البريطاني داود كووان: معرفة نادرة بالأدب العربي
البريطاني داود كووان: معرفة نادرة بالأدب العربي
د. فتحية توفيق صلاح
*أستاذة في جامعة الزيتونة الأردنية
غيب الموت قبل فترة العالم
الاسكوتلندي المسلم الأزهري الحاجّ داود
كووان (أبو عادل)، الذي يقول عنه أحد أساتذة معهد الدراسات
الشرقية والإفريقية بجامعة لندن،
إنه لا بديل له في اختصاصه في بريطانيا كلها.
وكان كووان قد
أشرف على رسالتي لنيل شهادة الدكتوراة في النّحو العربيّ عن
تحقيق وشرح «المُثُل
على كتاب المُقَرَّب في النّحو» لابن عصفور الإشبيلي،
بمعهد الدراسات الشرقية والأفريقية، فوجدته
كنزا من المعرفة والصبر والكرم.
أمّا في المعرفة
فقد كان طويل الباع في اللغة العربية، وعالما بكلّ الحقول التي
صادفتني أثناء التحقيق والشرح، إذ لم احتج
أستاذا غيره. وأمّا عن الصبر فقد قرأت له رسالتي
كلمة كلمة وصفحة صفحة - من دون مبالغة - على الرّغم من طولها.
ومن ناحية الكرم،
فقد منحني الكثير من وقته من دون تذمر.وبالرغم من منزلته العلمية
العالية، فقد عرف عنه التواضع الكبير، والبعد عن
التباهي والتفاخر. لم يَعْبأ بالشهادات
والمناصب العلمية، بل اكتفى بأن يكون المرجع الأعلى في
اللغة العربية داخل الجامعة وخارجها. كلّ ذلك شمله بحُلَّة
من رِفْعَة القدر وعِظَم الشأن.
ولد ديفيد
كووان في الحادي والعشرين من شهر فبراير (شباط ) عام 1915، في مدينة
هدنجتون في اسكوتلندا. وبعد وفاة والده أثناء التدريب في الجيش
البريطاني عام 1915 عادت به أمه إلى
دَنْدِي لتبقى قريبة من أهلها. ثم فاز كووان بمنحة دراسية
من أكاديمية دندي المُرْغُنِيّة، وهنا ظهر ميله إلى اللغات
وَوَلَعُهُ بالعلم والأدب، فكان القاموس المتنقل رفيقه في
الدراسة، كما كانت مكتبة دندي العامة المكان المفضل لديه
لقضاء وقت فراغه، حيث اكتشف الإسلام والعالم العربي. وفي
السادسة عشرة من عمره، وهو لا يزال في المدرسة، دخل مسجد (Woking)
في لندن
وأعلن إسلامه. ولعدّة سنوات كان إمام المسجد المذكور، كما كان يستدعى ليؤدّي
صلاة دفن المسلمين الذين يسقطون أثناء القتال خلال الحرب العالمية
الثانية.
لقد ثقف نفسه في اللغة العربية بنفسه، وتعلمها من غير
معلّم، وذلك عن طريق
الدراسة بالمراسلة في فرنسا مدّة سنة. بعد ذلك قدّم طلبا إلى دائرة
اللغة العربية التي كانت قد استحدثت في جامعة لندن، وأتمّ
فيها سنة أخرى.
وفي عام 1933 - 1934
حصل على منحة دراسية لطلب العلم في الجامع الأزهر
الشريف في
القاهرة، عاد بعدها إلى لندن لينال درجة الشرف الأولى في الآداب من جامعة
لندن عام 1936.
وفي عام 1938 - 1939 درّس في ألمانيا اللغتين
الألمانية والإنجليزية. ونال درجة
الماجستير عام 1940 في اللغة العربية من جامعة كمبردج، ذلك لأنّ
جامعة لندن كانت قد أُغلقت خلال سنوات
الحرب.
وخلال الحرب العالمية الثانية (1940 - 1945)
عمل مترجما مدنيا في دائرة
الاستخبارات البريطانية لطلاقته باللغة
الألمانية. وفي نهاية الحرب، ولعمق معرفته باللغة العربية،
ولتعاطفه مع العالم العربي، عين عام 1945 في السفارة
البريطانية في القاهرة ليرأس الهيئة
العاملة فيها، وهناك في مصر التقى زوجته
الأولى، أم عادل ومنى. وفي العام ذاته، عُرض عليه منصب
محاضر في اللغة العربية في معهد الدراسات الشرقية
والإفريقية، حيث ظلّ يدرّس العربية حتى أحيل على
التقاعد في سنّ السبعين، وذلك قبل عشرين
عاما تقريبا. أحيل على التقاعد إلا أنّ الجامعة أبقته يعمل
فيها حتى أنهيت رسالتي عام 1985، فكنت آخر من تخرّج على
يديه.
وفي أعوام 1959 - 1960، 1964 - 1965
كان كووان المدرس الأقدم في مركز الشرق
الأوسط للدراسات العربية (MECAS)
في شملان بلبنان. وفي طريق عودته إلى وطنه بعد
انتهاء عمله في لبنان مرّ بيوغوسلافيا حيث
التقى زوجته الثانية انطوانيت الايرلندية.
وفي بداية
الثمانينات عُيّن عضوا مراسلا في المجمع الملكي لبحوث الحضارة
الإسلامية (مؤسسة آل البيت) الذي تغير اسمه
فيما بعد وأصبح «مؤسسة آل البيت للفكر الإسلامي»،
وذلك اعتبارا من عام 2000، وهو أمر لا يتحقق إلا للقليل من
علماء اللغة العربية.
كان يتكلم خمس عشرة لغة تقريبا، إلا أنّ إعجابه
الشديد كان من نصيب اللغة
العربية التي عُدّ واحدا من أبرز علمائها في القرن العشرين، وتجلى
ذلك في كتابه« مقدمة للغة العربية الأدبية المعاصرة
«Introduction «to Modern Literary Arabic الذي نشره
عام 1955، وترجم إلى عدّة لغات، واعتمد كتابا مقرّرا لعدة
حلقات دراسية في اللغة العربية.