الشاه رضا خان

محمد فاروق الإمام

محمد فاروق الإمام

[email protected]

مؤسس السلالة البهلوية في إيران ، وهو من مواليد عام 1878م، في عائلة متوسطة، قضى مرحلة شبابه الأولى مغموراً ثم التحق بكتيبة (القوزاق) حوالي عام 1900م فخدم في طهران وهمدان وكرمنشاه، كما شارك في معارك طهران عامي 1908 و1911م.

كان يعرف باستبداده وعناده وتأثره الكبير بالغرب، كما أنه عرف بعلاقاته المشبوهة بالإنكليز: الجنرال إيرون سايد أولاً، وسير برسي لورنس ثانياً. وعلى غرار ما فعل مصطفى كمال أتاتورك في تركيا، كان رضا خان يرمي إلى إعلان الجمهورية الفارسية سنة 1924م، غير أنه اصطدم بمعارضة الأوساط التقليدية والمحافظة وبالأخص الدينية منها.

وفي شباط من عام 1925م دفعته المظاهرات الشعبية وتصرفات بعض العسكريين وعدد من النواب إلى الرجوع إلى طهران والحصول من البرلمان (المجلس) على سلطات شبه ديكتاتورية (93 صوتاً ضد 7 أصوات) وكانت السلالة (القاجارية) الحاكمة في ذلك الوقت الحاجز الأكبر أمام استيلائه على السلطة، إضافة إلى أن رضا خان كان يخشى تغيير النظام الحكومي بشكل مفاجئ لأن النظام الملكي كان منذ مدة طويلة نظام الفرس. ولكن بعد أن أعلن الشاه رجوعه إلى إيران وتحرك أنصاره، استولى رضا خان على زمام الأمور، فتمكن من فرض استقالة أحمد شاه ونفاه هو وأعضاء عائلة القاجار الملكية. عين في 31 تشرين الثاني عام 1925م رئيساً للحكومة المؤقتة وكلل بالتاج الملكي في 12 كانون الأول سنة 1925م، مؤسساً بالتالي سلالة بهلوي الملكية الجديدة التي قُدّر لها أن تتحكم في مصير إيران حتى عام 1979م.

في عهد رضا خان الممتد من 12 كانون الأول عام 1925م لغاية 16 أيلول عام 1941م، حدثت في إيران تغييرات شبه جذرية على الأصعدة الاقتصادية والإدارية والثقافية، ولكن في الوقت نفسه، خضعت البلاد لنظام تسلط بوليسي شديد، بالرغم من عدم إلغاء النظام البرلماني الذي لم يعد يلعب أي دور بل أصبح مجرد واجهة ديمقراطية. وقد ألغى الشاه الحريات الفردية هادفاً من وراء ذلك تثبيت سلطة الحكومة المركزية، وتصرف تصرف طاغية حقيقي، فأزال كل المعارضين لسياسته، إما عن طريق نفيهم مع أسرهم، أو عن طريق إعدامهم، وصفّى بالطرق نفسها، وبدون شفقة، رؤساء القبائل الذين حاولوا التصدي لسلطته واضعاً مكانهم ضباطاً أميين في أغلب الأحيان. واستهدفت عملية بناء جيش قوي ضبط المقاطعات وتثبيت النظام وإحباط عزيمة كل تمرد داخلي أو هجوم خارجي؛ أما المصاريف العسكرية، والتي شملت أيضاً بناء خطوط مواصلات ضرورية لتحرك الجيش (طرق – خطوط حديدية – تلغراف)، فأمنت مداخيل النفط تغطيتها، وفي الوقت نفسه أعلنت الخدمة العسكرية الإجبارية، كما شهدت البلاد عملية إنعاش للخدمات الطبية في التعليم العام بغية تخريج تقنيين مؤهلين، كما تم إعداد برنامج للتصنيع، بهدف خلق بلد حديث على غرار البلدان الغربية دون أخذ الظروف الموضوعية للبلاد بعين الاعتبار.

وأدت هذه الإجراءات التحديثية السريعة إلى معارضة الأوساط الدينية وأصحاب الأراضي الذين لحقتهم ضرائب كبيرة، والذين جُردوا من دورهم السياسي لصالح الجيش، وكذلك إلى معارضة الفلاحين الذين أبدوا حذرهم تجاه الخدمة العسكرية وتجاه النقد الورقي الذي أقره الشاه بدلاً من النقد الذهبي والفضي لسنة 1932م.

وفي 31 كانون الأول من عام 1934م، ألغى الشاه بمرسوم اسم (فارس) فجعله (إيران) معتبراً بأن لفظة فارس رمز كريه للماضي ويذكّر بالتراث الإسلامي للبلاد. وكان رضا خان قد ألغى عام 1928م كل الاتفاقات التي تُعطى بموجبها امتيازات للبلدان الأجنبية، فاستعاد بذلك قسماً من المداخيل التي كانت تأخذها الدول والشركات غير الإيرانية، وأعلن في سنة 1932م إلغاء كل الاتفاقات الموقعة مع شركة النفط الفارسية – الإنكليزية بغية زيادة الموارد المالية لإيران، وقد ردت بريطانيا على ذلك بالتهديد العسكري فما كان من رضا خان إلا أن رفع القضية أمام عصبة الأمم؛ وفي عام 1933م توصلت الأطراف المعنية إلى اتفاق رفعت بموجبه الضرائب المتوجبة على الشركة، وقلصت رقعة الاستثمار التي تحتلها. وفي الفترة نفسها تقريباً، واجه رضا خان صعوبات جديدة مع البريطانيين بالنسبة إلى نظام الوصاية الذي كانوا يمارسونه على جزيرة البحرين، إذ أنه أخذ يطالب بضم الجزيرة إليه، لكنه لم يحصل على أية نتيجة.

كانت علاقات رضا خان مع الاتحاد السوفييتي مرضية: فقد أبرم اتفاقاً معه يقضي بعدم الانحياز وبضمانات مشتركة في الأول من تشرين الأول عام 1927م، كما تأسست شركة إيرانية – سوفييتية لاستثمار صيد السمك على الساحل الجنوبي لبحر قزوين، لكن رضا خان ما لبث في عام 1931م أن منع الحزب الشيوعي الإيراني (توده) من مزاولة نشاطاته وأمر باعتقال العديد من القادة الشيوعيين وبمحاكمتهم وبشكل خاص عام 1937م.

عندما اندلعت الحرب العالمية الثانية، أظهرت إيران وعلى رأسها رضا خان، عدم انحيازها، وقد بقيت كذلك حتى شهر آب عام 1941م عندما وقع الهجوم الألماني على الاتحاد السوفييتي في حزيران من العام نفسه، مما جعل إيران مسرحاً رئيسياً للاتصالات البريطانية الروسية؛ وكانت إيران الطريق العملي الوحيد لإيصال الأسلحة إلى الاتحاد السوفييتي، كما كانت بريطانيا تود من جهتها حماية المخزون النفطي لشركائها وحماية طريق الهند المهددة من جراء تقدم القوات الألمانية نحو (القوقاز).

في تموز عام 1941م وجه الروس والإنكليز مذكرة دبلوماسية إلى رضا خان تطلب منه طرد الألمان من إيران، وإثر رفض الشاه لذلك في 25 آب عام 1941م دخلت الجيوش الإنكليزية جنوب إيران، بينما كانت الجيوش السوفييتية تحتل شمالها، وبالأخص مقاطعة أذربيجان، فأذعنت الحكومة الإيرانية إذ ذاك للأمر، وأجبر الحلفاء الشاه رضا على التنازل عن العرش في 16 أيلول عام 1941م لصالح ابنه محمد رضا، ونفي إلى جوهانسبورغ (أفريقيا الجنوبية) ليتوفى فيها في 26 تموز عام 1944م.