الشهيد مأمون إدلبي

في دمشق الإسلام والإيمان... في دمشق ابن تيمية والعز بن عبد السلام (بائع الملوك وسلطان العلماء..) في دمشق الإباء.. دمشق الجهاد... ودمشق الفداء... دمشق التي صمدت لكل الطغاة... وقهرت الغزاة... في دمشق الشام... وحسبك بالشام موئلاً للفداء...

في دمشق ولد الشهيد مأمون سنة ألف وتسع مئة وست وخمسين من أبوين صالحين فنشأ نشأة صالحة في رياض المساجد والمحاريب.. يحصل علماً ويطلب قربة وأجراً...

عاف الدنيا بما فيها ورغب بالآخرة لم تشغله كلية الزراعة عن دعوته، كما لم تشغله الحرفة النادرة التي تعلمها من والده والتي كانت تدر عليه في الساعة الواحدة مئة ليرة انصرف عن الدنيا وبهجتها منذ أيقن أن ما عند الله خير وأبقى... انصرف إلى الجهاد والتضحية والفداء..

بحث – رحمه الله- عن الجماعة المسلمة الصادقة... وعندما شاء الله تمت البيعة وحمل الشهيد الراية، مقتدياً برسول الله صلى الله عليه وسلم وأتباعه (البنا وعودة وسيد والسباعي ومروان...)

انطلق الشهيد في دربه داعياً مجاهداً ابتدأ بأصدقائه في الجامعة وانتهى بعلماء المدينة. دعا إلى الله... وأوضح السبيل وأقام الحجة وأشهد الله أن قد بلغ وصدق بدمه دعواه.

وحج الشهيد فكان آخر دعائه في طواف الوداع (اللهم ارزقنا الشهادة، وارزقني الشهادة وفرج عن إخواننا) وصدق الله فصدقه.

صدق الله في نفسه، وصدقه مع الناس فلقي المحبة والقبول وبايعه الكثيرون على طريق الجهاد والإسلام. وقد شفع – رحمه الله- الصدق بعلمٍ غزير تلقفه من علماء أعلام أمثال الشيخ (هاشم المجذوب) مفتي السادة الشافعية والشيخ (عبد الرزاق الحلبي) مفتي الأحناف، والشيخ الدكتور محمد عوض. وكان ينعم بمجالسة أهل العلم الربانيين لينهل من بركاتهم وليستفيد من وصاياهم وتوجيهاتهم.... وجمع إلى كل أولئك كتب كبار الدعاة إلى الله فقرأ (للبنا وسيد وعودة والسباعي والمودودي...) رحمهم الله. فخرج من هذا المعترك العلمي بقلب وروح وفكر..

وإلى كل ذلك جمع رحمه الله القوة فالمؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كلٍ خير. ولعل من المفيد أن نذكر أن الشهيد – رحمه الله - قد رشح لخوض بطولة (كمال الأجسام) وأنه قد حاز على النطاق البرتقالي في الكاراتيه وقد رشح لنيل النطاق الأزرق.

الشهادة:

في السادس عشر من شعبان سنة ألف وثلاث مئة وتسع وتسعين كان الشهيد على موعد مع ربه. خرج – رحمه الله - لينفذ مهمة... مهمة التحدي للسلطة الباغية والحزب الحاكم بعد إعدام قافلة الشهداء في الأول من شعبان. وضع الشهيد ورفاقه عبوة ناسفة أمام أحد مقرات الحزب الهامة في حي الميدان، وكان الجبن والهلع قد بلغا من أذناب السلطة شأوهما، فراحوا يستعينون بالأطفال بعد أن عجزوا عن الحراسة!!!

رأى المجاهدون طفلاً بجانب المقر فلم يأبهوا له ولكن الطفل بدأ بالصراخ... وكانت معركة كان الطفل المسكين أول ضحاياها إذ فتح رجال المخابرات النار قبل انسحابه. ولقد كان باستطاعة المجاهدين أن يردوا الطفل منذ اللحظة الأولى وينجوا بأنفسهم ولكنهم لم يفعلوا نزولاً عند أحكام الإسلام.

خاض المجاهدون المعركة وقتلوا من جنود البغي عدداً، ونفدت ذخيرة المجاهدين فسقط شهيدان ونجا ثالث وكان شهيدنا أحد الشهيدين...

وفي حي الشيخ (محيي الدين) والساعة تدق الثانية عشرة لمنتصف الليل... كان أب يناهز الخامسة والأربعين يتلقى نبأ استشهاد ابنه.... ساد الصمت..... وترقرقت في الأعين الدموع.. لقد نهانا مأمون عن البكاء... أمرنا أن نفرح لاستشهاده.. "حمداً لله... مأمون غالي يا..... ولكنه لم يذهب رخيصاً....." ويعلو من الأم النحيب: مأمون.... ويهتف الأخ الصغير: كيف نبكي وقد قتل أخي شهيداً؟!!!

مضى الشهيد وقد أجيبت دعوته حين سأل الله الشهادة..... مضى الذي كان يحب أن ينشد قول أخيه مروان:

فبشرى لقلبك، وهنيئاً لعينك قد كفَّرت الشهادة ذنبك –إن شاء الله- وأنت الذي كنت تردد: (كيف يهنأ لنا عيش وحق الله مغتصب على أرضه!! والله لن يكفر ذنوبنا إلا الشهادة).

فها أنت يا أخي قد نلت ما تمنيت وقد وعدك ربك سبع خصال هي لك بلطفه وكرمه:

أن تدخل الجنة من أي باب شئت

– وأن يغفر لك ذنوبك مع أول قطرة من دمك

– وأن ترى مقعدك من الجنة

– وأن تجار من عذاب القبر

– وتأمن الفزع الأكبر

– وأن تكلل بتاج الوقار: الياقوتة فيه خير من الدنيا وما فيها

– وأن تتزوج باثنتين وسبعين من الحور العين

– وأن تشفع في سبعين من أهلك – وذلك لك إن شاء الله.

اللهم لا تحرمنا أجره ولا تفتنا بعده، واغفر لنا وله.

وسوم: العدد 681