الحاج خميس أبو شعبان، وداعاً
يسري الغول
فجعت بالخبر، وكنت قد فجعت قبل عام بإغلاق المكتبة.
ففي صبيحة هذا اليوم (الأربعاء 13 مايو)، وبينما كنت أقلب صفحات الفيس بوك، جاءت صورة الحاجة خميس أبو شعبان موشحة بِشارة سوداء، ويكتب أسفلها صديقه الكاتب توفيق أبو شومر معزياً بوفاته. حزنت كثيراً لأننا اليوم فقدنا علماً من أعلام الثقافة الشامخة، وحزنت لأنني لا أظن أن يأتي مخلصاً للثقافة كهذا الرجل الذي لم يطمع يوماً في مال أو جاه أو سلطة. فلقد فهذا أفنى عمره في خدمة مشروع الفكر والبناء حتى كان يدفع أحياناً من جيبه ليستمر هذا المشروع الذي قال لي فيه يوماً، بأن بناء الإنسان هو بداية بناء الأوطان. فلا بناء لوطن بدون بناء قدرات أبنائه.
الحاج خميس أبو شعبان يغيب اليوم عن الأنظار بعدما غابت مكتبته عن المثقفين. فبعدما أصيب هذا الرجل وهو يهم فجراً للتوجه إلى المسجد، وقع فأصيبت قدمه الأمر الذي أقعده عن الحركة حتى يومنا هذا. وبعده أغلقت المكتبة الهامشية ولم يعد لها وجود. حتى ذلك الشاب الثلاثيني الذي تعلم على يد الحاج خميس أبو شعبان وظل يعمل في المكتبة منذ نعومة أظفاره، عاد إلى بيته وصار يبحث عن عمل.
وكنت يوماً قد كتبت بأن هذا الرجل كان يستحق قبل وفاته على نوط القدس أو وسام الدولة بدلاً من توزيع تلك الجوائز على المغنيات والراقصات. ولكن نظراً لانحدار ثقافتنا صار أمثال هذا الرجل لا يدورون في بال صناع القرار رغم كل ما قدموه للوطن وللهوية الفلسطينية. ورغم ذلك فقد قمت أكثر من مرة بزيارة الحاج بشكل شخصي، وأحياناً برفقة الأستاذ مصطفى الصواف وكيل وزارة الثقافة بغزة، وكنا قد تواعدنا أن نزوره مؤخراً دون أن نحظى بظرف مناسب.
أختم بما كتبته سابقاً، من أن الحاج خميس أبو شعبان، والذي بلغ من العمر عتياً، وهبنا ملكاً وكنزاً لا ينضب، يوم أن جلس في بيته، ذبل رحيق الكتب والمكتبة. فقد كان حلم ذلك الرجل أن يصبح الشبان في غزة وفلسطين قامات سامقة في شتى المجالات، لذلك فقد كان يقوم بفتح قسم لإعارة الكتب مراعاة لرغبات القراء غير القادرين على شراء تلك الكتب، كما كان يقوم بتشجيع الأطفال على القراءة بأن يعطي هدية لمن يقرأ عشر قصص قصة جديدة لم يكن قد قرأها ذلك الطفل في الوقت الذي كان الاحتلال يجثم على صدر غزة وأهلها. وظلت هذه المنارة من العلم والمعرفة مستمرة حتى إصابة الرجل.
رحم الله الحاج خميس أبو شعبان، فقد كان حقاً رجلاً بأمة.