الإمام محمد الحامد أبو النصر، المرشد العام الرابع للإخوان المسلمين

clip_image001_be0b0.png

(1331 – 1417ه )

( 1913- 1996م )

المولد والنشأة :

ولد الإمام محمد الحامد أبو النصر في 6 ربيع الأول 1331ه / الموافق 25 مارس 1913م في منفلوط بأسيوط – مصر ..من أب مصري وأم سعودية ، ومات والده وهو طفل صغير، وتولت الأم تربية وحيدها تربية جادة وهيأته ليكون نداً لعائلة الطرزي وهي عائلة وفدية كانت تسيطر وتهيمن على منفلوط وما حولها وتتولى الزعامة والريادة والتمثيل في المجالس النيابية .

وتنتمي أسرته إلى الشيخ علي أحمد أبو النصر أحد رواد الحركة الأدبية في مصر وأحد علماء الأزهر الشريف المعدودين في مصر، شارك في الإعداد للثورة العرابية حتى قرّر الخديوي توفيق تحديد إقامته في منزله بمنفلوط، ثم تخلص منه بدس السمّ له فمات عام 1880م  .

إذ كان من المعروف أن الشنق للعلماء يثير غضب الشعب على حكامه. وأسرة أبو تنحدر أصولها من نسل الإمام علي – رضي الله عنه - .

دراسته :

حصل على شهادة إتمام الدراسة الثانوية العامة عام 1933م.وكان متميزاً في بداية عمره بالمشاركة الاجتماعية والعمل الإسلامي . ونمى معارفه بالإطلاع وثقف نفسه بالقراءة وممارسة التعامل مع المجتمع  المحيط به ، فافرزت هذه التجارب شخصية صقلتها التجربة والمعرفة وعلمتها الأحداث كيف تواجه الصعاب .

ثم تفرغ لرعاية أملاك الأسرة التي كانت واسعة الثراء .

زواجه وأولاده :

وقد رزقه الله بثلاثة أبناء ولدان وبنت :

-حسن أبو المعالي : وكان مختلفاً مع والده يطالبه دائماً بالتنازل والتأييد، وكان في آخر أيامه رئيساً لنيابة سوهاج .وقد حاول أن يدفن والده في منفلوط، ولكن كانت وصية الأستاذ أن يدفن مع إخوانه المرشدين وقد تم له ذلك .

-حسين : فقد تخرج من معهد الإرشاد الزراعي ، ومات شاباً .

-ثناء : متزوجة وتعيش في الجيزة .

دعوته :

التقى بالإمام الشهيد حسن البنا مؤسس دعوة الإخوان في أواخر عام 1933م حيث بايعه على العمل في سبيل الله تحت راية هذه الدعوة المباركة فكان أول من انضم في صفوف الإخوان في صعيد مصر عام 1934م، وكانت بداية معرفته بالإخوان من خلال صديقه الشيخ محمود سويلم الواعظ الأزهري. الذي كان يحدثه كثيراً عن الإمام حسن البنا، وعن جهاده في سبيل رفعة الإسلام والمسلمين، وحين أخبره صديقه محمد عبد الكريم بوجود الإمام حسن البنا بجمعية الشبان المسلمين في أسيوط كلمه هاتفياً ودعاه لزيارة منفلوط، فزارها في اليوم التالي، وألقى محاضرة ، ثم انتقل إلى دار أبي النصر . وتقابل محمد الحامد أبو النصر مع الإمام حسن البنا وتناقشوا سبل رجوع المسلمين إلى الإسلام الحقيقي . وهنا قال البنا لكن ليس هذا هو السبيل للرجوع بالمسلمين إلى عهدهم وأمجادهم السالفة . قال : إذن ماذا ترى ؟ ويذكر محمد الحامد قائلاً : كنت في ذاك الوقت متوشحاً بمسدسي الذي لا يفارقني في مثل استقبال ذلكم الزائر الكريم الذي أحببته قبل أن أراه . فقلت له : إن الوسيلة الوحيدة للرجوع بالأمة إلى أمجادها السالفة هي هذا . وأشرتُ إلى مسدسي فانبسطت أساريره كأنما لقي بغيته، وعثر على مطلبه .

وقال لي ثم ماذا ؟ تكلم : فعشت في هذه الكلمات برهة قطعها فضيلته باستخراج المصحف الشريف من حقيبته قائلاً : هل تعطي العهد على هذين مشيراً إلى المصحف والمسدس ؟ فقلت : نعم بدافع قوي أحس به . ولا أستطيع أن أصفه . اللهم إلا الفيض الإلهي الغامر والسعادة الأبدية التي أرادها الله لي في سابق علمه ، وكان عهد،  وكانت بيعة ، وبعد أن تمت البيعة بهذه الصورة . قال فضيلته مهنئاً ، مبارك إنها الأولى في صعيدكم  .

ومنذ ذلك الحين التفت مجموعة من الشباب حول الإمام حسن البنا في منفلوط ، وكانت شعبة الإخوان التي زارها الإمام، وسجل العبارة التالية : (( دعوتنا قصة من قصص القرآن فيها عبرة وعظة وهداية ونور إن بدت اليوم أحدوثة في أفواه الناس، فهي في الغد حقيقة في مجتمعاتهم . وفي دار الأرقم بن أبي الأرقم ثبتت الدعوة الأولى، وفي هذه الدار يعيد التاريخ سيرته ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون .

ثم تدرج في مواقع المسؤولية من نائب شعبة منفلوط، حتى أصبح عضواً في الهيئة التأسيسية ( مجلس الشورى العام ) ثم عضواً في مكتب الإرشاد .

كما كان له دوره الفاعل والمؤثر على الساحة العربية والإسلامية في الوقوف إلى جانب الكويت حين الاعتداء عليه . وبذل الجهود للإصلاح بين الأفغان الذين سعى إليهم في بيشاور مع الأستاذ مصطفى مشهور نائبه .والأستاذ إبراهيم شرف . برفقة الشيخ خليل الحامدي شكرتير أمير الجماعة الإسلامية في باكستان , وكانت جهود موفقة مباركة .

الاعتقال :

تعرض الإمام أبو النصر للاعتقال والسجن، وقبض عليه مع الإخوان، وتنقل في سجون عبد الناصر ، وفي سجن قنا كان مسؤولاً عن الإخوان بصفته عضو مكتب الإرشاد وكطبيعته فقد تعامل مع التكفير التي فتنت بعض الإخوان بالحزم الشديد الذي تسبب في بعض المشاكل بلغ هذا الأمر المرشد حسن الهضيبي وقد كان في سجن المزرعة ، وذلك بعد ترحيل أحمد شريت والدكتور علي شهوان والأستاذ عبد المنعم المكاوي وأصدر الأستاذ المرشد قراراً بتشكيل لجنة لقيادة الإخوان في قنا بدلاً من الأستاذ أبو النصر .ووصلت الرسالة وقد كان ذلك قبيل إغلاق الزنازين ولكنه حرصاً على أن يجمع الإخوان وأن يقرأ الرسالة بنفسه ويلتزم جندياً بالصف تحت القيادة الجديدة .

وبعد أن رحل الإخوان إلى سجن المزرعة تمهيداً للإفراج عنه حاول فؤاد علام أن يوحي لهم أنه وراء الإفراج عنهم ، بينما السادات قد أصدر العفو ، وطلب علام منهم أن يتعاونوا مع الحكومة فتصدى له محمد الحامد أبو النصر وقال : الإخوان سيقولون للمحسن أحسنت وللمسيء أسأت .

وكان يدير أعماله الواسعة وهو داخل السجن، إذ كان سكرتيره الخاص ( مرسي) يحضر إليه في فترات منتظمة عارضاً عليه حساباته وأعماله، ولا ننسى موسم الرمان الذي تشتهر به منفلوط ، فقد كانت الزيارة محملة بكميات كبيرة منه تكفي الجميع في السجن .

وكانت هيئة المحكمة مشكلة من جمال سالم رئيساً ، ومحمد أنور السادات- عضو اليمين، وحسين الشافعي – عضو اليسار . وحكم عليه في أحداث 1954م بالأشغال الشاقة المؤبدة لمدة / 25/ سنة قضى منها عشرين عاماً في السجون المصرية . صامداً كالجبل صلباً لا يتزحزح قوياً لا تلين له شوكة، حتى خرج في منتصف عام 1974م ليواصل عطاءه وجهاده لرفع راية الإسلام وظل وفياً لدعوته وقيادته حتى اختير مرشداً عاماً للجماعة خلفاً للتلمساني ، وكان ذلك في آذار سنة 1986م .

كان من الرعيل الأول الذي لازم الإمام البنا ، وكان من دعائم الحركة منذ الثلاثينات وعاش معها محنتها، بل محنها، صابراً محتسباً لم تضعف له عزيمة في سجنه ولم تلن من شدة المحن شكيمته. فكان قدوة في الإخلاص وصدق الإيمان .

ظل وفياً لبيعته ، مجاهداً لفكرته، حاملاً عب ء رسالته رغم أنه قد فاق الثمانين من عمره المبارك .

يقول أحد الكتاب الإسلاميين : (( كنت ترى فيه حمية المؤمن ، وحماس الشباب، وشجاعة الأبطال ، وحكمة الشيوخ، وحنكة المجرّب، ونور الإيمان، وتلحظ فيه حنو الأب وحب الأخ، ومجاملة الصديق، وبراعة المعلم، وحسن القدوة، وإخلاص المربي يعطيه سمته وقاراً، وأدبه جلالاً، وسابقته كمالاً .

ترى وجهه هموم الدعوة مع مسحة من الجد وإشراقة التفاؤل وفي سجاياه كثير من الشموخ ، مع حنو وحب وشهامة وكرم وعفة وإباء )) .

كان شاهد عصر بأكمله ، راوية لدقائقه وحوادثه، أمسك دفة الدعوة في انطلاقاتها الاجتماعية والسياسية الأخيرة التي بلغت بها مجالس النقابات والمدن، وتحت قبة البرلمان، وعاصر المكائد والدسائس والافتراءات والتحقيقات. والأحكام الأخيرة وضرب المثل في كل موقف إلى أن وهن الجسد بفعل المحن والحوادث والسنون ، فرحل العملاق وأسلم الروح لخالقها يسبقها جهاده وتشهد له غمرات الكفاح . وجبال الصبر وسحائب الوفاء .

جماعة الإخوان في عهده :

وقد عاشت جماعة الإخوان في عهده أحداثاً بارزة على الصعيد السياسي كان أهمها:

ترسيخ الوجود الفعلي لرموزها في العديد من النقابات المهنية ونوادي التدريس الجامعية والجمعيات الأهلية .

خاضت الجماعة في عهده الانتخابات النيابية سنة 1987م متحالفة مع حزب العمل والأحرار ، مما أتاح لها دخول البرلمان (36) نائباً إخوانياً لأول مرة في تاريخ الجماعة في مجلس الشعب . وأدى إلى قيادتها للمعارضة بشكل فعلي .

كما خاضت الجماعة التجديد النصفي لمجلس الشورى عام 1989م، وقاطعت انتخابات البرلمان سنة 1990م وتبعتها بقية أحزاب المعارضة احتجاجاً على استمرار العمل بقانون الطوارئ .

وعدم وجود ضمانات كافية لنزاهة الانتخابات .

وفي عام 1992م خاضت الجماعة انتخابات المجالس المحلية .

وفي عام 1993م رفضت الجماعة منح التجديد للرئيس مبارك لفترة رئاسية ثالثة مما أثار غضب السلطة عليها ، وأحال /82/ رجلاً من قيادة الجماعة إلى المحاكمة العسكرية عام 1995م والتي قضت بسجن (54) عضواً من الرموز المعروفة في محاكمة غير قانونية ، ثم شاركت الجماعة أيضاً في انتخابات مجلس الشعب التي جرت في شهر تشرين الثاني 1995م .

أما أبرز الانجازات على المستوى الداخلي للجماعة فكانت :

1-نجاح القيادة في استكمال الهيكل الإداري والتنظيمي من خلال تنفيذ مبدأ الشورى في اختيار القيادات على جميع المستويات حتى عضوية مكتب الإرشاد وذلك لأول مرة منذ دخول الجماعة عصر المحن قبل أكثر من أربعين عاماً .

2-بالإضافة إلى التركيز على القيادات الدعوية في أوساط الشباب. وجماهير الناس لتنهض بتبعة حمل الدعوة وتبليغها للناس داخل القرى والمدن والمحافظات في القطر المصري .

النشاط السياسي الإسلامي :

شارك أبو النصر في بداية حياته في العمل الاجتماعي والإسلامي فكان :

-عضواً في جمعية الإصلاح الاجتماعي في منفلوط سنة 1932م ..ثم رئيساً لهذه الجمعية .

-ثم صار عضواً في جمعية الشبان المسلمين سنة 1933م .وأمين الصندوق في الجمعية.

-وعضواً بلجنة الوفد المركزية بمنفلوط .

-عضواً في جمعية الإخوان المسلمين سنة 1934م .

-عضواً في مكتب الإرشاد لجماعة الإخوان المسلمين .

-مرشداً عاماً بعد وفاة عمر التلمساني سنة 1986م .

في السجن :

قضى مع رفاقه من مكتب الإرشاد وغيرهم من أفراد الجماعة عام 1954م عند اصطدام الثورة المصرية بالإخوان المسلمين ، وحكم عليه بالأشغال الشاقة المؤبدة . وظل في المعتقل حتى خرج في عهد السادات .

العودة إلى النشاط السياسي :

بعد خروجه من السجن عاود نشاطه الدعوي في جماعة الإخوان فاختير مرشداً عاماً بعد وفاة الإمام عمر التلمساني في فترة توليه دخل أكبر عدد من الإخوان في مجلس الشعب المصري، وشهدت الجماعة نمواً مطرداً .

أخلاقه وسماته :

يصفه رشاد محمد البيومي نائب المرشد فيقول : لقد عرفته عن قرب فبعد أن رحلت من سجن أسيوط إلى سجن المحاريق سكنت معه في زنزانة واحدة كانت تجمع إخوان الصعيد وكان على رأسهم الأستاذ الكبير المرحوم أحمد شريت والأخ طه أبو الليل والأخ حلمي بخيت والدكتور يحيى عبد الغفور وآخرون .

كانت تظله مهابة أعيان الصعيد فقد أوتي بسطة في الجسم ، قامة عالية معنى ومبنى ينم وجهه بنظراته الصارمة عن الاعتزاز بالنفس والترفع عن الدنايا ورغم ذلك كان رقيق الإحساس لدرجة غير مسبوقة فإذا فتحت أبواب قلبه تحس الأنس والمودة والأبوة الصادقة. وفي كل لحظة ستشعر منه الولاء الصادق العريق لدعوته وجماعته ولا غرو فهو أحد الأربعة من مكتب الإرشاد الذين وهبوا حياتهم لدين الله فلم تفتر همتهم ولم تهتز عزيمتهم وكانوا قدوة صادقة صالحة لإخوانهم في التجرد وإنكار الذات والثبات على الحق .

وعرفته جندياً شديد الالتزام عندما يستدعيه الأستاذ الكبير عبد العزيز عطية فيلبي مسرعاً سامعاً مطيعاً تعبداً لله في بساطة ووضوح .

عرفته قائداً ساس السفينة برغم الأنواء التي واجهته بكل ثبات وصرامة وحزم.

وفاته :

توفي محمد الحامد أبو النصر في القاهرة في فجر يوم السبت 20 يناير عام 1996م عن عمر يناهز / 83/ عاماً .

من مؤلفاته :

حقيقة الخلاف بين الإخوان المسلمين وعبد الناصر .

العزيزيات – ديوان شعر عزيز قلدس المنفلوطي (1910- 1993م) – تقديم محمد الحامد أبو النصر مرشد الإخوان – مخطوط بحوزة أسرته .

ألقى كلمة في جمعية الطلبة المسلمين في لندن .

وله خطبة بعنوان : الصحوة الإسلامية وآفاق التمكين .

وله : متى نفرح بالعيد ؟

مصادر البحث :

1-موقع الجزيرة نت .

2-المرشد الرابع السيد محمد الحامد أبو النصر – المستشار عبد الله العقيل 3– مجلة المجتمع – الكويت (21 أكتوبر 2006م ) .

وسوم: العدد 648