حسون بكور
إن طبيعة المعركة مع أسد الجريمة وزمرته الباغية، لم تسمح في غالب الأحيان لأبناء شعبنا المجاهد أن يبينوا للطغاة المارقين، كيف يكون انتصار المسلم لعقيدته وكرامته وشرفه فقضى البعض شهيداً، دون أن تقر أعينهم بالثأر من أولئك البغاة.
على حين أتيح لبعض الإخوة أن يواجهوا الطغاة في مواقف على الرغم من كونها محدودة إلا أنها أذاقت أولئك الأنذال طعم الهزيمة والخذلان، وعرفوا أي صنف من الرجال هم يواجهون.
ولقد كان الأخ الشهيد "حسون بكور" ممن ذاق المجرمون بعض بأسه، فزرع الخوف في نفوسهم وكان أحدهم يرتعد بمجرد ذكر اسمه..
ولد الشهيد حسون في قرية (معربليت) التابعة لمنطقة أريحا في محافظة إدلب سنة 1952 والتحق في صفوف المجاهدين عام 1980 مخلفاً وراءه زوجة وأربعة أولاد بعد أن حاولت السلطة اعتقاله فلم تفلح.
ولقد عرف منذ نشأته بصلابة عوده وشدة مراسه، لا يعرف المحاباة لأحد، ولم يكن يحمل من الشهادات إلا شهادة الأخلاق والتربية السامية التي منحته إياها الدعوة المباركة منذ تخلق بأخلاقها عام 1977، وكان ممشوق القامة أسمر اللون، يحمل في محياه مهابة تحمل من يلقاه على احترامه والحياء منه، وقد جمع إلى هذه الصفات، طيب العشرة وصفاء النفس والجرأة البالغة والبأس الشديد.
فكان يصدع بكلمة الحق في وجه الأزلام وأعوانهم ساخراً منهم ومن سيدهم أسد، ولقد حدث أن حاول أحد الأزلام أن يظهر نفسه بأنه من جند أسد، وذلك على إثر ضجة حدثت في المسجد وذلك كي يرهب الناس ويحملهم على احترامه وتبجيله.. فما كان من حسون إلا أن اقترب منه وأمسكه من ردائه وصرخ في وجهه: نحن شباب محمد صلى الله عليه وسلم فمن تكون أنت.. وهمّ أن يبطش به لولا أن تداركه الناس وخلصوه من يديه.
وكلفت السلطة أزلامها بمراقبة حسون في تحركاته بعد أن بلغتها المعلومات عن مدى جرأته وتيقظه فراحت تحسب له كل حساب.
ولما تيقنت من خروج حسون من القرية على ظهر دراجته النارية، وضعت له الكمائن على الطرق المؤدية لقرية (معربليت) وعندما أقبل شهيدنا على ظهر دراجته يحمل وراءه أحد إخوانه، وشاهد الدورية، أدرك بتيقظه وحسه العميق، أنها ليست مجرد دورية، وعرف أنه هو المقصود فراح يعد للأمر عدته...
هدّأ حسون من سرعة دراجته موهماً الدورية بأنه ينوي التوقف، فراح الأزلام يستعدون للقبض عليه، ولكن سرعان ما خاب فألهم عندما هب حسون بدراجته كالعاصفة، بعد أن طرحهم بقنبلة أفقدتهم وعيهم، وما إن استردوا بعض وعيهم حتى لاحقوه بأسلحتهم الرشاشة قاصدين تمزيقه ثم ما لبثوا أن انطلقوا وراءه بسياراتهم وراحوا يطلقون عليه نيران رشاشاتهم.. ولكن أنى للأيدي المهزوزة أن تتجاوز قضاء الله.. وعندما ازدادوا اقتراباً منه انطلقت قنبلته الثانية من دراجته فتقهقروا وقد أخذ عليهم الرعب كل ما أخذ. وعندما شاهدوا حسون وأخاه يسقطان عن الدراجة بعد أن تأثر بجراحه، ظنوا أنهما أصبحا لقمة سائغة، فراحوا يتراكضون نحوهما.. قاصدين حسون ولكن خاب ظنهم ثانية، عندما نهض من على الأرض يحمل جراحه بيد، ويحمل مسدسه بيده الأخرى، فماذا عساه أن يفعل مسدس بين هذه الأسلحة الرشاشة؟ ذلك إن الذي يفعل في مثل هذه المواضع القلب المسلح بالإيمان.. الإيمان الذي طالما ارتدت على أعتابه قوى الشر والطغيان بعددها وعديدها.
وتمكن حسون من الانسحاب وتغلغل بين بيوت قريته التي كان قد بلغها والأزلام يتبعونه، فاحتضنت (معربليت) القرية الهادئة ابنها حسون وضمدت جراحه، وأذهبت ألمه، وأطبقت عليه أجفانها.
ودخل المجرمون القرية وراحوا ينكلون بأهلها، ويذيقونهم ألواناً من الإهانة والعذاب علهم يهتدون إلى أثر له، فاستعصت عليهم حتى نقاط الدم التي سالت من جرحه، ومنذ ذلك اليوم وبقدر ما كان ذكر حسون يبعث الفخر والاعتزاز والإكبار في نفوس الذين عرفوه أو سمعوا به، كان ذكره يثير الرعب والهلع في نفوس أزلام السلطة الذين راحوا هم أنفسهم يتحدثون عن بطولته وشجاعته.
إلى أن كان يوم من أيام كانون الأول عام واحد وثمانين 1981 تنبه فيه أهالي قرية معربليت والقرى المجاورة والممتدة على طول الطريق إلى أريحا فإدلب، تنبهوا على صوت الرصاص ينطلق في الهواء برشقات متتابعة من أيدي عناصر السلطة المجرمة تعبيراً عن الفرح والزهو، وتتالت الأخبار تحمل نبأ استشهاد حسون بعد أن استنفرت السلطة المجرمة كل أجهزة القمع في إدلب بما في ذلك وحداتها المتمركزة في قلب المدينة وعلى أطرافها، وأحاطت به في قاعدته من كل جانب، وما إن شعر بالطوق الذي ضرب حوله، حتى انتفض من قاعدته كالليث الهصور مفسحاً المجال لمرافقه للانسحاب، وقد أفلح في تغطية انسحاب هذا الأخ غير أن حبه ووفاءه لحسون جعله يؤثر أن يكون رفيقه في الحياتين: الدنيا والآخرة، وأخذت الدهشة الأزلام فراحوا ينكرون عليه عودته ويتساءلون.. لماذا عاد؟ وسرعان ما زالت دهشتهم فالحقيقة واضحة جلية.. إنها أخوة الإيمان ورابطة العقيدة التي تصهر الأرواح والأجساد بهذا الالتحام الذي ما ذاق طعمه جند أسد يوماً..
وانجلت أرض المعركة عن عدة أزلام مجندين بين تلك الصخور باعوا أنفسهم للطاغوت فقتلوا في سبيل الشيطان.
وعن شهيدين قاتلا في سبيل الله، لإعلاء كلمته ورفع رايته متيقنين بوعده الذي وعد به عباده المخلصين: جنة.. ورضواناً..
سلاماً عليك حسون في الأولين، وسلاماً عليك في الآخرين وإننا على العهد باقون وللثأر طالبون، ولا نامت أعين الجبناء.
وسوم: العدد 697