الشهيد نادر السباعي
كان نادر قد قدم لتوه من حلب حيث كان يدرس علوم اللغة العربية في كلية الآداب، وذلك لغرض المشاركة في ذكرى المولد النبوي والإعداد له، والمساهمة بما يتناسب وتلك الذكرى المجيدة، لا سيما وقد أخذت السلطة بين الفينة والأخرى، تدشن الاحتفالات الزائفة بذكريات مخازٍ صنعها أسد.
وعلى مقربة من المدخل الرئيسي لجامع سيدنا خالد بن الوليد وقف واصف مع نادر وقد تحرقا شوقاً لتلك الذكرى النبوية المجيدة.
قال واصف لنادر: كيف ترى حمص..؟ كل شيء كاد يتغير في مدينتنا!! ثم استطرد قائلاً وقد تحشرجت الآه في أعماقه: أتذكر يا أخي ما حدثنا به الشيخ عن مولد نبينا محمد صلى الله عليه وسلم؟ لقد كانوا يركبون الخيول ويلعبون بالسيوف.. لقد كان هتافهم:
"هادا مولد نبينا ويا ويلو يللي يعادينا".
قال نادر وقد امتلأ غضباً: آه يا أخي.. لقد كنت أظن أن الشهادة ستكون في شوارع القدس، إلا أنها على ما يبدو ستكون في شوارع حمص.. ثم عقب على ذلك بقوله: إنها الحرمات وقد أخذت يد البغي الملوثة تدب إليها..!! والواجب يقتضي أن نثبت..
ورداً على زيوف أسد الصاخبة، خرج الأحرار المؤمنون من مدينة ابن الوليد، ونادر في مقدمتهم ينشرون معالم الفرح والزينة في أرجاء المدينة ويرفعون اللافتات المعبرة احتفالاً بتلك المناسبة الكريمة، التي أشرقت من فيض عطائها الدنيا وأضاءت بسنا فجرها العالمين.
لكن السلطة الباغية، والحقد الأعمى الدفين، الذي نبشته أظافر أسد، قامت ليلاً وبكل صفاقة وفجور، بإنزال كل اللافتات التي علقها أبناء المدينة تعبيراً عن الفرح بالذكرى.
وأمام هذا التحدي السافر لمشاعر المواطنين ولأيامهم الخالدة التي تحكي ميلاد المصطفى في سيرة خالدة، هبت جماهير حمص العربية المسلمة، في وجه الطغاة المارقين، تعلن غضبها واستنكارها لما فعلته الطغمة الحاقدة، وتعيد اللافتات إلى مكانها، إلا أن السلطة الأسدية كشرت عن أنيابها، وكشفت عن كل سوءاتها بسيل من الأزلام المسعورين المدججين بالدروع – من مصفحات ودبابات – وبموج من الحقد المستعر، وبوابل رصاص منهمر من بنادق الظالمين.. إلى صدور الجماهير المؤمنة العزلاء..
وبينما كان الشاب الشجاع نادر السباعي يشارك إخوانه في انتصارهم لذكرى الرسول العظيم، فاضت روحه إلى بارئها، بطلقات غادرة، كانت المسيرة الإيمانية تعبر عن غضبها بصرخات: الله أكبر المتعالية وبشعار (لا إله إلا الله، والأسد عدو الله)، وهكذا انقلبت الفرحة إلى مأساة، فجرح عشرات الشباب، واستشهد آخرون، من بينهم الشهيد نادر السباعي ابن الإمام والمؤذن الذي طالما رَجَّعت أرجاء حمص أصداء صوته العذب الحنون.
رحم الله نادر السباعي، فقد ولد وعاش في كنف أسرة ذات خلق ودين، دأبت على تربية أولادها تلك التربية الصالحة وتلقينها شيم الرجال وأخلاق المجاهدين.
لقد ولد نادر السباعي في مدينة حمص عام 1952م واستشهد في مدينة حمص أيضاً عام 1972م وهكذا قضى شاباً في ريعان الشباب وميعة الصبا وأمام قبره وقف أحد إخوانه خطيباً وقال:
رحمك الله يا نادر، لقد صدقت إذ قلت: لقد طلبت الشهادة في القدس ولكن على ما يبدو أنها ستكون في حمص، وها هي ذي وقد كانت، لكن إخوانك المجاهدين يقولون لك وبإذن الله سوف يسيرون على الدرب الممتد من حمص إلى القدس عبر لاهب الجهاد، وهوج الأعاصير، ليثأروا لك ولإخوانك الذين قضوا شهداء برصاصات دفع فيها أبناء سورية قلوبهم وأرواحهم في سبيل تحرير القدس ولكن حافظ أسد وأخاه رفعت وعبيدهما حولوها عن الجولان إلى صور المؤمنين الذين أثبتوا صدق إخلاصهم في تحرير الوطن. وسيأتي اليوم الموعود بإذن الله وما ذلك على الله بعزيز.
وسوم: العدد 701