البطل جاد الكريم

البطل الملازم طيار جاد الكريم نصر من أبطال أكتوبر 1973 وكان عمره ( 21 ) سنة .

قبل اندلاع المعارك خضع البطل ملازم طيار جاد الكريم نصر مع رفاقه إلى تدريبات مكثفة وكان اللواء حسني مبارك دائم الزيارة لمراجعة تفاصيل خطط التدريب ورفع الروح المعنوية والتأكيد على اقتراب موعد الثأر وتحرير سيناء .

أعلنت عقارب الساعة الواحدة ظهر يوم 6 أكتوبر 1973 وصدرت الأوامر إلى البطل ونسور مصر بالصعود إلى الطائرات لأجل عبور خط بارليف تدمير الأهداف الإسرائيلية وإنهاء أسطورة الجيش الذي لا يقهر.

كانت الأوامر بخروج 16 طائرة من بين 24 طياراً مما دفع الطيارين غير المطلوبين للطلعة الجوية الأولي إلى البكاء بهستيريا وبدأ الطيارون غير المطلوبين في مساعدة الزملاء وبدأ الفنيون المسئولون عن تسليح الطائرات بتوقيع الصواريخ بعبارات مثل الله أكبر.. وما رميت إذ رميت ولكن الله رمي .. وغيرها من العبارات التي تُعبر عن رغبتهم الشديدة في الثأر واستعادة سيناء الحبيبة .

أقلعت الطائرات على ارتفاع منخفض هربا من رادارات العدو وعندما عبر البطل ورفاقه فوق خط بارليف شاهد على شفاه أبطال القوات المسلحة المصرية صيحة (الله أكبر).

على بُعد 30 كيلو متراً داخل عمق سيناء استمرت عمليات سلاح الجو المصري في تدمير أهداف العدو الصهيوني واحداً تلو الآخر دون هوادة ومع انتهاء الذخيرة وتنفيذ الأهداف عادت الطائرات إلى قواعدها سالمة .

استقبل قائد السرب الأبطال بالأحضان والتكبير وعلي مدار يومي 6 و7 أكتوبر 1973 استمرت عمليات سلاح الجو المصري في عمق سيناء دون رد فعل ملموس من الدفاع الجوي الإسرائيلي فالمفاجأة أصابت عقول الإسرائيليين بالشلل.

في صباح يوم 8 أكتوبر أقلع البطل الملازم طيار جاد الكريم نصر مع رفاقه الأبطال من قاعدة القطامية لتنفيذ مهمة جديدة وتمت بنجاح ثم عاد الأبطال لإعادة تسليح الطائرات وفي المساء خرجوا في مهمة لتدمير المعدات العسكرية الإسرائيلية في عمق 40 كيلو متراً داخل سيناء في طريقهم لقصف الأهداف فوجئوا بأن القوات الإسرائيلية غيرت مكان تجمعها مما يعني انتهاء مهمة الأبطال ولكن قرروا البحث عن هدف آخر بالقنص الحر وتقدموا لمسافة 50 كيلو متراً في عمق سيناء ونجحوا في تدمير أكبر محطة للتشويش والإعاقة الإسرائيلية بجبل أم خشيب وفجأة ظهرت 4 طائرات فانتوم إسرائيلية وأصيب البطل جاد الكريم واشتعلت طائرته فأنطلق بمقعده خارج الطائرة على ارتفاع 10 أمتار فوق سطح الأرض وغاب عن الوعي وبعد استفاقته بدأ في فحص جسده والإصابات التي ألمت به فوجد كسر في الذراع الأيسر وشظية بالذراع الأيمن وجزعا بالقدم وشظايا متفرق بأنحاء جسده ورقبته مما أسال الدماء في مختلف أنحاء جسده ووجهه.

كانت المسافة التي تفصل البطل عن القوات المصرية على عمق 50 كيلو متراً خلف خطوط العدو الإسرائيلي وكل ما يملكه من وسائل الإعاشة كيس مياه يحتوى على نصف لتر وبدون سلاح فبدأ في السير عكس اتجاه الشمس في محاولة للوصول إلى القوات المسلحة المصرية واتخذ البطل الطرق الوعرة غير الممهدة في محاولة لتجنب ملاقاة قوات العدو ومع اختفاء الشمس آوى لأحد التلال الوعرة في انتظار ضوء النهار التالي حتى لا يفقد خط سيره في الظلام وحاول فتح كيس المياه ليرتوي إلا أنه فشل في البداية بسبب إصابات ذراعه ولكن بأسنانه تمكن من فتحه لكن بعد أن اختلط الماء بدماء فمه ووجهه وشربه بالكامل.

مع بزوغ أول ضوء لنهار يوم 9 أكتوبر 1973 بدأ البطل ملازم طيار جاد الكريم نصر في التحرك مجددا وكلما اقترب أكثر من خط النار بين القوات الإسرائيلية والمصرية كلما شعر بالارتياح لأن ذلك يعني أنه يسير في الاتجاه الصحيح وعندما يواجهه قوات للعدو كان يختفي بين الأعشاب الشائكة الخضراء التي تشبه في لونها لون ملابسه الخضراء ومع بداية نهار يوم 10 أكتوبر وصل إلى القوات المصرية فرفع الجنود السلاح في وجهه مُعتقدين أنه أحد جنود العدو الذي سقط أسيرا إلا أنه صاح : أنا مصري .. مصري .. فصرخ الضباط في وجه الجنود : ما محدش يضرب .

تمت محاصرة وسؤاله : أنت مين ؟ فأجاب وهو يسقط أمامهم : أنا طيار مصري .. فقالوا : ونعرف منين إنك مصري ؟ فأجاب : أنا طيار من سرب قاعدة القطامية اللي خرج من يومين .. فصاح أحدهم : أنت كنت في السرب اللي ضرب محطة التشويش في جبل أم خشيب؟  فأجاب : أيوه .

هنا صاح أحد الضباط في الجنود : شيلوا البطل .. أسعفوه .. وبالفعل حملوه أبطال مصر لأجل إسعافه وبعد الكشف الأولى أمر الطبيب بضرورة نقل البطل ملازم طيار جاد الكريم نصر إلى المستشفي لخطورة حالته خاصة وأنه فقد الكثير من الدماء خلال رحلة عودته سيرا على الأقدام .

أبطال مصر من الضباط والجنود والقيادات أعطوا وجباتهم للبطل ملازم طيار جاد الكريم نصر وفجأة حضر البطل أحمد بدوي عميد وقائد فرقة ميكانيكية مشاه وقتئذ علي متن دبابته وسأل : فيه إيه ؟ فقال أحد الضباط : ده الطيار اللي بلغوا باستشهاده بعد ضرب محطة التشويش .. فسأل أحمد بدوي : وما نقلتهوش ليه على المستشفي؟ فأجاب الضباط : العربية الوحيدة اللي كانت موجودة كانت بتنقل ذخيرة .. فصرخ قائلا : هو أهم من الذخيرة .. ثم أمر بحمل البطل الطيار على متن دبابته نقله بنفسه إلى المعبر وطوال الطريق أشرف على إطعامه مرددا .. حمد لله ع السلامة يا بطل.

فور العبور إلى الضفة الغربية قابل الفريق سعد الدين الشاذلي الذي ربت على كتفه وهنأئه على عودته وتدمير محطة التشويش الإسرائيلية وقال : ما تقلقش ها تبقى كويس .. فقال البطل الطيار : أنا عاوز أتعالج بسرعة علشان أرجع للحرب تاني يا فندم .. فأجابه مبتسما : ما تقلقش.

فور دخول البطل المستشفى علم أن القوات الجوية سجلته شهيدا بعد التأكد من رفاقه في السرب المشارك في تدمير محطة التشويش ورؤيتهم اشتعال طائرته بعد إصابتها.

في المستشفى قام الطبيب التشيكي المعالج للبطل بسؤاله : أنت عاوز تطير تاني ؟

فسأله البطل : ليه .. هو أنا مش ها طير تاني ؟

فقال الطبيب : للأسف لا .. فدمعت عين البطل .. وهنا قال الطبيب : بس فيه أمل .. لا تقلق.

علي مدار عام كامل تلقى البطل الطيار جاد الكريم نصر خلاله الكثير من الجلسات العلاجية المكثفة حتى يتمكن من فرد ذراعه الأيسر وبالفعل عاد إلى السماء محلقا من جديد وتدرج في الرتب العسكرية حتى وصل إلي رتبة لواء وعمل رئيسا للشركة المصرية للمطارات.

وسوم: العدد 731