الشهيد محمد موسى الشيخ إبراهيم
أي فتى هو ذلك الفتى الذي امتطى صهوة جواده يتفيأ ظلال أشجار جبل الزاوية ويرتقي صخوره وجباله يحمل الإيمان في قلبه والراية في يمينه خلفاً عن سلف؟ إنه الشهيد محمد بن موسى الشيخ إبراهيم المولود في قرية "بسامس" عام 1957م أسمر اللون طويل القامة يتقد حركة وذكاء وأدباً لا تلين له قناة ولا تفتر له همة حيث وُجِّه بادر بالتنفيذ والفرحة تملأ قلبه ولسانه لا يفتر لحظةً عن ذكر الله. اكتسب شهيدنا من طبيعة قريته صفاء العشرة ولين الجانب وقوة الإرادة وتحمل المشاق فقد صعد تلالها وهبط وديانها وصقلته حرارة الشمس على مراتع صخورها التي قرأ فيها مجد الآباء والأجداد وعنهم أخذ.
تلقى تعليمه الابتدائي في قريته وتابع المرحلة الثانوية في ثانوية احسم ثم التحق بجامعة حلب فرع العلوم عام 1977م وفيها انتسب إلى جماعة الإخوان المسلمين التي وجد فيها ضالته المنشودة في الفكر والعقيدة والحركة وهو الذي آلمه ما تقوم به السلطة الكافرة من طمس وعداء لتلك المقومات الأساسية في حياة الإنسان المسلم وحريته في التفكير.
وامتزجت روح شهيدنا بين الدراسة والفكر.. بين المستقبل والالتزام، ووفَّقت بينهما حتى غدا فيهما إنساناً جديداً يتنقل بين الزملاء والصحب لينقل للآخرين ما كان يجهله من قبل إذ إنَّ روحه ارتبطت بما وهبه الله من نعمة الإيمان ومن همةٍ دعويةٍ نادرة حتى مسجدُ قريته المتواضع كان لشهيدنا فيه رَنَّةُّ صوتٍ ووقع بيان ولقاء أحبة فيه يتدارسون كتاب الله ويُعلِّمون ويتعلمون حديث رسوله، فكان أبو صالح الطالب المُجِدُّ والداعية المتزن، ولما قامت السلطة الأسدية بهجمتها المنظمة على الجامعات كان لشهيدنا نصيب فيها فلاحقته في أيار 1980م فالتحق بأستاذه المجاهد مصطفى حورية لينتقل شهيدنا من مرحلة الدراسة والدعوة إلى مرحلة الجهاد والمصابرة فكان مثال الجندي المطيع والمرابط الصابر والتقي والورع.
ثلاثة أعوام قضاها شهيدنا ينتقل من مكان إلى آخر يبارز الأعداء لم تفتر له همة ولم تلن له قناة فكم من مكيدة أفلت منها وهو يردد مقولته المشهورة: "ألم ترض عني يارب فقد تاقت روحي للقائك". وفي أواخر نيسان عام 1983م كثفت السلطة الباغية حملتها المسعورة على قرى جبل الزاوية فكان اللقاء بين زبانية النظام وبين المجاهد الأمين الذي صعدت روحه إلى بارئها مع اثنين من المجاهدين البررة الذين نذروا أنفسهم للجهاد في سبيل الله.
أما أهل بسامس فقد حزنوا على المجاهد البطل والشاب المقدام وذرفوا الدمع السخي على فراقه. لقد ودعوه ذكرى عطرةٍ موزعة على سفوح جبل الزاوية تتنضر بها الحياة على الأرض فيما هو يحيا في عليين مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً.
وسوم: العدد 699