـن  الـمـكـارم والأعراض تُفتقَد
شـعـارهـا الـجبن لم يأبه لها iiأحد
أخـاك تـقـتـلـه الأطماع iiوالحسد
ذلـيـلـة يـعـتليها السيف iiوالصفد
لـكـنـنـا  كـغُـثاء السيل iiننجرد
فـعُـدّة  الحرب تحمي الحق لا iiالعَدَد
وخـصـمـكم  بينكم ما زال iiيَحتصِد
عـن خـوض معركة في القدس iiتتّقد
مـسـرى الـرسول فأدّوا حقه تجدوا
عـلـى  الـعزيمة والإيمان iiواتّحدوا
إلـهـكـم ونـأى عـن أهـله iiالبلد
أم  كـان جـيشَ جهاد صانه ii(الأحد)
لـديـن طـه وذي (بدر) وذي (أُحُد)
قـرآنـنـا فـي صدور زانها iiالزرد
إلا الـحـقـيـقـةَ أنّ الصدق مُعتمَد
قـرآنُهم  في أتون الحرب إذ iiصمدوا
جـبـالُـهـا لـشـبـاب قادهم iiأسد
ومـن  يُـخـلّـف تراثاً صانه iiالولد
يُـهـمِـلْ  تـراث أبيه عضّه iiالكمد
لـمّـا رأى قـومـنا من حوله iiقعدوا
هـنـاك  من عرب يُرجى بهم iiعضُد
ولـم نـكـفّ ولـكن جِيرتي iiجحدوا
مـن  الـصـهاينة القوم الأُلى iiفسدوا
ونـحـن  لـم يـأتنا من يعربٍ iiمدد
نـدكّ  فـيـها قلاع الخصم iiوابتعدوا
نـبـيـنـا  يـوم خانوا الله وانتقدوا
يـدكّ قـلـعـتـهـم في شِدقه iiالزبد
عـلـى الـعـدوّ يُـذقْـه النار iiتتّقد
قـد  كـبّـلـوه بـقيد الذل iiواقتعدوا
فـي أمـة ضـجّ مـنها القيد iiوالوتد
والـنـصـر مـنهم وفيهم يثأر iiالولد
يُـحـسّ  بـالـشرف الغالي iiويرتعد
قـد  جـاهدوا في سبيل الله iiواعتقدوا
وفـيـهـم الشِّيب والشبّان iiو(الصَّمَد)

              

المصادر والمراجع

1- مسرحية " وطن الشهيد " ، صدرت عام 1947م .

2- مسرحية " شبح الأندلس " ، صدرت عام 1947م .

3- ديوان " جبل النار " ، صدر عام 1956م . .

4- ديوان " إلى متى " ، صدر عام 1972م .

5- ديوان " جنود السماء " ، صدر عام 1985م .

6- أحمد الجدع : معجم الأدباء الإسلاميين المعاصرين ، ج1 .

7- خالد النصرة : جريدة النهار الأدبي – القدس ، في 7/7/1989م .

8- صالح مسعود أبو يصير : جهاد شعب فلسطين خلال نصف قرن .

9- عبد العزيز الشناوي : الدولة العثمانية ، ج2 .

10- محمد عمر حمادة : أعلام فلسطين ، ج2 ، 1988م .

11- ياسين السعدي : جريدة القدس في 23/2/1995م .

12- رسالة من المحامي أديب العبوشي للمؤلف .

 

 الهوامش

([1] ) ديوان " جبل النار " ، ص76 .

([2] ) مسرحية " وطن الشهيد " .

([3] ) أعلام فلسطين ج2 ، ص20 .

([4] ) ديوان " جبل النار " ، ص8 .. والمرج هو مرج ابن عامر الذي تقع على أطرافه حيفا وبيسان وجنين . وقد نشرت القصيدة سنة 1933م .

([5] ) معجم الأدباء الإسلاميين ج1 ، ص209 .

([6] ) ديوان " جنود السّماء " ، ص4 .

([7] ) ديوان " إلى متى " ، ص2 .

([8] ) د. عبد العزيز الشناوي : الدولة العثمانية ، ج2 ، ص990 . وصالح مسعود أبو يصير : جهاد شعب فلسطين خلال نصف قرن ، ص31 .

([9] ) ديوان " جبل النار " ، ص12 -13 .

([10] ) ديوان " جبل النار " ، ص24 .س