حول الدكتور الترابي
أنا متابع تستفزني الأحكام الظالمة، فتنتشلني من كسلي لأكتب، ما لا أكتبه دون هذه الاستفزازات!
في مجموعة أخرى نقل أخ حبيب كلاما لوجدي غنيم ينال فيه من الترابي وهو بين يدي مولاه!
وساءني حماسه في تضليل الرجل، مثل الذي ساءني من ذلك السلفي السوداني الذي نقل كلمته أحد الأحباب الآخرين، وهو يكفر الشيخ الترابي بلا ورع ولا تقوى!
وعلق حبيب ثالث بكلام ظاهره الاتزان يدعو لعدم رفع الرجل فوق مكانته، والوقوف بحزم في وجه فتاويه بخصوص إمامة المرأة ونزول المسيح والمهدي والردة!
فكتبت تعقيبا:
لا حول ولا قوة إلا بالله...
كارثة هذا الوجدي
وهو يؤكد على أن في الجماعة تيار متدعوش يفكر بعقل داعش، وينبض بقلبها. ويتكلم بلسانها، ولو مكن من السلاح لكان في صفوفها!
والله ما قرأ الترابي من كتب الترابي لا وجدي ولا أكثر من يبرر له، ولو قرأوه من كتبه لفهموه وعذروه حتى ولو خالفوه!
كلام الشانئين من الإسلاميين يخيفني لا في كونه ظالم لم يجشم نفسه عناء قراءة الآخر من مصادره قبل تكفيره وتضليله فحسب!
بل أشك أن بعضهم يتعمد لي الكلام واقتطاعه ليبدو في غاية الاستفزاز حتى يمهد الأرض لقبول طعنه ومغالاته في زندفته!!
أزعم أنني قرأت للترابي عشرات المقالات، وسمعت له بضع محاضرات، وقرأت له أكثر من مرة كتبه الستة المتوفرة لدي..
وهي كتب ترشحه في ميدان الاجتهاد لقدم السبق، فقد قدم للحركة الإسلامية مشروعا حضاريا رفيعا، وعالج أمورا انحازت لها بعد تردد، وكان مدرسة في فقه الأقليات بما خبره من ثقافة الأصول، وفلسفات الغرب التي حرمها علماؤنا على أنفسهم!
وبما خبره من واقع الغرب بعد أن أتقن ثلاثا من لغاتهم هي الإنجليزية والفرنسية والألمانية.
والرجل بعد عالم بحق، ليس بحفظه القرآن الكريم بأكثر من قراءة مبكرا، وإنما بتضلعه بعلوم الأصول التي استوعب فيها، وأضاف لها تجديدا حتى في قواعد الحديث، وقواعد الفقه وأصوله...
أكثر ما رأيته من مؤاخذات عليه تتعلق بنوازل خاصة، عالجها من وحي أحاديث صحيحة، لا غضاضة في مخالفته بالاعتداد بها، لولا أنني ما رأيت من تحمس شانئيه في التصدي لفتواه بخصوص إمامة المرأة عشر ذلك الحماس والتضليل والزندقة لمن أفتى بإرضاع الكبير بناء على أحاديث مشابهة!
مع أنه طرحها لحالات خاصة في إطار الوقائع التي طرحت عليه، وأولئكم عمموا فتاويهم حتى تخيلوها حلا لخلوة الموظف بزميلته في العمل!!!
على أن رأيه في الإمامة ليس مرتبطا بمجاملة كنيسة أو معاهدة دولية، فهو سابق لمؤتمر بكين، وسابق بعقد ونيف لحادثة أمينة وادود!
ولكن الإثارة الصحفية استخفت صحفا صفراء، عمد لها شانئون من طلبة العلم الشرعي للأسف، ممن لم يتورعوا عن اختراع إجتهاد للشيخ وصفوه بالصلاة المختلطة!!
ورأي الشيخ الترابي حول صف الصلاة واضح قديم لمن يبتغي الحق دون الإثارة وفي أشد كتبه إنتشاراً و شهرة ، يقول الترابي في كتاب المرأة بين تعاليم الدين و تقاليد المجتمع ص16 ، طبعة مركز دراسات المرأة : " و لا ينبغي أن يزدحم الرجال و النساء بحيث تتقارب الأنفاس و الأجساد إلا لضرورة عملية كما في الحج و حيثما وجد الرجال و النساء في البيوت أو الطرقات أو المجالس العامة يجب أن تتمايز الأوضاع شيئٌ ما . لذلك تمايزت الصفوف في الصلاة لأن في صفها يتراص الناس مقاماً و مقصداً و لأنها موضعٌ يتوخى فيه التجرد الشديد من كل صارف عن ذكر الله . و قد إتخذ الرسول صلى الله عليه وسلم باباً خاصاً للنساء (أبو داود) : و قد روى البخاري عن أم سلمة رضي الله عنها قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام النساء حين يقضي تسليمه يمكث هو في مقامه يسيراً قبل أن يقوم. انتهى
ما يقال حول المهدي ونزول المسيح مادة خلاف قديمة لم يتخذها السلف سببا لتكفير بعضهم..
وما قاله حول حد الردة أصبح أكثر ألفة اليوم في صفوف طلبة العلم أنفسهم، مما كان سائدا يوم قاله، وحتى لو خالفناه في آحاد هذه الاجتهادات فإننا لا نبخسه حقه، ولا نظلمه، ولا نتجنى عليه، بل نعرف نبيل قصده، ونحسن الظن به، ونعلم أنه ليس بالضرورة أن ترضى كل أطروحاته، ولا تنبغي له ولا لغيره خلا المعصوم صلوات الله وسلامه عليه.
وأننا على صعيد تقويمه الشخصي ننسى هذه الهفوات في بحر حسناته، ولا نزكيه على الله، نرجو له الجنة، وأن يجزيه الله بجهده في الدعوة، واجتهاده في العلم، ومجاهداته في التصدي للحكومات العسكرية المستبدة من العبود للبشير، خير ما جزى عالما عاملا مجاهدا..
وأن يجمعنا معه في الفردوس الأعلى من الجنة..
اللهم آجرنا في مصيبتنا، واخلفنا خيرا منها...
وسوم: العدد 659