الشهيد الفتى ياسر غنام

شهيد العشر الأواخر من رمضان

انتبه من النوم فرحاً مستبشراً، ونظر إلى من حوله من أهله، فرآهم يضحكون. سألهم متعجباً:

- لماذا تضحكون، يا رعاكم الله؟

- لقد كنا على وشك أن نقص لك شعرك المتطاول وها أنت تبتسم، لأنك كشفت مخططنا في اللحظات الأخيرة.

قال، وهو يتذكر حلمه الجميل:

- لا. لا . لم أبتسم من أجل هذا. ابتسمت لأني كنت أرى في (المنام) رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقلدني السيف، وهو يقول: "قم يا ياسر، وجاهد في سبيل الله".

مولده ونشأته:

ولد الشهيد ياسر غنام – رحمه الله- في مدينة حلب عام 1961م لأسرة صالحة، فوالده الأستاذ صبري غنام مدرس التربية الإسلامية في مدارس حلب الإعدادية والثانوية، ويشهد له كل من يعرفه بالورع والاستقامة، وهو رهن الاعتقال. كما أن الأخ الأصغر للشهيد قد اعتقل فترة، بينما طورد الآخر، وشرد عدد من أقاربه.

أنهى الشهيد دراسته الابتدائية والإعدادية بنجاح، لكنه لم يشأ إتمام المرحلة الثانوية، لاعتقاده بأن المدارس في عهد الحكم الجائر الضال أضحت معابد لتقديس صنم (بني نصير) صباح مساء.

انطلق إلى الحياة العملية، وأتقن حرفة جيدة خلال فترة قصيرة من الزمن، تدر عليه ربحاً شريفاً وفيراً. لكن كيف يركن إلى المال والدعة، وقد علمته الدعوة الإسلامية أن يرخص النفس والمال في سبيل الله – عز وجل- وقلده رسول الله –صلى الله عليه وسلم- سيفاً يمانياً لإزالة الطاغوت وإقامة حكم الله في الأرض.

صفاته الخلقية والخلقية:

شاب في مقتبل العمر، لم يتجاوز الثامنة عشرة. معتدل الطول، حنطي اللون، أسود الشعر أجعده، لا تفارق ثغره ابتسامة، تنمّ عن أدب جم، وتهذيب كبير. كريم النفس واليد. وما زال على هذه الحال حتى جاد بماله ونفسه في سبيل الله.

صفحة من جهاده:

في الأيام الأولى للمحنة السورية (بداية نيسان: إبريل) داهمت عناصر المخابرات المعمل الذي كان يعمل فيه الشهيد، واعتقلوا كل من كان معه، وحققوا معهم على وجه السرعة بحثاً عن المجاهد الشهيد عصام قدسي، وحينما لم يعثروا عليه استدرجوه بالهاتف، واتخذوا من الفتى ياسر – الذي خدعهم- دليلاً على كل قادم بانتظار عصام، وعندما حضر عصام – رحمه الله- على دراجته، غافلهم ياسر، وأشار له أن ابتعد، فأدرك عصام المكيدة، وتوارى سريعاً، وفي فرصة أخرى لحق به ياسر، وكان لهما فيما بعد جولات بارعة في مصارعة الطغيان قبل حادث مدرسة المدفعية وبعدها.

استشهاده:

مع بداية عام 1979م كشف الحكم الطائفي عن وجهه القبيح، وأعلنها حرباً سافرة على الإسلام والمسلمين، بعد أن مسخ كل ما يمت إلى الإسلام بصلة في أجهزة التعليم ومناهجها، وفي مؤسسات الدولة الإعلامية والقانونية والجيش.

لقد فتح الطغاة السجون لنخبة كبيرة من الدعاة المخلصين، وعلقوا فئة أخرى من الأبرياء على أعواد المشانق، ولم يبق للطغيان عذر في أن يتنادى الشباب المسلم لحمل السلاح، والذود عن حياض الإسلام والمسلمين.

وينطلق ياسر مع إخوانه مجاهداً في سبيل الله، واضعاً نصب عينيه واحداً من هدفين لا ثالث لهما: إما نصر يكحل عينيه بقيام دولة الإسلام والعدل، وإما شهادة تدخل جنات عرضها السماوات والأرض.

لقد كان الشهيد على موعد مع ربه في شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن، وفي العشر الأواخر منه، وفي ليلة الجمعة بالذات، حيث جرى اشتباك ضخم بين مجموعة الشهيد ياسر وبين عناصر المخابرات مساء يوم 19/8/1979 في حي (باب النصر) بمدينة حلب، استمر من المساء حتى الصباح، واستدعى إنزال قوات من (سرايا الدفاع) الطائفية.. لتعزيز موقف قوات (المخابرات) و(أمن الدولة) و(الشرطة) و(الحزبيين المسلحين) كما استخدمت القذائف الصاروخية (ر.ب.ج) لدك البيوت التي يتحصن بها المجاهدون. وانجلت المعركة عن سقوط عدد كبير من عناصر السلطة، واستشهاد المجاهدين الخمسة: عصام قدسي، همام الشامي، إسماعيل اليوسف، رامز العيسى، وشهيدنا ياسر غنام، صاحب الرصاصة الأولى والأخيرة في هذه المعركة، وهو الذي كان يسعى بين إخوانه المقاتلين يحمل الذخيرة أو يقدم الإسعاف، ويتحامل على جراحه بين الحين والآخر حتى توهم رجال السلطة أنه قُتل أكثر من مرة، فكان يُصْليهم النار كلما اقتربوا منه، فما كان منهم إلا أن ألقوا بجسمه المخضب بالدماء من البناء الشاهق إلى الأرض وما زال فيه رمق من روح.

هنيئاً لك أيها الشهيد بعد أن نلت أسمى أمانيك، وأنتم يا آل ياسر صبراً. إن موعدكم –إن شاء الله تعالى- الجنة.

اللهم لا تحرمنا أجره، ولا تفتنا بعده، واغفر لنا وله.

وسوم: العدد 682