الشهيد غالب آلوسي: أبو عصام

أن يكون في الأمة رجال تفقد بعضهم، خير من أن لا يكون فيها رجال.

وأن تفقد رجالاً في معارك العزة والشرف، خير من أن تفقدهم عبيداً لدرهم أو رغيف أو عصا..

ولقد كان غالب – رحمه الله – رجلاً، وكان مؤمناً، وكان مجاهداً.. ولقد اختاره الله شهيداً..  ونعم الاختيار.

ولد أبو عصام في دمشق، وفيها نشأ وترعرع، وفيها نهل العلم والبطولة والإيمان...

عرف الإسلام طفلاً، في أسرة متدينة كريمة، ولقنه يافعاً على أيدي مربين أجلاء وعلماء أفاضل، في دمشق ذاتها، وترك بعض هؤلاء وأولئك بصمات واضحة في نفس الفتى المتوثبة، وعقله المتوقد الوهاج.

والتزم بدعوة الإخوان في العقد الثاني من عمره القصير حين كان طالباً في المرحلة الثانوية.. فكان دعوة حية متحركة.. إيماناً في الصدر، ووعياً في الذهن، وحركة في الجوارح...

ودخل جامعة دمشق، ليتخرج فيها مهندساً مدنياً عام /1972/ وليتابع طريق دعوته، الذي لم تشغله عنه مدرسة أو جامعة، فقد كان حريصاً على أن يعطي كل ذي حق حقه ما دام ذلك ممكناً، فالفصل بين الدين والدنيا بدعة.. بل ضلالة يربأ بنفسه عنها!

وانطلق في معمعان الحياة، حماسة متقدة، ومعشراً لطيفاً، وكتفاً ليناً وذكاءً متوهجاً ونفساً رضيةً ألوفاً! أمفارقات هذه؟ هيهات؟ إنها التربية الإيمانية، لا يطغى فيها خلق على خلق، ولا أمة على أخرى.. لا تدفع الحماسة إلى البطش، ولا يشل الهدوء الحركة، ولا يغري بالمكر والخداع.. الجهاد فريضة فلا بد له من إعداد، ولا بد له من تدريب، وهكذا تعلم الأخ ما يعينه على تقوية البدن وتنمية قدراته.

ومعركة العقائد والأهواء والتيارات طاحنة، فلا بد لخوضها من سلاح، وهكذا ارتشف المجاهد البطل من العلوم الإسلامية ما يعصمه من الغرق في اللجج الهائجة المزبدة.

ومعاشرة الناس، والصبر على أذاهم، وسيلة من وسائل المؤمن لنشر دعوته وتقويم ما اعوج من سلوك الآخرين، وبالأنس والمودة والألفة يكتسب ذلك، ويكتسب إلى ذلك محبة الأهل والأقارب والأصدقاء والمعارف. وهكذا كان.

والانضباط في التنظيم، والحرص عليه، ومحاربة أي تسيب فيه.. من الأمور التي لا يجادل فيها عاقل، ولا يماري فيها ذو علم بسنة رسول الله وسيرة أصحابه، وقد أدرك الشهيد هذا بحس المؤمن، وعقل الحكيم، وروح الجندي الذي يعرف أن لا قيمة لجيش – أي جيش – إذا لم يرتبط أوله بآخره وأقصاه بأدناه..

إنه الدين الحي، يختلج في حركاته وسكناته، وفي جوارحه كلها، في قامته الممشوقة، وحركته الرشيقة.. في سمرة وجهه، وسواد عينيه الواسعتين الذكيتين.. وفي لحيته التي أجبره على حلقها الآثمون في سجن المزة...

كان حياة تفيض بالإيمان، وإيماناً تمور فيه الحياة لذا أنف القعود بعد خروجه من السجن، حيث رأى ما يعاني منه المؤمنون على أيدي الفسقة الظالمين. فالتحق بركب الجهاد ليتخذه الله – سبحانه – شهيداً قدر له ذلك، حين كشف المجرمون موعداً له مع بعض إخوانه، ونصبوا له كميناً، ولم يبق له إلا السعي الحثيث لتحقيق أمنيته – الشهادة - فاشتبك مع قنافذ السلطة بمسدسه، وألقى عليهم (رمانتين)، صرع الله بهما من أعدائه ما صرع، وأرسل من نفوسهم الذليلة إلى حَرِّ (سقر) ما شاء أن يرسل.

وانصبت نيران الرشاشات المجرمة على الجسد المؤمن لتمزقه، ولترتفع الروح إلى بارئها راضية مرضية، بعد أن عاشت على هذه الأرض ثلاثين عاماً /بين 1950 وأيار 1980/،

رحم الله غالباً، ورحم إخوانه الذي سبقوه ورافقوه، وتبعوه مدافعين عن ملة (إبراهيم)، وعن شريعة (محمد) وعن المستضعفين من عبادك، إنك أنت البر الرحيم.

وسوم: العدد 670