مصطفى أمين وأي دمعة حزن لا

 

clip_image001_b7670.jpg

توفى مصطفى أمين في 13 إبريل 1997 بعد حياة حافلة ليلحق بتوأمه علي أمين والذي توفى عام 1976 م .

 مصطفى أمين من مواليد 21 فبراير عام 1914 وسافر إلى أمريكا لإكمال دراسته والتحق بجامعة جورج تاون ودرس العلوم السياسية وحصل على درجة الماجستير في العلوم السياسية مع مرتبة الشرف الأولى عام 1938 ثم عاد إلى مصر وعمل كمدرس لمادة الصحافة بالجامعة الأمريكية لمدة أربع سنوات.

كانت الصحافة هي العشق الأول لمصطفى أمين وشقيقه وفي عام 1930 انضم مصطفى أمين للعمل بمجلة روز اليوسف وبعدها بعام تم تعينه نائباً لرئيس تحريرها وهو ما يزال طالباً في المرحلة الثانوية وحقق الكثير من التألق في عالم الصحافة ثم انتقل للعمل بمجلة أخر ساعة التي أسسها محمد التابعي وكان مصطفى أمين هو من اختار لها هذا الاسم.

كان مصطفى أمين صحفياً بارعاً يعشق مهنته يتصيد الأخبار ويحملها للمجلة ويتمتع بقدر كبير من الإصرار والمثابرة ويسعى وراء الخبر أينما كان وكان أول باب ثابت حرره بعنوان (لا يا شيخ) في مجلة روز اليوسف.

 أصدر مصطفى أمين عدد من المجلات والصحف منها مجلة الربيع  وصدى الشرق وغيرها والتي أوقفتها الحكومة نظراً للانتقادات التي توجهها هذه المجلات والصحف إليها.

شهد عام 1944 مولد جريدة أخبار اليوم بواسطة كل من مصطفى وعلي أمين وكانت هذه الجريدة بمثابة الحلم الذي تحقق لهما وبدأ التفكير بها بعد استقالة مصطفى من مجلة الاثنين حيث أعلن عن رغبته في امتلاك دار صحفية تأتي على غرار الدور الصحفية الأوروبية وبالفعل ذهب مصطفى أمين إلى أحمد باشا رئيس الوزراء ووزير الداخلية ليتحدث معه في الصحيفة الجديدة وطلب منه ترخيص لإصدار صحيفة سياسية باللغة العربية باسم أخبار اليوم وبدأ مصطفي في اتخاذ الإجراءات القانونية لإصدار الصحيفة في 22 أكتوبر 1944 وجاء يوم السبت 11 نوفمبر ليشهد صدور أول عدد من أخبار اليوم وقد حققت الصحيفة انتشاراً هائلاً وتم توزيع عشرات النسخ منها مع صدور العدد الأول وقد سبق صدورها حملة دعاية ضخمة تولتها الأهرام وقد قام الأخوان أمين بعد ذلك بشراء مجلة"أخر ساعة عام 1946 من محمد التابعي.

 بدأت العلاقة بين سلطة 23 يوليو عام 1952 وبين صاحبي أخبار اليوم بداية درامية فقد اعتقلا يوم الأربعاء 23 يوليو عام 1952 ولكن مساء يوم 26 يوليو عام 1952 لم توجه لهما السلطة الجديدة أي اتهام وخرجا يمارسان العمل في أخبار اليوم.

نذكر للتاريخ ما قام به الصحفي الوطني الجسور مصطفى شردي وما قام به الصحفي الكبير مصطفى أمين إزاء العدوان الثلاثي الذي قامت به انجلترا وفرنسا وإسرائيل على مصر في شهر أكتوبر عام 1956 فقد ظل مصطفى شردي داخل بورسعيد حاملا آلة تصوير وجعل الأفلام التي تفضح بشاعة العدوان وتسلل في ليل دامس في ملابس صياد وغاص في بحيرة المنزلة ووصل إلى دار أخبار اليوم في الفجر وسلم أفلام الدمار إلى الأستاذين مصطفي وعلي أمين وبأمر من القيادة حمل مصطفى أمين هذه الصور النادرة وطار بها ووزع الصور على كبرى صحف العالم لتنشر على صدر صفحاتها الأولى بفضح العدوان الثلاثي .. إنجلترا وفرنسا وإسرائيل.

من مؤلفات الصحفي القدير مصطفى أمين نذكر : تحيا الديمقراطية ومن عشرة لعشرين ومن واحد لعشرة ونجمة الجماهير وأفكار ممنوعة والـ 200 فكرة وسنة أولى سجن والآنسة كاف وست الحسن ولكل مقال أزمة وأسماء لا تموت وصاحبة الجلالة في الزنزانة وصاحب الجلالة الحب ولا والنحو الواضح للثانوي والابتدائي بالاشتراك مع الشاعر علي الجارم وبين الصحافة والسياسة.

كان للصحفي القدير علي أمين وشقيقه علي العديد من النشاطات الخيرية والاجتماعية فنفذ الشقيقان أمين مشروعاً خيرياً أطلقا عليه ليلة القدر كما كانا صاحبا الفضل في ابتكار فكرة يوم الأم ويوم الأب ويوم الحب وبدأ مشروع ليلة القدر في 15 فبراير 1954 بمقال نشره مصطفى أمين في أخبار اليوم جاء فيه : (في قلب كل إنسان أمنية صغيرة تطارده في حياته وهو يهرب منها إما لسخافتها أو لارتفاع تكاليفها، فما هي أمنيتك المكبوتة؟ أكتب لي ما هي أمنيتك وسأحاول أن أحققها لك سأحاول أن أدلك على أقصر الطرق لتحقيقها بشرط ألا تطلب مني تذكرة ذهاب وإياب إلى القمر) وقد حقق هذا المشروع الكثير من النجاح حيث انهالت على الجريدة العديد من الخطابات وتم تلبية طلبات العديد من أصحاب الاحتياجات وتوسع هذا المشروع بعد ذلك وتفرعت أنشطته.

وفي إحدى الندوات تقدم رجل مسن وسأل الأستاذ مصطفى أمين : كيف تذكرون الأم  وتنسون الأب ؟ فسأله الأستاذ مصطفى أمين : ماأسمك ؟ فقال الرجل : أسمي فلان الفلاني .. فقال الأستاذ مصطفى أمين : هاأنت تذكر اسم أبيك كل يوم عدة مرات ولاتذكر اسم أمك يوما واحدا في العام .

أنشأت جائزة مصطفى وعلى أمين الصحفية والتي تعتبر بمثابة التتويج الحقيقي لمشاعر الأب الذي يحتضن أبنائه ويشجعهم ويحفزهم على مزيد من النجاح في بلاط صاحبة الجلالة ولم يقتصر هذا التكريم على الصحفيين بل امتد للمصورين ورسامي الكاريكاتير وسكرتارية التحرير الفنية وأيضا الفنانون ومن الفنانين الذين حصلوا على جائزته فاتن حمامة ويحيي الفخرانى ونور الشريف وعبلة كامل ويحي العلمي وعمار الشريعى وغيرهم.

تزوج مصطفى وأنجب أبنتين هما رتيبة والتي أسماها على اسم والدته وصفية واسمها على اسم السيدة صفية زغلول والتي كان يعتبرها بمثابة الأم الثانية له حيث نشأ وترعرع هو وشقيقه في منزلها وفي ظل رعايتها لهما وقد عملت صفية بالصحافة أسوة بوالدها.

في سجنه كان مصطفى أمين يكتب إلى أبنته صفية العديد من الرسائل وعلى الرغم من القسوة والمعاناة التي كان يعانيها إلا أن رسائله كانت مفعمة بالتفاؤل فمن كتاباته لابنته قوله : إن حالته المعنوية عالية وأنه كلما توالت عليه الضربات يكون في أحسن حالاته وأن الأزمات والمحن تجدد شبابه وقد قامت ابنتيه رتيبة وصفية بزيارة إلى جيهان السادات مع أم كلثوم أملاً في التوسط من أجل الإفراج عن والداهما وذلك عام 1972 ولكنهم لم يوفقوا في الإفراج عنه فوراً ولكن قام السادات بإصدار قرار العفو عنه بعد هذه الزيارة بثلاث سنوات وبعد نصر أكتوبر 1973.

بدأت فكرة يوم الحب عندما خرج مصطفى أمين من السجن وتصادف يوم خروجه من السجن أن شاهد في حي السيدة زينب نعشا وراءه ثلاثة من الرجال فدهش مصطفى أمين لأنه يعلم مدى الترابط والتآخي بين أهالي حي السيدة زينب وسأل مصطفى أمين أحد المارة عن الرجل المتوفي ؟ فقال له : أنه رجل عجوز بلغ من العمر السبعين فتسآءل وحاور نفسه قائلا : سبحان الله أيصل الرجل إلى سن السبعين ولم يخرج من الدنيا إلا بثلاث؟ ومن ذلك اليوم أخذ مصطفى أمين على عاتقه المناداة والدعوة ليوم الحب يراجع فيه كل إنسان حساباته وعندما بدأ الكتابة عن يوم الحب لم تقابل فكرته بالحماس لأن المعارضين ظنوا أن مصطفى أمين ينادي بيوم للعشق والغرام؟ ولم يفطنوا إلى أن يوم الحب الذي يقصده هو يوم لحب الوطن وحب العمل وحب الخير .. حب الحق والتسامح والوقوف مع الضعفاء هو حب العمل والحنان والكلمة الحلوة التى تزيل المرارة من فم التعساء وفتح باب الأمل لمن سدت في وجوههم الأبواب .. وعندما عرفوا مايقصده مصطفى أمين من يوم الحب كتبوا عنه وشجعوه .

حاول مصطفى أمين أن يختار وقتا مناسبا ليوم الحب واستبعد العيدين عيد الفطر وعيد الأضحى كما أستبعد أن يكون أول يناير لكونه رأس السنة ولم يجد شهرا يخلو من الاحتفالات سوى شهر نوفمبر واجرى استفتاء لاختيار اليوم المناسب وكان الاختيار محصورا بين يومي الثالث والرابع من شهر نوفمبر واستقر الرأي على أن يكون يوم الحب هو الرابع من نوفمبر .

ولاتستطيع أن تفرق بين أسلوب علي أو أسلوب مصطفى أمين وفي حديث للصحفي القدير مصطفى أمين قال : (كان علي إذا بدأ يكتب مقالا أستطيع أن أتمه دون أن أسأله ماذا كان يريد أن يقول وكان هو يفعل نفس الشىء) ومصطفى أمين الكاتب الوحيد الذي يستطيع أن يكتب وغرفته مليئة بالضيوف والصحفيين ويرد على التليفون ويحيي ضيوفه .

من أقوال مصطفى أمين نذكر : هل نحن في عصر الفلوس ؟ في الماضي كانت قيمة الإنسان بما في رأسه فهل أصبحت قيمة الإنسان بما في جيبه ؟ الدنيا تغيرت فأصبحت الشيكات أنفع من الدرجات العلمية والرصيد في البنوك أكثر احتراما من المؤلفات والمجلدات والأبحاث والفلسفات لكن الذي لاشك فيه هو أن القلب عندما يمتلىء بالعاطفة يكون أسعد ألف مرة من الجيب وهو ممتلىء بالأموال .

ويوم السبت 23 فبراير عام 1980 كتب في عموده الصحفي ( فكرة ) : 

ياولدي لاتتوهم أن الشهادة التي تحملها هى نهاية العلم بل هى بداية المعرفة إن الفرق بين العالم والجاهل ليس في شهادة يحملها بل هو عدد الكتب التي قرأها .. ياولدي لاتبحث عن الثروة السريعة فالذي يجىء بسرعة يذهب بسرعة ولاتحلم بالمستحيل بل أصنع المستحيل .. ياولدي أملأ قلبك بالإيمان .. قلب ملىء بالإيمان أغنى من خزائن البنك الأهلي .    

كانت علاقات مصطفى أمين جيدة بالفنانين وكان أشهرها مع أم كلثوم التي وقفت بجوار إخبار اليوم في عثراتها المالية والموسيقار محمد عبد الوهاب ونجاة وكامل الشناوي وكمال الطويل وفاتن حمامة وكان عبد الحليم حافظ يتعامل مع مصطفى أمين كالوالد والأستاذ ويستشيره في كل شيء سواء في أغانيه أو في حياته الشخصية وكان عبد الحليم مناصر قوي لأمين أثناء فترة اعتقاله فكان يؤكد دائماً على براءته وبذل الكثير من الجهد من أجل الحصول على تصريح لزياراته في السجن وقال مصطفى أمين عن صداقاته للنجوم : إن الحياة بجانب النجوم مرهقة ومتعبة ولكنها لذيذة وأنت في بعض الأحيان لا تستطيع أن ترى جمال الصورة إلا إذا ابتعدت عنها فالأضواء الساطعة تعميك اننى أحب الناس كل الناس.

ونذكر أن الشاعر محمد حمزة كتب أغنية جديدة ليغنيها عبد الحليم حافظ لأول مرة في حفل الربيع بجامعة القاهرة عام 1974 ولحن الكلمات الموسيقار بليغ حمدي واستقر الرأي على ( جي الزمان ) ليكون اسما للأغنية وبالفعل طبعت أفيشات الأغنية وتكلفت الطباعة 15000 جنيها وذات مرة اتصل العندليب عبد الحليم حافظ بمنزل الشاعر الصحفي محمد حمزة فردت عليه الإعلامية فاطمة مختار زوجة الشاعر محمد حمزة فقالت للعندليب عبد الحليم حافظ  : على فكرة ياحليم عنوان الأغنية غير مفهوم وأنا اقترح أن يكون عنوانها (أي دمعة حزن لا) وعلى الفور اتصل عبد الحليم حافظ  بصديقه الصحفي الكبير مصطفي أمين وقص عليه مادار في المكالمة بينه وبين الإعلامية فاطمة مختار فطلب مصطفي أمين من عبد الحليم حافظ أن يقرأ عليه كلمات الأغنية وبعد أن استمع للكلمات رجح ( أي دمعة حزن لا ) فعلى الفور قام عبد الحليم حافظ بطبع أفيشات جديدة باسم الأغنية الذي وقع عليه الاختيار وكلفته الطباعة الجديدة 15000 جنيها مصريا مرة أخرى. 

وسوم: العدد 664