اللواء محمود شيت خطاب (1-2)
الشرق القطرية
بدأت صفحات عمره في مدينة الموصل وهي بلد إبن الأثير وأبي تمام والبحتري وغيرهم من العلماء والأفذاذ الذين قادوا الفكر العربي الإسلامي ردحاً طويلاً ولا يزال تأثيرهم في العلم والأدب واللغة واضحاً حتى اليوم.
كان والده يحمل شهادة العالمية في الدين وإن لم يتخذ الدين مهنة وكان يتخذ من التجارة والزراعة عملاً، ولكن بيته كان ملتقى العلماء والأدباء كل مساء، حيث يتناقشون في الأدب والتاريخ والحديث والسيرة النبوية والفتوحات الإسلامية.
لقد كان والده يأمره – وهو صبي يتخطى العاشرة بقليل – أن يقرأ للحاضرين وهكذا نشأ بين الكتب الدينية والتاريخية والفلسفية وهكذا عاش طفولته وصباه بين العلماء قارئاً ومتعلماً. وقد كان أبوه حريصاً أن يصقل لغتة العربية إلى جانب الكتب التي يتلوها أمام الزوار في الديوان، ولذا كان يتلقى دروساً في النحو والصرف وعلوم اللغة خلال الإجازة الصيفية.
وفي عام 1935م تم إعادة فتح الطريق الذي يصل إلى بغداد والمدينة المنورة ولكن الناس ظلت تهاب السير فيه، ورأت الحكومة أن تشجع الناس فقررت إيفاد بعثة لأداء فريضة الحج مكونة من التلاميذ وأساتذتهم ليكون سفرهم بهذا الطريق ودعوتهم خير دعاية للطريق الآمن وكان الطالب محمود شيت خطاب واحداً من هؤلاء الطلاب، وكان لهذا أثر حاسم في تكوين شخصيته.
وصدفة لعبت دورها في حياة اللواء محمود شيت خطاب وغيرت مجرى حياته ففي عام 1939م طلبت كلية الحربية دفعة جديدة وكان محمود يومها في الموصل فوجد أن أكثر أصحابه سافروا إلى بغداد فقرر أن يلحق بهم رغبة في مشاهدة معالم بغداد أكثر من رغبته في الالتحاق بالكلية الحربية ولكنه فوجئ بأنه كان أول المقبولين.
وتخرج من الكلية الحربية 1938م وعين بسلاح الفرسان، وعلى الرغم من أنه كان برتبة ملازم إلا أن قائد الكتيبة اختاره للعمل كأركان حرب الكتيبة متوسماً فيه الحماس والنشاط والثقافة. وخاصة الثقافة الدينية و التاريخية واللغوية.
وفي عام 1941م قامت الثورة في العراق ضد الإنجليز وفي إحدى ليالي الثورة قرر قائد اللواء المشاركه في مهاجمة مدينة الفالوجة وكذلك فعل محمود شيت ففوجئ بقنبلة انفجرت في عنقه ومزقت صدره ووجهه ورجليه ويديه.. تحول إلى كتلة من الدم والشظايا، وأيقن الجميع أنه سيلفظ أنفاسه الأخيرة بين لحظة وأخرى، ولكنه نجأ بأعجوبة، ليزداد إيماناً بعظمة الله تعالى، فكم من روح صعدت إلى بارئها إثر إصابة صاحبها بطلقة واحدة، ولكن محمود شيت خطاب أصيب بقنبلة مباشرة في صدرة وعنقه ثم نجا من الموت ولم تؤثر هذة الحادثة في معنوياته أو تبعده عن الجيش، بل أنه التحق بكلية الأركان العراقية عام 1946م، وفور تخرجه عام 1948م التحق بالقوات العسكرية التي كانت في طريقها لفلسطين، وفي عام 1954م اشترك بدورة الضباط العظام ببريطانيا وكان ترتبيه الأول على أكثر من مائة ضابط من مختلف الجيوش العالمية.
وعندما وقع العدوان الثلاثي على مصر 1956م، وكان آنذاك قائد كتيبة مشاة بالموصل وفجأة اجتاحت المظاهرات مدن العراق تهتف لمصر ورفض قمع المظاهرات وعوقب بالنقل إلى منصب إداري.
وبعد ثورة 14 تموز 1958م، وانحراف قائدها عبد الكريم قاسم قرر وإخوانه إزاحته من الحكم فكانت ثورة الشواف -التي أخفقت- حددت إقامته في مسكنه. فتفرغ محمودشيت للدراسة وكتابة سير قادة الفتح، 14 نوفمبر1963م وقضى على قاسم وأصبح اللواء محمود شيت خطاب وزيراً، ولكنه تنحى وعاد للكتابة.
اللواء محمود شيت خطاب (2-2)
د. محمد أحمد عبدالهادي رمضان
29/06/2016
كان اللواء محمود شيت خطاب يفضل أن يعد من المتعلمين والعلماء على أن يعد من ذوى السلطان ولما تنحى اتجه للكتابة وكتب، حتى بلغ ما كتبه 54 كتاباً أهمها الكتب العسكرية والتاريخية وهي تقدم تاريخ قادة الإسلام وقد أطلق عليها إسم قادة الفتح الإسلامي وصدر منها: 1- الرسول القائد 2- الفاروق القائد 3- قائد فتح العراق والجزيرة 4- قائد فتح بلاد الفرس 5- قادة بلاد الشام ومصر 6- قادة فتح المغرب العربي.
وقد أصدر اللواء محمود شيت كتاب (الرسول القائد) فترجم إلى ست لغات هي: الإنجليزية والأردية والتركية والبنغالية والفرنسية والبشتو (لغة الباكستان).
ثم أصدر كتابه (الفاروق عمر القائد) وهو يرى أن عهد عمر كان العهد الذهبي للفتوح الإسلامية، ففي أيامه زعزع العرب المسلمون عرش قيصر وزلزلوا عرش كسرى، فكان عمر أعظم الفاتحين على الإطلاق في التاريخ الإسلامي.
الثالثة: كتب اللغة العسكرية: وقد أصدر في ذلك "المصطلحات العسكرية في القرآن الكريم" في جزءين ثم أصدر كتاب "أهمية توحيد المصطلحات العسكرية في الجيوش العربية"، و"الأمثال العسكرية في مجمع الأمثال"، و"تاريخ المعجزات العسكرية العربية" والمعجم العسكري الموحد الذي يضم 80 ألف مصطلح عسكري فني، وهو عمل بلا شك ييسر تعاون الجيوش العربية كما ينبغي أن تتعاون في السلم والحرب.
الرابعة: الناحية العسكرية السياسية التي لها مساس بالوقت الحاضر ومنها: "الأيام الحاسمة 5 يونيو"، وقد طبعته وزارة الثقافة والإرشاد في العراق والغريب أنه نشر مقالاً في هذا الموضوع تنبأ فيه بكل ما شاهدناه في اليوم المشؤوم حتى لقد تنبأ بيوم هجوم إسرائيل على العرب.
ومن هذه الكتب أيضاً: العسكرية الإسرائيلية - الوجيز في العسكرية الإسرائيلية – حقيقة إسرائيل – دراسات في الوحدة العسكرية العربية – أهداف إسرائيل التوسعية في البلاد العربية – طريق النصر في معركة الثأر – أهداف إسرائيل التوسعية.
وفي كتابه (طريق النصر في معركة الثأر) الذي صدر عام 1966م، أي قبل بداية عدوان - 5 يونيو – يقول اللواء محمود شيت في الفصل الخامس تحت عنوان: بناء الرجال: "ليس كل قائد أو زعيم يستطيع بناء الرجال ليكونوا في المستقبل عماد الوطن وركنه الركين، والقائد الحق أو الزعيم الحق هو الذي يتميز ببناء الرجال وخلق جيل منهم قادر على السير بالبلاد إلى شاطئ السلامة وتحمل أعباء الحكم بمقدرة وقوة وإيمان.
وإن سألني سائل: "ما الفرق بين القائد الحق والزعيم الحق وبين القائد المزيف أو الزعيم المزيف؟". لأجبت بدون تردد: "إن القائد الحق أو الزعيم الحق، هو الذي يبني الرجال. والقائد المزيف أو الزعيم المزيف هو الذي يحطم الرجال"، وقد وجدنا قادة وزعماء جاءت بهم الظروف ووضعتهم في مركز السيطرة والقوة والحكم، كل همهم تقريب الإمعات والمنافقين والهتافة وأشباه الرجال.
وسوم: العدد 675