سلسلة قراءاتي لكتاب "في صحبة مالك بن نبي" لعمر كامل مسقاوي 11+12
مالك بن نبي .. ظلم زعماء الثورة الجزائرية له
يرى الأستاذ كمال مسقاوي على هامش صفحة 449، أنه وضع عناوين في كتاب "شروط النهضة" لبن نبي - وأظن كتبا أخرى- لاعلاقة لها بالترجمة الفرنسية، إنما كانت مستوحاة من روح اللغة العربية، حتى تناسب طبيعة الكتاب والأهداف التي وضعت لأجله، كاقتبسات عن محمد إقبال وغاندي، التي لم تذكر في النسخة الأصلية الفرنسية، وهذا طبعا بعد أخذ مشورة بن نبي وموافقته على ذلك. ويؤكد في صفحة 470 وما قبلها على الإشراف الشخصي لبن نبي على ترجمة كتابه "شروط النهضة"، وكتب أخرى.
ويرى أن أغلب كتب بن نبي كتبت في الخمسينات، أي أثناء الحرب الباردة. ويرى في صفحة 550، أن كتاب "العفن"، تحدث عن فترة 1931 -1951
إنتهينا من عرض الجزء الأول من كتاب "في صحبة مالك بن نبي"
وسيتم التطرق للجزء الثاني..
يعترف مسقاوي في صفحة 609، وهي أول صفحة من الجزء الثاني، أنه لم يعرف بن نبي إلا بعد صدور "العفن".
ويرى في صفحة 613، أن مفهوم مالك بن نبي حول "القابلية للاستعمار" ومقالاته التي كتبها في ذات الشأن، هي التي جعلت الساسة الجزائريين يثورون عليه، ويمنعونه من المشاركة في الثورة الجزائرية.
يرى بن نبي في صفحة 614، أن مؤتمر الصومام 1956، غيّر مجرى الثورة الجزائرية لصالح فرنسا، ويكفي أنهم استبدلوا كلمة مجاهد إلى مناضل. ويرى أن "مؤتمر الصومام رجع بمفهوم الثورة إلى الوراء".
ويرى في صفحة 614، أن ساسة الجزائر المكلفين بالتفاوض مع فرنسا سنة 1956، كانوا يتفاوضون حول منطقة الحكم الذاتي الجزائري ZAA. وكان بن نبي يرفض هذا التساهل من القادة الجزائريين، لذلك كانوا يحذرون منه ويسيؤون لسمعته، حتى لا يفشل مسعاهم المناهض للثورة الجزائرية، والمتمثل في منطقة الحكم الذاتي الجزائري. ومن يومها أصبحت الثورة دفاعا عن المصالح الشخصية، الذي جاء مع الحكومة المؤقتة لثورة الجزائرية.
يعتبر بن نبي في صفحة 616، إن وضع فرنسا لخط موريس، وقطع الإمدادات عن المقاتلين يعتبر ضعفا من القيادة الداخلية، وهذا الكلام لم يرضي القيادة الجزائرية. ويرى أن الساسة سيطروا على العسكريين إبتداء من مؤتمر الصومام 1956، خاصة بعد تغلغل بعض أفراد الجزائريين الذين كانوا في الجيش الفرنسي.
يرى في صفحة 617، أن زعماء الثورة الجزائرية، عاقبوا بن نبي بأن حرموه من أن يكون مبعوثا للجبهة في المؤتمر الإفريقي الأسيوي، حين رأوا أن السادات قربه وكتب له مقدمة الإفريقية الأسيوية.
وجاء في صفحة 618 ومنذ سنة 1958، وبضبط حين أرسل رسالة إلى جبهة التحرير 29/01/1959، إنقطعت علاقة بن نبي بجبهة التحرير، لأنه رأى إنحرافا عن الثورة من خلال مؤتمر باندونغ، وتم قطع المساعدات المالية التي كانت تقدم له والمقدر بـ 25 ، عقابا له على نقده للسلوكات السيّئة لزعماء الثورة الجزائرية.
يرى بن نبي في صفحة 619، أنه حين كان في مصر سنة 1956، لم يكن هناك ماسينيون شخصيا، لكن خلفه قادة الثورة الجزائرية في محاربته والضغط عليه من خلال البوليتيك.
ويشعر بن نبي في صفحة 620، حين انتقل إلى القاهرة سنة 1956، أنه منبوذ من قبل قادة ثورة التحرير، بسبب سياسة البوليتيك التي يتبعونها ويعارضها بن نبي. وقد تحدث عن هذه الفترة في مذكراته 1936-1958.
622 يرى في صفحة 622، أن بن نبي تفطن متأخرا أن مشروع عبد الناصر لم يكن في مستوى استيعاب مشروع بن نبي، وكان عبد الناصر ينظر اليه على أنه تعداد للكتب. ومازلت أقول أن بن نبي أفرط كثيرا في تملقه لعبد الناصر وتعلقه الشديد به دون فائدة مرجوة.
يتأسف بن نبي في صفحة 624-625 من كون كتابه "الفكرة الافريقية الاسيوية"، لم يتلقى أية كلمة شكر من مصر ولا من الدول التي قدّم لهم الكتاب، ولم يعره أحد اهتماما يليق به. ويتحدث عن التهميش والمرارة التي لاقاها في مصر.
628 يرى في صفحة 628، أن الثورة الجزائرية إنحرفت بعد مؤتمر الصومام 1956. وكان أخطر على الثورة هؤلاء الذين يبدأ أسماءهم بالحروف التالية..
TM. AF. AK.LD ، وعبرهم غدت الثورة من غير روح.
جاء في صفحة 631، أنه وابتداء من سنة 1958 عاش بن نبي العزلة بسبب كره قيادة الثورة له، لانتقاده البولتيك الذي كانت تمارسه، بدليل الاتحاد السوفيتي سابقا، عرض مؤتمر يضم كتاب افريقيا وأسيا، فرفضت قيادة الثورة تسمية بن نبي رغم أنه صاحب ومنظر فكرة باندونغ وصاحب كتاب الافريقية الاسيوية، بسبب مواقفه المعارضة لهم في تسيير الثورة الجزائرية.
جاء في صفحة 641، قول بن نبي: "كم أتمنى الموت لعله أفضل لي". هذه خلاصة الحصار الذي عاشه بن نبي في سنوات 1958 من طرف فرنسا ومصر وقيادة الثورة والاعتقال.
وفي صفحة 642، نقرأ بأن إهداء بن نبي كتابه "الفكرة الافريقية الاسيوية" لعبد الناصر وتحدثه عن فكرة عدم الانحياز، لم يكن يروق لقادة الثورة الجزائرية يومها، لأنه نسب هذه الأفعال للشعوب ولم ينسبها للزعماء كما كانوا يرجون ويسعون، ولذلك واجهوه بالعداء والرفض والاقصاء.
جاء في صفحة 646، أن تغلغل الاستدمار داخل الثورة الجزائرية بدأ من سنة 1958. وأسوء عامل ضرب للثورة الجزائرية هو مؤتمر الصومام لأنه زاغى عن مسار الثورة. ضف لها تدخل بورقيبة ليضع القيادات الاولى تحت الاستدمار. وأن بعض الجرحى الذين ذهبوا لمصر للتداوي رفضوا أن يعودوا للجزائر خوفا من الاعدامات التي تطالهم من طرف الثورة.
649 وفي صفحة 649، جاء فيها أن جبهة التحرير الجزائرية رفضت أن تفوض مالك بن نبي لحضور مؤتمر الافريقي الأسيوي، وشاء أنور السادات أن يكون أمين عام المؤتمر يومها، وهو الذي فوضه بالحضور والمشاركة، وكان هذا انتصارا لبن نبي.
يتحدث بن نبي بمرارة شديدة عن حياته، فيقول في صفحة 650.. عشت 25 سنة تحت فقر العائلة، لكن العامين الأخيرين حين كتبت SOS، وطبعتها على نفقتي الخاصة باللغات الثلاث سنة 1958، حرمتني جبهة التحرير الجزائرية من 25 جنيها كانت تقدمها لي، بسبب مواقفي.
سلسلة قراءاتي لكتاب "في صحبة مالك بن نبي" لعمر كامل مسقاوي 12
مالك بن نبي .. السعادة التي وجدها في سورية ولبنان
يتحدث بن نبي في دفاتره سنة 1958، أنه أهدى كتابه "شروط النهضة"، لطه حسين والعقاد، ولم يتلقى إجابه منهما، ووصف موقفها الأرعن بقوله " الصمت المتعالي الأرعن كل من السيد طه حسين ومحمود العقاد". وجاء في صفحة656 ، أن بن نبي أهدى كتابه "الافريقية الأسيوبة" لعبد الناصر.
وما يجب التركيز عليه أن المصريين من ساسة ورجال فكر وعلماء دين، لم يعيروا بن نبي اهتماما وتقديرا يليق بكتبه وأفكاره، ولم أجد غير الحقد والحسد والغيرة من وراء عدم الاهتمام، لأن بن نبي كان متفوقا، والتفوق يقلق الحاسد المبغض.
بن نبي في صفحة 657، يفرق جيدا بين الثقافة العربية والثقافة الغربية، حين يقول أن المهندس العربي حين ينتهي من خريطته يقول "هذا كاف"، والمهندس الغربي حين ينتهي من خريطته يقول "وهل هذا يكفي؟". وهنا يكمل الفرق بين حضارتين. وهذه الصورة هي التي يحملها بن نبي في جميع كتبه، حتى أنها أصبحت إحدى الهموم التي يجب التطرق إليه، ومعالجتها وإيجاد حل لها.
يتحدث بن نبي في صفحة 658، عن الضغوط التي تعرض لها كتابه "الافريقية الأسيوية"، من طرف زعماء الثورة الجزائرية ، حين قال..
إنه يتم إعدامه بكل دقة وعناية من خلال استخفاف الزعماء الجزائريين به من ناحية، والموظفين الكبار في السكرتارية العامة للمؤتمر الافريقي الآسيوي من ناحية أخرى. وتجاهلوا عمدا الرسائل التي تطلب كتاب "الافريقية الأسيوية" أو التعريف به.
663 وعن الحركة الإصلاحية، يرى بن نبي في صفحة 663، أن مايميز الحركة الاصلاحية أن هناك "غياب نظرية محددة لدى رواد الإصلاح، أفقدت الحركة أهدافها ووسائلها رغم كله ماحققه من إيجابيات"
ويبدو لصاحب الأسطر وهو يتصفح الكتاب ويتابع رحلة المفكر، أن بن نبي وهو في القاهرة لم يكن له اتصالا بالجامعة المصرية، ومرد ذلك في ما أعتقد.. أن بن نبي إهتم بالترويج لكتبه وأفكاره، وركز كثيرا على الساسة كعبد النصار والسادات يومها، ويتلقى منهم المبالاة وعدم الاهتمام. وكذا طه حسين والعقاد، ثم ان العقلية المصرية لاتقبل منافسا لها، خاصة اذا كان بوزن بن نبي.
أما في سورية ولبنان، فقد ذاع صيته وبقي إسمه، ثم إن الفطرة السليمة للسوري واللبناني دفعته إلى الاتصال ببن نبي والاستفادة منه، ضف لها أن في لبنان وسورية، سبقه تلاميذه كالمسقاوي، وساسة المشرق اتصلوا به ليستفيدوا منه ويتخذونه قدوة في بناء مجتمعهم، والنهوض بالقطاع الذي يشرفون عليه.
واستقبل في سورية من طرف أساتذة الجامعة الكبار، وقد ذكر كمال مسقاوي أسماءهم لمن يريد الرجوع إليهم. وفي كل مرة يستضيفه أستاذ ويعرض عليه أن يلقي محاضرة في الجامعة أو في مكان يجتمع فيه الطلبة والمعجبون، وقد كان لهذه اللقاءات والمحاضرات الأثر البالغ على فكر بن نبي ، حيث تأكد أن أفكاره كتبت لها الحياة من جديد على يد السوريين واللبنانيين، بعدما عانت الاضطهاد والتضييق في القاهرة وعلى يد الساسة والمفكرين والثورة الجزائرية وعلماء الجمعية.
وللتدليل على ذلك يكفي أن بن نبي في صفحة 739، يرتاح في وسورية حين علم ان كتابه "vocation de l’islam"، ترجم إلى "وجهة العالم الاسلامي" ، بعد كل من كتابه "الظاهرة القرآنية" و"الفكرة الافريقية والاسيوية". ويعلق الأستاذ مسقاوي على ذلك قائلا. إرتاح بن نبي من ترجمة عبد الصبور والضغط الممارس عليه.
يفهم من خلال هذه السطور، وفي انتظار الانتهاء من عرض الكتاب، أن بن نبي كان يعيش ضغوطا كبيرة في مصر، من طرف الساسة وعلماء الدين ورجال الفكر والأدب، ووجد الحرية الكاملة في وسرية ولبنان، وانعكس ذلك إيجابا على ابداعاته، التي يتمتع بها القارئ الآن.
وسوم: العدد 655